ما هي أول فكرة تخطر ببالك عندما يتم يذكر مستقبل القارة السمراء خلال العقود القادمة؟ لا يمكنك أن تنكر أن الصورة العامة، وإن كانت نمطية، التي تربط إفريقيا بالفقر، والحروب الأهلية، وغياب العدالة الاجتماعية، والتفرقة العنصرية بين القبائل والعشائر والأديان، ربما أيضًا يربطها البعض بالجهل والتخلف عن بقية العالم، إلا أنه ما يحدث في الواقع، هو تخلف العالم عما يمكن أن يحدث في إفريقيا في المستقبل القريب.
لا يبدو أن التعداد السكاني في إفريقيا يتزايد، أو يتضاعف، بل هو يزيد إلى أربعة أضعافه، حيث من المتوقع وصول الكثافة السكانية في إفريقيا إلى 4.4 مليون شخص بحلول عام 2100، وهو ما يعادل أربعة أضعاف الكثافة السكانية الحالية، وهي النسبة التي تعادل أيضًا أكثر من نصف النسبة المتوقعة لكثافة السكان على المستوى العالمي بحلول عام 2050.
يطرح تضاعف التعداد السكاني في القارة السمراء العديد من الأسئلة، هل يمكن أن تحول إفريقيا ثروتها المتمثلة في المصادر البشرية لاستثمار حقيقي؟، هل هذا التضاعف يعني مزيدًا من الأطفال بدون تغذية أو علاج أو تعليم؟، فعلى الرغم من تزايد عدد الوفيات نتيجة للأمراض الوبائية المنتشرة، إلا أن هذا لا يعني تناقص عدد المواليد!
يصل متوسط الخصوبة في القارة السمراء إلى 5.2 ويرتفع إلى 7.6 في النيجر، الدولة التي تحظى بأعلى نسب خصوبة في العالم، يعادل سبعة أضعاف المتوسط الأوروبي الذي يصل إلى 1.6 في القارة العجوز.
قامت الأمم المتحدة بتسجيل 71 مدينة في إفريقيا تحظى بكثافة سكانية عالية يصل حدها الأدنى إلى 750.000 نسمة، بالإضافة إلى عدم استعداد تلك المدن بالبنية التحتية اللازمة لخدمة هذه الأعداد المتزايدة من كثافة الناس في المتر المربع الواحد، والذي من المتوقع أن يتضاعف عدد الموجودين في المائة متر المربع في تلك المدن بمستوى يزيد بكثير عن ما زاد عنه في عام 2010.
بحلول عام 2050، ستشهد العديد من البلاد الإفريقية ضعف السكان الذي تشهدهم الآن، من المتوقع أن تحظى كينيا بعدد 97 مليون نسمة بدلًا من 44 مليون، أما نيجيريا فمن المتوقع لها لها أن تحتوى على 440 مليون نسمة بلًا من 170!
ما العلاقة بين الزيادة المفرطة في التعداد السكاني وتطور البلاد؟
لوحظ بأن أكثر البلاد التي تحتوي على معدلات عالمية عالية للخصوبة، هي كذلك، من البلاد التي تسجل المراتب المتدنية بل وأحيانًا الأخيرة في مستوى التطور والتنمية، لذا فإن هذا التضاعف في كثير من المدن الإفريقية بحلول عام 2050 يثير تساؤلات حول كيفية تعامل الحكومات مع البنية التحتية التي من المفترض أن تقوم على استيعاب كل هذه الأعداد المتزايدة لتعمل على خدمتها وتوفير احتياجاتها الأساسية.
هل هي المرة الأولى التي تشهد فيها إفريقيا زيادة مفرطة في التعداد السكاني؟، بالطبع لا، فالقارة السمراء تشهد ذلك على مدار الخمسين عام الماضية، ولكن بشكل نسبي، فعلى سبيل المثال كانت كينيا والكونغو من أكثر القارات التي تشهد ذلك التزايد، أما شمال و جنوب القارة لا يقارن مع شرقها ووسطها، فتونس وجنوب إفريقيا سجلا زيادة بنسب تتراجع عن ما تسجله بقية الدول الإفريقية.
الحل السياسي في مواجهة الفقر.. هل سيكون من الكيان الصهيوني؟
نينياهو في عاصمة كينيا، نيروبي
إذا قررت أن تذهب في جولة حول إفريقيا، وهو الأمر الذي لا يحلم به الكثير كما يحلمون بجولة أوروبا، ربما تجد علم إسرائيل في إحدى سيارات الأجرة التي توصلك إلى المكان الذي تقنطه في أيام تنقلك، وإذا سألت السائق عن سبب وجود العلم، ربما سترى في إجابته حلمًا بالعمل في إسرائيل من أجل تأمين عائلته باحتياجاتهم الأساسية!
