شن الإعلام المصري حملة شرسة جديدة حاليًا ضد المملكة العربية السعودية بسبب تباين وجهات النظر حيال العديد من الملفات الإقليمية، إضافة إلى التنديد بزيارة مسؤولين سعوديين وقطريين مؤخرًا لدولة إثيوبيا، ما اعتبرته القاهرة تهديدًا لأمنها المائي خاصة بعد الجولة التفقدية التي قام بها مسؤولا البلدين لسد النهضة.
الحملة الإعلامية المصرية ضد الرياض وملكها ليست الأولى، بل سبقها عدة حملات أخرى عقب التصويت المصري لصالح القرار الروسي بمجلس الأمن، أكتوبر الماضي، بشأن الوضع في سوريا، إلا أن الهجوم هذه المرة له طابع خاص سواء من حيث قسوته أو المضمون المقدم.
العديد من التساؤلات تفرض نفسها حيال هذه الحملة ودوافعها الحقيقية، خاصة أنها بدأت بعد وقف شركة أرامكو السعودية إمداداتها النفطية للقاهرة طيلة الأشهر الثلاث الماضية، إضافة إلى التساؤل عن موقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من هذه الحملة التي تؤثر بلا شك على مستقبل العلاقات بين البلدين، واحتمالية التدخل لتحسينها قبيل الترشح لولايته الثانية المقررة في 2018، خاصة في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها مصر مما يدفعها للحيلولة دون خسارة الدعم الخليجي.
حملة إعلامية ضد الرياض
شنً الإعلام المصري حملة ممنهجة غير مسبوقة ضد المملكة العربية السعودية، حيث سخرت الفضائيات شاشاتها والصحف والمجلات مواقعها الإلكترونية وصفحاتها الورقية، للهجوم على العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز أل سعود، ونظام حكمه، وطريقة قيادته للأمور في المملكة.
ووصل التجاوز بحق المملكة إلى مطالبة أحد الإعلاميين بمحاكمة حكام السعودية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في اليمن والتحريض على المجازر في سوريا، وهو ما جاء على لسان الإعلامي يوسف الحسيني، متهمًا القيادة السعودية باستخدام قنابل عنقودية باليمن تسببت في مقتل أطفال وكبار سن ومدنيين وتدمير اليمن وبنيته التحتية.
إعلامي مصري: شوية عيال يديرون الخارجية السعودية، وإذا كان لنا عمالة هناك فلدينا مليون وربع المليون سعودي هنا
كما سخر الحسيني من المملكة موجهًا حديثه لها بأن هذه القنابل المستخدمة لما لم يتم توجيهها صوب إسرائيل أو تنظيم الدولة الإسلامية”داعش” في سوريا والعراق، مطالبًا بلجنة تحقيق دولية لاستخدام الرياض أسلحة محظورة دوليًا في حرب اليمن، ساخرًا من الموقف السعودي باليمن، قائلاً: “برده اتهزموا”.
وفي السياق نفسه انتقد الإعلامي محمد علي خير عبر برنامج المقدم على قناة “القاهرة والناس” الخاصة، زيارة الوفد السعودي لسد النهضة الإثيوبي قائلاً: “شوية عيال يديرون الخارجية السعودية”، تعليقًا على زيارة وفد سعودي رفيع المستوى لسد النهضة الإثيوبي، مضيفًا: “إذا كان لنا عمالة هناك فلدينا مليون وربع المليون سعودي هنا”، مختتًما حديثه: “إذا استمرت السياسة السعودية مع مصر هكذا، فلا تلوموا إلا أنفسكم”.
وعلى صدر واحدة من الصحف الخاصة في مصر، وهي صحيفة “الأنباء الدولية” وصفت خادم الحرمين الشريفين بـ “الخائن”، إضافة إلى عدة عناوين أخرى منها: “سلمان خالف وصايا أخيه، أوقف إمدادات البترول، وأصدر بيان التعاون الخليجي لإدانة القاهرة، وأرسل مستشاره لزيارة سد النهضة ودعم إثيوبيا”.
