ترجمة وتحرير نون بوست
المستوطنون يفوزون كالمعتاد والحكومة تستسلم مرة أخرى وهذه ليست المرة الاولى أو الأخيرة فأقوى جماعة ضغط سياسي في إسرائيل، التي روعت الحكومات الإسرائيلية لعقود وابتزت الإدارات المتعاقبة والتي استطاعت أيضا تخويف القياديين الذي يترأسون أعلى المراتب العسكرية، تُثبت مرة أخرى مدى النفوذ والقوة التي تملكها.
وبعيدا كل البعد عن الظهور، فإن قوتها تنمو بسرعة في مواجهة الحكومة اليمينية الأكثر قومية ودينية في تاريخ البلاد والتي أيضا تواجه معارضة الكتلة اليسارية. وفي خضم كل ذلك لا يزال الرأي العام الإسرائيلي يبدي عدم مبالاته.
ولكن هذه المرة يتعلق الأمر بعامونا، المستوطنة الغير قانونية، ولكن يجب علينا أن لا نشتت تفكيرنا فقط بما يفشيه المستوطنون من مغالطات فالمشكل لا يتعلق فقط بعامونا إنما أكبر من ذلك بكثير.
كيف استٌوطِنت عامونا … وكيف تم إجلاؤها
تم إنشاء مستوطنة عامونا في أواخر سنة 1995 وذلك بتعلة أنها “موقع أثري”، وذلك لخداع المستوطنين. ولكن من الغريب أنه في غضون سنة واحدة تم وضع خزان كبير للمياه بجانب هذا الموقع “الأثري” من قبل شركة مياه مكوروت الإسرائيلية. وبالتوافق مع ذلك تم وضع ثلاث مقطورات سكنية.
في سنة 2005، أي بعد عقد، ارتفع عدد المتساكنين هناك ليصبح 30 عائلة وليستولوا بعد ذلك على ما يقارب من 400 دونم (100 فدان) من الأراضي الفلسطينية الخاصة.
وهذا هو باختصار تاريخ العديد من المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. لم توافق الحكومة الإسرائيلية أبدا على إنشاء عامونا، والتي تم إنشاءها من دون التخطيط بإحكام، فليس هنالك أي رسم حدود واضح يثبت مشروعية الاستيطان، لذلك لم تبدي الحكومة علنا تأييدها لإنشاء عامونا.
ورغم ذلك، قامت السلطات الإسرائيلية باستثمار موارد لا تحصى ولا تعد من أجل مد هذه المنطقة بالماء والكهرباء وغيرها من البنى التحتية، كما لو أن بؤرة عامونا تحظى بموافقة الحكومة، وكل شيء يحدث فيها يسير في كنف القانونية التامة.
ويعد تقرير “البؤر الاستيطانية” الذي أعدته المحامية ورئيسة القسم الجنائي في مكتب مدعي عام الدولة سابقاً، تاليا ساسون، بناءً على طلب من أرئيل شارون، والذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب رئيس الوزراء، من بين أكثر الوثائق شمولية، سلطت ساسون فيه الضوء على البؤر الاستيطانية. وصُنفت عامونا في هذا التقرير على أنها من بين المواقع التي لم يتم الموافقة على إنشاءها وهي وبالتالي تعتبر غير قانونية، كما شملت القائمة حوالي 50 موقعا آخر.
وهذه هي الخدعة التي ابتكرتها الحكومات الاسرائيلية. والذي سيتم توضيحه أدناه، لكن أولا، يجب علينا أن نضع في اعتبارنا أن كل المستوطنات التي أنشأتها الحكومة الإسرائيلية هي غير قانونية البتة.
بسبب الدعاوي القضائية التي رفعت سنة 2006 من قبل منظمات حقوق الإنسان، أمرت محكمة العدل العليا الإسرائيلية بهدم ستة مباني في عامونا المقامة على الأراضي التي ثُبِت بأنها مملوكة من قبل الفلسطينيين. استُعمِل العنف في عملية إخلاء هذه المباني كما اضطر الآلاف من المستوطنين إلى الوقوع في مواجهة فعلية مع الجيش والشرطة. وبالطبع لم يتم إعادة الأرض لمالكيها حتى بعد الانتهاء من عملية الإخلاء والهدم.
وقبل نحو عامين، وفي دعوة أخرى أمام محكمة العدل العليا، قضت المحكمة بأن يتم إخلاء قرابة 40 مبنى في عامونا وذلك على اعتبار أنه ثُبُت أن تلك المباني قد بنيت على أملاك فلسطينية خاصة.
