يتساءل المراقبون للشأن الأردني كيف استطاع الأردن التعامل والنجاة من حرائق ونار تنظيم داعش لمدة زمنية طويلة، وكيف بقي بمنأى عن تهديداته وتفجيراته دون أن تمسه أو تقلق راحته.
فقد كان التحدي الكبير أمام الأردن أنه يقع في عين العاصفة دون أن تصيبه، إذ تندلع الأزمات على الجانب الآخر من حدوده في الدول المجاورة له، لكنه كان بعيدًا كل البعد عن تلك التهديدات والأزمات، وتميز بكثير من الهدوء والاستقرار، فهل ما زال الأردن بمنأى عن حرائق ونار داعش؟
كرة النار في عقر الدار
يؤكد كثير من المحللين أن الوضع الجديد للأردن بات يشير إلى أن المملكة لم تعد بمنأى عن خطر وتفجيرات داعش، خاصة بعد التهديدات التي صدرت في العامين الماضيين عن التنظيم وهددت بتنفيذ هجمات تستهدف أمن واستقرار المملكة.
لا بل إن المواقع الالكترونية المرتبطة بتنظيم داعش حملت بشدة على الملك الأردني عبد الله الثاني ووصفته بأنه “كافر يستحق الموت”، في حين أقام مناصرو التنظيم “مراسم إعدام رمزية عرضت فيها صورة الملك مقتولا في شوارع عمان”.
ويتجه كثير من المحللين إلى أن ما أصاب جيران الأردن من قبل، ها هو يصيبه في عقر داره، بالتالي لم تعد المملكة الصغيرة واحة للاستقرار، فضلاً عن كونها السد المنيع أمام ضربات التنظيمات المتشددة كما كان إعلامها يروج لذلك من قبل.
ولأن الأردن لم يبق بعيدًا عن تهديدات داعش، ننوه إلى ما تعرض له في العام الحاليّ لأكثر من هجوم مسلح وتفجير، يدل على أن الخطر أصاب أطرافه بل تنامى في جسده مؤثرًا على أمنه واستقراره، فمن محاصرة خلية إربد والقضاء عليها، إلى قتل مرتبات من مكتب مخابرات البقعة، انتقالاً إلى تفجير الركبان على الحدود السورية، ونهاية بأحداث الكرك، كلها أصابت استقرار الأردن وأمنه.
خيطان: المملكة لم تعد بمنأى عن كرة النار
يقول المحلل السياسي والكاتب الأردني فهد الخيطان في تصريحات لـ”نون بوست” أن الأردن بات في عين العاصفة ووسط المعمعان، بعد أن نفذ تنظيم داعش تهديداته بنقل عملياته إلى الأراضي الأردنية بشكل جدي، عقب تنفيذ السلطات حكم الإعدام بحق السجينة العراقية ساجدة الريشاوي، وذلك بعد إحراق التنظيم للطيار الأردني معاذ الكساسبة في شباط/ فبراير من العام 2015.
الطيار الأردني معاذ الكساسبة
وبناء على ما يقوله الخيطان، بات من الطبيعي القول إن الأردن بات يستشعر خطر وتهديدات التنظيمات المتشددة على أمنه واستقرار، الأمر الذي أخذه على محمل الجد، فعمد إلى إنفاق نحو 1.3 مليار دولار مؤخرًا وهو ما يعادل نحو 13% من ميزانيته، بهدف تعزيز الأمن الداخلي والدفاع الوطني، وفق ما ذكر الكاتب عبد الباري عطون في إحدى مقالاته.
في الأثناء، يتبادر للمراقب سؤال مفاده كيف استطاع الأردن أن يحافظ على هامش كبير من الأمن والاستقرار، وأن يتجنب تهديدات وتفجيرات داعش لمدة زمنية طويلة؟
يجيب الخيطان قائلاً: “لقد كان لكفاءة الأجهزة العسكرية والأمنية إضافة إلى وعي المواطنين، الفضل في درء ودفع خطر التنظيمات المسلحة من بينها داعش في كثير من الأحيان، والحفاظ على ساحة محصنة ضد ضربات وهجمات داعش لفترة زمنية طويلة”.
الأردن كان رأس حربة في التحالف الدولي من خلال العمليات الاستخبارية وتوفير الأرض التي انطلقت منها طائرات التحالف لضرب أهداف داعش العسكرية في سوريا والعراق
كما شدد الخيطان على أن الأردن اعتمد من أجل ذلك استراتيجية متكاملة بمواجهة التنظيمات المسلحة، هدفت إلى تقييم مؤشرات خطر تنظيم داعش على أمنه واستقراره، لأنه في النهاية هناك تحديات جديدة أمامه لا بد أن يتعامل معها.
في حين تنبهت السلطات الأردنية من البداية إلى ضرورة التكيف الأمني مع التحدي الجديد، واتخاذ الخطوات المختلفة على أكثر من صعيد التي يجب التعامل معها في هذا الشأن، طبقًا لما قاله الخيطان.
ورأى الخيطان أن انضمام الأردن إلى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، ساعد على حمايته من خطر داعش، حيث كان رأس حربة في هذا التحالف من خلال العمليات الاستخبارية إضافة إلى توفير الأرض التي انطلقت منها طائرات التحالف لضرب أهداف داعش العسكرية في سوريا والعراق.
كما أن ما ساعد الأردن أن يبقى بعيدًا عن خطر وتهديد داعش، هو ما وضعته الحكومة من منظومة إجراءات مختلفة للحد من التطرف، وذلك من فرض الرقابة على شبكات التواصل الاجتماعي، وإعداد برامج تتعلق بالوزارات والمؤسسات المعنية بالتواصل وتمويل الإرهاب وغسيل الأموال.