مانشيت صحيفة “الأنباء الدولية” المصرية الخاصة في عددها الأسبوع الماضي
كما هدد الصحفي خالد صلاح رئيس تحرير صحيفة “اليوم السابع” المملكة بأن سياساتها العدائية ضد مصر ستقود إلى توتر في العلاقات وهو ما ينعكس بصورة سلبية على الرياض ومصالحها في المنطقة، بينما انتقد أحمد موسى ما أسماه تمويل سد النهضة، واصفًا إياه بـ”إلقاء المليارات في النيل لأن السد سينهار قريبًا”، على حد قوله.
أما الإعلامي إبراهيم عيسى، فقد عزف مرارًا على مسألة دعم الرياض للإرهاب، قائلاً خلال برنامجه المُذاع عبر فضائية “القاهرة والناس”: “السلاح السعودي لم يوجه إلا لعربي، والأموال السعودية لم توجه إلا إلى صدور العرب”.
وقال عيسى “إن الدم في سوريا يقع على عاتق الثلاثي قطر وتركيا والسعودية الذين كانوا يجلسون على طاولة واحدة مع أحد إرهابيي جبهة النصرة، وهو صدام الجبلي، للتنسيق” على حد وصفه، مشيرًا إلى “أن 90% من التفجيرات الانتحارية التي تقع في سوريا والعراق ينفذها أشخاص من السعودية، واصفًا المملكة بأنها ترقد على برميل بارود من الإرهابيين”.
الخليج وسد النهضة
جاءت زيارة مستشار العاهل السعودي بالديوان الملكي أحمد الخطيب، الجمعة الماضية، إلى العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، وقيامه بجولة تفقدية في سد النهضة الإثيوبي، لتزيد توتر العلاقات مع القاهرة، حيث كانت بمثابة الشعلة التي فتحت الباب أمام الإعلام المصري للهجوم على المملكة وقائدها.
جولة الخطيب التفقدية في سد النهضة، واستقباله من قبل مدير المشروع هناك، ومن بعدها مشاوراته مع وزير الخارجية الإثيوبي ورقنه جبيهو، دفعت القاهرة إلى القلق على أمنها المائي، خاصة بعد دعوة رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام ديسالين، السعودية إلى دعم مشروع السد ماديًا والاستثمار في إثيوبيا، مؤكدًا على رغبة بلاده في التعاون مع السعودية في مجالات الطاقة والطرق والكهرباء والزراعة.
وقبل أن تستفيق القاهرة من زيارة مستشار العاهل السعودي، توجه وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن، إلى العاصمة أديس أبابا، الإثنين الماضي، في أول زيارة له إلى إثيوبيا، منذ تعيينه في منصبه في 27 من يناير الماضي، حيث التقى مسؤولين إثيوبيين وتباحثا سبل التعاون المشترك، ليدفع ببعض المحللين بالقاهرة إلى الذهاب إلى أن الزيارة القطرية جاءت بموافقة سعودية للعمل على تهديد الأمن المائي المصري، وإلا لماذا هذا التوقيت بالذات الذي يتوجه فيه وزير خارجية قطر لإثيوبيا؟
خلال زيارة الوفد السعودي لسد النهضة في إثيوبيا
انتقاد الزج باسم قطر في تفجير البطرسية
ثم جاء الرفض الخليجي بالزج باسم قطر في تفجير الكنيسة البطرسية الذي وقع بالقاهرة في منتصف الشهر الحاليّ، ليصعد من حدة الهجوم على الرياض بدعوى تغير سياساتها ومواقفها تجاه الإخوان المسلمين، وتأييدها لدعم قطر للإرهاب في مصر على حد وصف بعض الإعلاميين في مصر.
وقد عبر الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبد اللطيف الزياني عن انزعاج دول المجلس من الزج باسم قطر في تفاصيل جريمة تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة في الـ 12 من هذا الشهر، واعتبر ذلك أمرًا مرفوضًا، مؤكدًا رفض دول مجلس التعاون للإرهاب بكل صوره وأشكاله.