وخلال العامين التاليين، وجدت الحكومة الإسرائيلية والمستوطنون العديد من الذرائع التي ساهمت في تأجيل تنفيذ الحكم وهو ما حال دون إحداث أي تغيير يذكر في تلك الفترة، إلى أن أصدرت المحكمة العليا مؤخرا قرارًا بأن الأسبوع المقبل هو آخر أجل لإخلاء منطقة عامونا.
بما أن الحكومة الآن تواجه مشكلة كبيرة، سارعت إلى الترويج “لقانون الترتيبات” والذي من شأنه أن يُثبت مشروعية جميع المستوطنات المقامة على الأراضي الخاصة التابعة للفلسطينيين. لكن ورغم ذلك مازال يتعين على الحكومة الإسرائيلية أن تقوم بإجلاء عامونا تجنبًا لمزيد تقويض سيادة القانون وسلطة المحكمة العليا.
استرضاء وإخلاء
ومع اقتراب موعد الإجلاء يزيد شعور الإسرائيليين بالغضب والسخط، ولكن بما أن الإسرائيليين بارعون في الابتزاز العاطفي من خلال تلاعبهم بوسائل الإعلام الإسرائيلية، والتي دائما تثق ثقة عمياء في التقييمات التي تأتيهم من المواطنين، كما أنهم يقومون بمد يد المساعدة للمستوطنين على خلفية هذه التقييمات، فقد تحولت عملية الإخلاء المؤجلة إلى قضية وطنية. ومع اقتراب موعد الإخلاء صَعَد المستوطنون من تهديداتهم مهددين باحتمال باستعمال العنف. كما انضم إليهم المئات من الإسرائيليين غير المقيمين في عامونا تضامناً معهم.
تعد عملية الإخلاء بالنسبة لبنيامين نتنياهو كارثةً إعلاميةً وسياسية. وهو ما يفضي إلى أنه سيقوم بكل ما يستطيع لاسترضاء المستوطنين، الذين كانوا على دراية كاملة بأنه سيقوم باستغلالهم بطريقة ساخرة كالمعتاد. وفي فترة المفاوضات، أعلن رئيس الوزراء أنه أوْكل لوزرائه مهمة ببدء هدم المباني التي شيدت بشكل غير قانوني في المناطق التي يعيش فيها العرب في إسرائيل وذلك محاولة منه لإرضاء مستوطني عامونا.
بإتباعه لهذه الطريقة فإن نتنياهو يتصرف وفقا لطريقة جماعة “بطاقة الثمن” وهي جماعة متطرفة تقوم بارتكاب أعمال تخريب وعنف ضد الفلسطينيين، كلما قامت الحكومات الإسرائيلية بتضييق الخناق عليهم.
وفي سياق تحريض رئيس الوزراء للمستوطنين على استعمال العنف ضد المواطنين الفلسطينيين على الأراضي الإسرائيلية المحتلة، فإنه، وبسبب قرار الإجلاء، قد تُنفذ هذه الوعود الداعية إلى هدم الأحياء التي يعيش فيها العرب. على الرغم من أن هذا لم يكن جزء من الاتفاق الذي توصل إليه المستوطنون في عامونا. وتحظى فكرة هدم المنازل العربية بدعم من القاعدة السياسية التابعة لنتنياهو والفرصة الآن باتت جدّ مغرية لتطبيقها.
وتوصل المستوطنون، في اللحظات الأخيرة، إلى اتفاق مع نتنياهو والذي ينص على ضرورة أخذ المستوطنين لأراضي بديلة مقابل التي سيفقدونها مع تكفل الحكومة بتشييد المباني. ولكن قبل كل شيء يجب تقديم تعويض مالي لكل العائلات التي تم إجلاؤها.
وفي دولة يتم فيها تخصيص 500 مليون تشيكل فقط أي (130 مليون دولار) لتوفير الأدوية سنويا لمواطنيها، لم توافق الحكومة على إعطاء إلا 140 مليون تشيكل (36 مليون دولار) للأربعين عائلة، تم إجلاؤهم وكانوا على دراية كاملة منذ البداية بأنهم يعيشون على أراضي منهوبة.
الفلسطينيون يقفون على أنقاض منازلهم التي هدمت من قبل العاملين في بلدية القدس.