وعمد الأردن إلى تطوير أدواته في مكافحة الإرهاب عبر أجهزة أمنية تعاونت مع الدول المجاورة ونسقت مع جهاز الإنتربول في مجال مكافحة الإرهاب.
وتعد قدرة الأردن على مكافحة الإرهاب متقدمة للكشف والردع، ومنع أعمال الإرهاب بشكل استباقي، من خلال برامج تدريبية شاملة وتخطيط تفصيلي، واستطلاعات متكررة عبر مؤسسات رئيسية، مكّنت المملكة من تصميم استجابة وطنية منسقة للأزمات.
أين يقع الأردن على خارطة داعش؟
لكن السؤال المطروح الآن، أين يقع الأردن على خارطة داعش، وأين هو من أولويات التنظيم، وهل هو على سلم أهدافه، وذلك بعد أن أصابه من خطر أصاب الدول في المشرق والمغرب؟
فالمواجهة مع التنظيم – حسب مقال للخبير في شؤون التنظيمات الإسلامية الدكتور محمد أبو رمان في مقال له بصحيفة الغد الأردنية – “تدخل مرحلة جديدة من الحرب المفتوحة والاستهداف المباشر للأردن، ليس فقط خارجيًا كما حدث في مخيم الركبان، بل داخليًا عبر تحريك داعش مؤيديه، ومن يستطيع تجنيدهم للقيام بمثل هذه العمليات”.
والمطلوب من وجهة نظر أبو رمان كما جاء في المقال “تقييم استراتيجيات وأدوات التعامل مع من سقطوا في حبائل التنظيم، كما هي حال بعض أقرباء خلية الكرك أو من اتّهموا بتأييد التنظيم عبر شبكة الإنترنت، أو المحبوسين على خلفية قضايا شبيهة”.
يرى أبو رمان أن الأردن يرتكب خطيئة كبيرة في حال مرّت أحداث الكرك من دون تعلّم الدرس والتفكير مليًّا فيه
أم أن تنظيم داعش يلعب بآخر أوراقه كما قال المحلل السياسي الأردني عريب الرنتاوي في مقال له على صفحات صحيفة الدستور الأردنية: “لكن ما لا يدركه التنظيم وربما يدركه، أن تفاقم التهديد الإرهابي الذي يمثله وتحوله إلى تهديد عالمي، سيقلص مساحة المناورة المتاحة له باستمرار وعلى الدوام”.
وفي محاولة للإجابة على سؤال أين يقع الأردن على خارطة داعش، وهل دخلت المواجهة بين الطرفين مرحلة جديدة انتقلت من خارج الحدود إلى داخل المملكة، رأى الخبير الأمني عيد أبو وندي أن الصراع بين الطرفين فيما يبدو دخل في مرحلة متقدمة ونوعية وحادة، متمثلة بهجوم خلايا داعش النائمة أو ما يطلق عليه الذئاب المنفردة ضد المصالح الأردنية وأفراد الأجهزة الأمنية.
ننظيم داعش يخطط الآن أكثر من أي وقتٍ مضى لاختراق الساحة الأردنية
وقال العميد المتقاعد أبو ندي لـ”نون بوست”: “من المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة ارتفاعًا في مستوى المواجهة بين الأردن وتنظيم داعش، وهو الأمر الذي بات يستنفر ويقلق الأجهزة الأمنية والاستخبارية في الأردن وحتى على مستوى الحلفاء والأصدقاء من الدول الإقليمية والدولية”.
وحذر أبو وندي من أن تنظيم داعش يخطط الآن أكثر من أي وقتٍ مضى لاختراق الأمن والاستقرار الأردني والعمل على زلزلته والتشويش على الهدوء والأمان اللذين يتمتع بها الأردنيون، في محاولة منه للتأكيد على أنه لا يزال قويًا في مواجهة الأخطار المحدقة به من كل مكان”.
ولفت الخبير الأمني إلى أنه في السابق كنا نقول إن المواجهة بين داعش والأردن مؤجلة ولم تحن بعد، لكن الآن بتنا في عين العاصفة ووسط المعركة في ظل ما وقع من أربع عمليات لداعش ما بين هجوم وتفجير خلال العام الحاليّ فقط الأمر الذي يعتبر زخمًا وتواصلاً غير مسبوق في عمليات داعش ضد الأردن”.
الملك الأردني خلال إشرافه على عملية الكرك الأخيرة بحسب ما نشرت وكالة بترا
إلى ذلك، تتجه الأنظار إلى قوة وتماسك الأجهزة الأمنية الأردنية وقدرتها على إحباط عمليات داعش قبل وقوعها، خاصة وأن الموجة الأخيرة من عمليات داعش التي ضربت الأردن حملت دلالات خطيرة، أهمها كما أشار الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية محمد أبو رمان هو انتقال خطر تنظيم داعش من الخارج إلى الداخل الأردني.
يبقى الإشارة أخيرًا إلى تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الإرهاب الذي صدر حديثًا، ونوه إلى أن الأردن سعى لمواجهة وإضعاف الإيديولوجية العنيفة التي تدعم داعش وغيرها من المنظمات المتطرفة العنيفة، إلا أنه انتقد استراتيجية النظام الأردني في مكافحة التطرف، معتبرًا أنها “ظلت تعاني من قلة الموارد وبقيت بلا كادر لتنفيذ الاستراتيجية”.