وأضاف أن التسرع في إطلاق التصريحات دون التأكد منها يؤثر على صفاء العلاقات المتينة بين مجلس التعاون ومصر، ملفتًا إلى ضرورة التواصل في مثل هذه القضايا الأمنية وفق القنوات الرسمية لتحري الدقة قبل نشر بيانات أو تصريحات تتصل بالجرائم الإرهابية.
تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة في 12 من نوفمبر الحاليّ
تصاعد الخلاف
الخلاف بين القاهرة والرياض لم ينحصر فقط في زيارة الخطيب لإثيوبيا وفقط، بل إلى تباين وجهات النظر حيال الملفين السوري واليمني، فدعم النظام المصري لبشار الأسد وجيشه في مواجهة الثوار، والتصويت لصالح القرار الروسي بمجلس الأمن في أكتوبر الماضي ضد الرغبة السعودية، إضافة إلى الانسحاب مؤخرًا من التحالف العربي وعاصفة الحزم في اليمن، ساهم بشكل كبير في توتر الأجواء بين البلدين بصورة كبيرة.
كما أن توقف الإمدادات النفطية لشركة أرامكو السعودية للقاهرة تسبب في شرخ كبير في العلاقات بين البلدين، حيث جاء متزامنًا مع تصويت مصر لصالح القرار الروسي بمجلس الأمن، وهو ما تم تفسيره بأنه محاولة سعودية للي الذراع المصري، والضغط عليها، خاصة وهي تعلم جيدًا حاجة القاهرة لمثل هذه الإمدادات والتي تمثل ثلث الاحتياجات النفطية المستوردة من الخارج.
ثم جاء استقبال وفد جبهة البوليساريو بشرم الشيخ ودعوته لحضور المؤتمر الاحتفالي بمرور 150 عامًا على إنشاء البرلمان المصري، فضلاً عن حضور القاهرة القمة العربية الإفريقية التي عقدت بغينيا في نوفمبر الماضي، رغم انسحاب الدول الخليجية وبعض الدول الإفريقية دعمًا للمغرب وتنديدًا بمشاركة الجمهورية الصحراوية، ليزيد الواقع تأزمًا، ويدخل العلاقات بين القاهرة والرياض إلى نفق شبه مسدود.
خلال التصويت المصري لصالح القرار الروسي بمجلس الأمن أكتوبر الماضي
استنكار خليجي
خليجيًا، استنكر عدد من الإعلاميين والسياسيين الحملة الإعلامية المصرية ضد السعودية، حيث رفض الكاتب السعودي جمال خاشقجي، اتهام المملكة العربية السعودية بدعم الإرهاب، من قبل بعض الإعلاميين المصريين، وقال في تغريدة عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “جملة (السعودية تدعم الإرهاب) باتت زي السلام عليكم في الإعلام المصري! ما الذي يجري؟ هل جدارنا انخفض لهذه الدرجة؟”.
جملة " السعودية تدعم الاٍرهاب " باتت زي السلام عليكم في الاعلام المصري !! مالذي يجري ؟ هل جدارنا انخفض لهذه الدرجة ؟
— جمال خاشقجي (@JKhashoggi) October 17, 2016
أما الكاتب والروائي السعودي عادل المالكي، فقال عبر تغريدة له على مواقع “تويتر” تعليقًا على هاشتاج#الإعلام_المصري_يهاجم_السعودية: “هل يوجد في مصر أصلاً إعلام؟ لا يوجد إلا وصلات ردح وتطبيل للنظام”.
من جانبه ندد جابر الحرمي رئيس تحرير صحيفة الشرق القطرية، بموقف وسائل الإعلام المصرية، بعد توتر العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية، وقال في تغريدة عبر له على “تويتر”: “الإعلام المصري ومرتزقته يبدأون حملة قذرة ضد الشقيقة السعودية والملك سلمان، ابتزاز جديد بعد أن أفضحتهم مواقفهم الأخيرة في مجلس الأمن”.