لا توجد أي دائرة أخرى في إسرائيل يمكن أن تقبل بهذا الحل ولكن الميزة الوحيدة لهذا الاتفاق هو أنه كشف اللثام عن الوجه الحقيقي للمستوطنين، الذين يحركهم جشعهم وحبهم للمال وليس حبهم للأرض. وعلى حد تعبير برنارد شو فان، فإن قرار إخلاء المنطقة من المستوطنين قد اتُخذ، ولم يبقى سوى المساومة فقط على السعر.
ومما لا شك فيه، لم يتحصل الفلسطينيون على أراضيهم حتى بعد الإخلاء وذلك نظرا لقربها من عامونا الجديدة. وفي الوقت نفسه، ادعى العديد من الفلسطينيين أنهم يمتلكون الأراضي التي تم تشييد بؤرة الاستيطان الجديدة عليها.
وضع سابق
كانت هذه المهزلة لتكون مسلية، لو أنها لم تكن بهذا الحزن أو لو أنها شملت بعض القيم مثل الحق في الملكية، والمساواة، واحترام القوانين الدولية. أو لم يُثبت أن المستوطنين الإسرائيليين سيفعلون ما يحلو لهم نتيجة لاقتناعهم بأنهم هم الأسياد هناك.
لكن نتائج إخلاء عامونا لن تقتصر فقط على تقديم تعويض مغري للمستوطنين أو عن إنشاء بؤرة استيطان جديدة. وإنما سيؤدي ذلك إلى توخي سياسة جديدة تقوم على تبيض صفحة المستوطنات التي بنيت على الأراضي الخاصة. ولذلك فهي لا تعد فقط كارثة بالنسبة للفلسطينيين أو للأجيال القادمة إنما أيضا للإسرائيليين.
في الوقت الراهن، ستعلن إسرائيل رسميا عن أن الأراضي التي تحتلها تخضع لقانون آخر وبموجب ذلك سيسمح للمستوطنين بفعل ما يحلو لهم، بما في ذلك نهب الأراضي من دون أن يواجهوا أية عوائق. وفي أفضل الأحوال سيتم تقديم تعويض للفلسطينيين الذين سلبت أراضيهم من خزينة الدولة وذلك على حساب الميزانية المخصصة للصحة وللرعاية الاجتماعية. وأغلب الإسرائيليين اللا مبالين سيوافقون على ذلك.
إنه لمن المريب كيف أن الأغلبية في إسرائيل لم يحركوا ساكنا وقبلوا باتفاق عامونا بهذه السهولة، خاصة وأن هذا الاتفاق ساهم في تقليص الميزانية الحكومية المخصصة للرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية.
التمييز المصطنع
لا يوجد أي فرق يذكر بين عامونا أو أي مستوطنة أخرى على الأراضي المحتلة. وبترويج وسائل الإعلام بأن عامونا هي مستوطنة غير قانونية فكأنهم ضمنيا يقولون بأن باقي البؤر الاستيطانية قانونية، في حين أن كل المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية.
لا يوجد أي بلد يعترف بشرعية المستوطنات ولا حتى أي قاض دولي واحد، طبعا باستثناء المدعومين من قبل إسرائيل الذين لا يرون كل المستوطنات الإسرائيلية بمثابة انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف التي تحظر إنشاء مستوطنات في مناطق محتلة عسكريا.
فكيف يمكن التمييز بين “أراضي الدولة”، التي يمكن لإسرائيل الاستيطان عليها والاستيلاء عليها والأراضي التي يملكها القطاع الخاص. ظاهريا يبدو هذا السؤال أكثر تعقيدا مما هو عليه. ولكن الإجابة هي عن طريق التلاعب واصطناع فوارق وهمية، فإسرائيل عندما تتحدث عن أراضي الدولة فإنها تقصد الأراضي التابعة “لدولة إسرائيل” ولكن إسرائيل ليست هي القوة الحاكمة على الأراضي المحتلة.
وعندما أجبرت إسرائيل المستوطنين على التخلي عن الأراضي الذين يحتلونها، كان يجب عليهم أن يهددوا الحكومة الإسرائيلية بأنهم سيردون بعنف على كل محاولة تدفعهم على ترك منازلهم، وذلك من أجل إحداث تغيير جذري في جدول الأعمال الذي يتضمن الأماكن التي يجب إخلاؤها في المستقبل.
وعموما، يفوز المستوطنون الإسرائيليون بالحصول على المزيد من الأراضي، على الرغم من عدم موافقة المجتمع الإسرائيلي على ذلك. فلم يتم نهب أي دولة كما نَهب الإسرائيليون الفلسطينيين، الضحايا المباشرين لهذه العمليات الاستيطانية غير القانونية.
المصدر: ميدل إيست أي