ترجمة وتحرير نون بوست
منذ أربع سنوات، شهدت المدينة حصارًا وحشيًا انتهى نهاية دموية من خلال هجمات شنّتها كل من القوات الجوية الروسية والقوات الإيرانية ومقاتلي الميليشيات من فصائل متعددة، ومع ارتفاع عدد القتلى، يجب علينا الاعتراف أن الولايات المتحدة لها يد في هذه المأساة.
وقد تحدث أوباما عن الحاجة إلى أن نكون شهودًا على الظلم، حيث قدم القليل من ذلك لحلب، لكن، ما الذي يجب أن نكون شاهدين عليه؟ هل سنكون شهودًا على استخدام القنابل لاستهداف النساء والأطفال والمستشفيات والمخابز والمستودعات والقوافل الإنسانية؟ أم على تطوير البراميل المتفجرة المعبأة بالشظايا والمتفجرات وإطلاقها بشكل عشوائي من الطائرات لقتل وتشويه أكبر عدد ممكن من المدنيين؟ أم هل سنكون شهودًا على الضربات الجوية التي يقوم بها حلفاء بشار من أجل قتل عمال الإنقاذ، على غرار أصحاب “القبعات البيضاء” الذين يتوجهون إلى أماكن القصف لإنقاذ الأبرياء؟
في الوقت الحاليّ، سار الآلاف من اللاجئين خارج مدينة حلب، كما بقي عشرات الآلاف منهم تحت رحمة نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، في المقابل، كان أوباما شاهدًا على كل هذا الظلم، إلا أنه لم يفعل شيئًا من أجل مساعدة المستضعفين.
وتجدر الإشارة إلى أن أزمة حلب لا تختلف عن الأزمات السابقة، إذ أفضت الأزمة إلى عقد العديد من الاجتماعات التي لا نهاية لها في القصور الفخمة في كل من جنيف وفيينا وأماكن أخرى، وساهمت هذه الاجتماعات في رسم خطوط حمراء، إلا أن الكثيرين تجاوزوها دون أي تدخل لردعهم، وخير دليل على ذلك تصريح أوباما الذي توجه فيه بسؤال للجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2013 والذي قال فيه: “هل يجب علينا أن نقبل حقًا فكرة أن العالم عاجز عن مواجهة رواندا أو سربرنيتشا؟ إذا كان هذا هو العالم الذي يريد الناس العيش فيه، فإنه يجب عليهم قول ذلك، لكي لا تُلقى بالمسؤولية على عاتقنا”.
في الواقع، أصبح هذا اللوم على عاتقنا الآن وسيكون لاسم حلب صدى عبر التاريخ، مثلما حدث مع سربرنيتشا ورواندا، وشاهدًا على الفشل الأخلاقي والعار الأبدي.
من جهة أخرى، أودى هذا الصراع بحياة ما يقارب من 500 ألف شخص، ودفع نصف سكان سوريا خارج منازلهم، وتسبب في أسوأ أزمة لاجئين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، كما أنه كان السبب في نشأة تنظيم الدولة، وعلى الرغم من كل هذا الرعب والفساد، فحلب بقيت شامخة.
لربما دمرت المباني واندثرت جميع مظاهر الإنسانية في حلب، إلا أن الحرب في سوريا لم تنته بعد، ومن المرجح أن تزداد سوءًا، خاصة وأن كلاً من نظام الأسد وإيران وروسيا وتركيا والأكراد ودول الخليج وغيرهم يستعدون لتكثيف القتال في المناطق المتبقية في هذا البلد.
كما لا تزال أمام الولايات المتحدة خيارات للتدخل في سوريا، إلا أنها ستتقلص كلما طال انتظارنا للمساعدة في إنهاء الحرب، فلا ينبغي لأحد أن يعتقد أنه ليس أمامنا أية خيارات متاحة للتدخل في سوريا.
يجب أن نعترف بأن لدينا يد فيما يحدث في سوريا، فلا تعتبر مأساة سوريا مجرد معاناة للآخرين، كما يروج له الكثيرون، لأن هذه الأزمة قد تؤثر على الأمن القومي للولايات المتحدة، نظرًا لأن عودة تنظيم القاعدة في سوريا يؤثر علينا، كما حدث في باريس وسان برناردينو بولاية كاليفورنيا، وتجدر الإشارة إلى أن أزمة اللاجئين ساهمت أيضًا في زعزعة استقرار حلفائنا مثل إسرائيل والأردن وتهديد أساس الديمقراطيات الغربية، وهو ما قد يتسبب لنا في ضرر كبير.
كما يجب علينا أيضًا أن نقر بأن الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، لن يكونوا شركاءً في مكافحة الإرهاب.
في الواقع، إن العكس هو الصحيح، فالنظام السوري وروسيا وإيران لا يقاتلون تنظيم الدولة، كما أن الذبح العشوائي للمدنيين السوريين هو الذي خلق الظروف الملائمة لظهور تنظيم الدولة بالإضافة إلى ذلك فإن الحصار الدموي لحلب سيساعد الإرهابيين على الظفر بأرباح غير متوقعة.
وأخيرًا، يجب علينا أن نعترف بأن إنهاء الصراع في سوريا لن يكون ممكنًا حتى يدرك الأسد ومؤيدوه أن الحل لهذه الأزمة ليس حلاً عسكريًا، وكونوا متأكدين أنهم يسعون إلى تحقيق نجاح عسكري، فسقوط حلب لن يشجعهم سوى على تحويل بنادقهم إلى مناطق أخرى في سوريا، يجب علينا أن نأخذ الحكمة من وزير الخارجية السابق جورج شولتز الذي قال: “الدبلوماسية التي لا تدعمها القوة تكون دائمًا غير فعالة في أحسن الأحوال، وخطرة في أسوأ الأحوال”.
إن عدم قدرة أمريكا على إيقاف كل هذا الرعب في العالم لا يعفينا من مسؤولية عدم استخدام قوتنا من أجل إنهاء هذه الأزمات كلما أمكننا ذلك، خصوصًا أننا سنستفيد من هذا التدخل الذي سيجعل الولايات المتحدة وشركاءنا أكثر أمنًا، لسنا بحاجة إلى أن نصبح شرطي العالم للدفاع عن مصالحنا، إلا أننا لا يمكن أن ننعزل عن هذه الفوضى التي قد تهدد أمننا واسقرارنا.
المصدر: واشنطن بوست