الإعلام المصري ومرتزقته يبدأون حملة قذرة ضد الشقيقة #السعودية و #الملك_سلمان ..
إبتزاز جديد بعد أن أفضحتهم مواقفهم الأخيرة في مجلس الأمن ..
— جابر الحرمي (@jaberalharmi) October 12, 2016
ماذا عن المستقبل؟
لا شك أن الهجوم المتبادل بين القاهرة والرياض حالة عارضة طرأت لتباين وجهات النظر حيال بعض الملفات، فكل طرف يبحث عن مصالحه الخاصة، وينزعج لمعارضة الطرف الآخر لتلك المصالح، ومن ثم لا يمكن القول بأن العلاقات بين البلدين قد تصل إلى حد الطلاق كما يردد البعض.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمام خيارين لا ثالث لهما قبيل إعلانه الترشح لولاية رئاسية ثانية في 2018، فهو يعلم جيدًا قيمة ومكانة السعودية ودعمها لنظامه طيلة السنوات الماضية، ولديه يقين راسخ أن التضحية بهذا الدعم في ظل الأزمة التي تحياها بلاده الآن، مغامرة لا يحمد عقباها، وفي المقابل تعلم الرياض جيدًا حجم الدور المصري، وتأثيره الإقليمي، ومن ثم تأتي موجات المد والجذر بين الطرفين من باب الضغوط الممارسة كل بأوراقه الخاصة، حتى سقف معين لا يمكن تجاوزه حفاظًا على هذه العلاقات المشتركة والمصالح المتبادلة.
الخيار الأول: تحسين علاقته بالرياض في أقرب وقت ضمانًا لدعمها له في المرحلة القادمة، خاصة وهو يعلم يقينًا أن الرياض تعني الخليج بأكمله، وما يجهز له في المطبخ السياسي بالديوان الملكي السعودي، ستأكل منه دبي والمنامة والكويت والدوحة.
ومن ثم عليه أن يوقف أذرعه الإعلامية الموجهة ضد المملكة، إضافة إلى تفعيل جهوده الدبلوماسية لتقريب وجهات النظر مع الرياض في الملفات الجدلية العالقة، أبرزها الملف السوري واليمني، فضلاً عن إعادة النظر في سياسات الخارجية السعودية حيال سد النهضة والأمن المائي المصري.
الهجوم المتبادل بين القاهرة والرياض حالة عارضة طرأت لتباين وجهات النظر حيال بعض الملفات، فكل طرف يبحث عن مصالحه الخاصة، وينزعج لمعارضة الطرف الآخر لتلك المصالح، ومن ثم لا يمكن القول بأن العلاقات بين البلدين قد تصل إلى حد الطلاق كما يردد البعض
الخيار الثاني: مزيد من الابتزاز، على أمل أن تعود المملكة عن توجهاتها المناهضة للسيسي حاليًا، وتخطب ود القاهرة مرة أخرى خاصة، وهي تمتلك العديد من الأوراق المؤثرة في استقرار السعودية إقليميًا، أبرزها التقارب مع إيران وسوريا والصين على حساب الخليج، وما يترتب على ذلك من توجهات حيال الملف الإقليمي برمته وفي مقدمته السوري واليمني، وتهديد الأمن الخليجي، وهو ما يتوقف على قدرة الرياض وأشقائها على التحمل والصمود.
في هذا التوقيت، تمر العلاقات السعودية المصرية بأسوأ مراحلها على الإطلاق منذ تولي الملك سلمان أمور المملكة، إلا أن هذا التوتر والشحن والهجوم المتبادل، لن يستمر طويلاً، فوفق حسابات المصالح ستسعى كل دولة إلى الضغط على الأخرى بما لديها من أوراق حتى حد معين، ثم تعود العلاقات بين البلدين، ربما ليست كما كانت إبان عهد الراحل الملك عبد الله، إلا أنها من الصعب أن تصل إلى طريق مسدود، لتبقى الأيام المقبلة وحدها من تحمل ملامح هذه العلاقة.