مساعي الكيان الصهيوني نحو ترسيخ أقدامه هنا وهناك لم تتوقف لحظة واحدة منذ نشأته الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية عام 1948، فمنذ نشأته وهو يقوم على الحرص على الاتصال السياسي بالدول العربية، فكانت البداية مع مصر والأردن، ليستمر إلى دول الخليج العربي، ولكن ماذا أيضٍا عن الظهير الشعبي الإفريقي؟
يقوم الكيان الصهيوني بضخ العشرات من المليارات في صورة استثمارات في إثيوبيا والكونغو مستغلاً الحالة الاقتصادية المتردية لهذه الدول بما يضمن ولاءها والتحكم في قرارها السياسي، ففي الوقت الذي كانت تل أبيب تطلب فيه ود الدول العربية، كانت أتتجه أيضًا إلى القارة الإفريقية في محاولة لإحكام سيطرتها على الموارد الطبيعية بها بما يضمن لها ظهيرًا شعبيًا سياسيًا إفريقيًا.
لا عجب أن تتجه إفريقيا في المستقبل القريب لمن سيستطيع توفير احتياجاتها الاقتصادية، حيث أصدرالبنك الدولي بأن المزيد من الأفارقة الآن يعانون من الفقر أكثر مما كانوا منذ عشرين عامًا، على الرغم من أنه في التسعينات من القرن الماضي كان يعيش نصف عدد سكان إفريقيا على 1.90 دولار يوميًا بحسب تقارير البنك الدولي.
توقع من الأمم المتحدة بالبلاد التي ستشهد حركة تنقل كبيرة بين الحضر والريف بحلول عام 2050
هل سيكون الحضر بالمعنى الذي نعرفه به؟
لن ينتقل الناس إلى الحضر بالصورة التي نعرفه عليها للمدن الكبيرة والسيارات السريعة، بل ستشهد إفريقيا حركة تنقل إلى الأحياء العشوائية، هنا في الصورة حي “كيبيرا”، أكثر الأحياء الشعوائية ازدحامًا في القارة الإفريقية، وهو يقع بالقرب من نيروبي، كينيا، ومن المتوقع وصول عدد سكانه إلي المليون نسمة تعيش على دولار أمريكي واحد يوميًا.
“سأصنع ألعابي من أكياس القمامة”
ليديا، تتحدث لصحيفة التلغراف من داخل حي “كيبيرا”، تقول بأن للحياة مناظير مختلفة عندهم في ذلك الحي، فهم يعيشون كعائلة كبيرة، يعتبرون مشاكل غيرهم مشاكلهم الخاصة، ولا يتطلبوا إنفاق الكثير من الأموال من أجل الحصول على السعادة، لا سيما أنهم يصنعون ألعابهم بأنفسهم، هكذا تقول “ليديا” في التقرير بأنها لا تمانع أن تصنع ألعابها من أكياس القمامة التي تجدها حولها، ولكنها تتابع بأن الليل لازال مخيفًا هناك، لاسيما أن الحي غير ممدد بتوصيلات الكهرباء اللازمة، كما أن الحياة ليست آمنة بهذه البساطة التي نصنع بها ألعابنا، فهناك من يهرب من جحيم الفقر إلى جنة المخدرات المزعومة أو الانخراط في أي فعل غير قانوني.
لا يعد تضاعف أعداد السكان بالثروة التي تنذر بتقدم إفريقيا، إلا أنه بالفعل يبدو كذلك لأكبر المستثمرين، حيث استثمر مؤخرًا مؤسس فيس بوك “مارك زوكربيرج” مبلغ 24 مليون دولار بمشاركة جوجل لصالح Andela، وهى مدرسة للبرمجة فى كينيا ونيجيريا، حيث تمنح طلابها فرصة العمل فى شركات التكنولوجيا مثل مايكروسوفت وجوجل، وIBM، ليتجه “زوكربرغ” لتعليم البرمجة إلى أطفال إفريقيا منذ سن مبكرة.
ربما يبدو مستقبل القارة السمراء غامضًا للغاية، إلا أنه ليس كذلك بالنسبة لأكبر مستثمري العالم، وللكيان الصهيوني، وكذلك لدول الخليج، حيث لا تبدو حكومات الدول الإفريقية شديدة الجهل بالتحديات الكبرى التي تقف عائقٍا في مستقبلها، لذا فمن سيدرك احتياج إفريقيا ويلبيه قبل عام 2050 ليكون صديقًا مقربًا للقارة بلا محالة؟