لأول مرة من 36 عامًا يتبنى مجلس الأمن الدولي، قرارًا فلسطينيًا يُدين فيه قيام المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة بالضفة الغربية، بعد تصويت 14 دولة عضو وامتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن استخدام حق النقض “الفيتو” ضد مشروع قرار”إدانة الاستيطان”.
الليلة الماضية كان مذاقها “انتصارًا” بالنسبة للفلسطينيين الذين طالما حلموا بهذا القرار طول السنوات الماضية، وكانت كذلك على إسرائيل كـ”الصفعة القوية” التي نزلت على وجوه الإسرائيليين وخاصة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بعد أن لعب باراك أوباما دور”الجندي المجهول” في صناعة هذا الإنجاز التاريخي.
التوقف والتغني بانتصار مجلس الأمن بإدانة “الاستيطان” لا يكفي بالنسبة للفلسطينيين ولن يعيد لهم باقي أراضيهم المسروقة بالضفة والقدس، وما جرى الليلة مجرد خطوة أولى في طريق مواجهة إسرائيل الطويل، وإن لم يكن هناك جهود أكثر جرأة في متابعة هذا القرار، فقد يركن قرار”2234″ في درج القرارات الدولية التي سبقته ومنها قرار رقم 446، وقرار رقم 452 لسنة 1979، وقرار رقم 465 (1980) بتاريخ 1 آذار/ مارس 1980، وقرار 478 20 من أغسطس 1980، وجميعها اعتبرت الاستيطان غير شرعي وغير قانوني ودفعت لتفكيكه بل وهناك دعوة لمحاسبة إسرائيل.
ما المطلوب فلسطينيًا؟
السؤال الذي يراود الكثير الآن بعد الانتصار الذي حُقق في مجلس الأمن الدولي، هو ما الخطوة التالية وما المطلوب من الفلسطينيين؟ وهنا يجيب الدكتور مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية على تلك الأسئلة ويقول: “المطلوب الآن هو جهد أكبر في استكمال مواجهة إسرائيل في المؤسسات الدولية ومنها محكمة الجنايات”.
ويضيف: “لا يجب أن نتوقف عند هذا الانتصار ونتغنى به، بل علينا توحيد كل جهودنا وطاقاتنا في استثماره وفضح ممارسات الاحتلال بحق الفلسطينيين، من قتل وتدمير واعتداء على المقدسات الإسلامية وسرقة للأراضي الفلسطينية”.
ويتابع بالقول: “مجلس الأمن الدولي أعطانا حقًا من حقوقنا، ولكن يجب علينا أن نقاتل وبكل الطرق المتوفرة لنا السياسية أو الشعبية من أجل تطبيق تلك القرارات على أرض الواقع، والضغط على الجانب الإسرائيلي للالتزام بها وألا يكون فوق القوانين الدولية”.
واعتبر البرغوثي أن الطريق ما زال طويلًا، ويجب أن يكون للفلسطينيين صوتًا عاليًا على المستويين العربي والدولي، ويواصلون طريق الانضمام لباقي المؤسسات الدولية والحقوقية والإنسانية، لفضح الاحتلال وكشف الممارسات التي تجاوزت القانون الدولي وفرض عقوبات عليه.
وفي ذات السياق طالبت حركة حماس بتحويل قرار مجلس الأمن الدولي الذي يطالب إسرائيل بوقف بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية إلى خطوات عملية.
وأكد حازم قاسم المتحدث الرسمي باسم الحركة، على ضرورة تحويل هذا القرار إلى خطوات عملية ليس لوقف الاستيطان وحسب، بل لإزالة كل الاحتلال وما يتعلق به، مثمنًا موقف الدول التي دعمت هذا القرار، واعتبار الاستيطان “غير شرعي”، مشددًا على تمسك الفلسطينيين بحقهم في المقاومة بجميع أشكالها لإزالة الاستيطان، ووقف “تغول المستوطنين”.
وقال الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة إن القرار كإجماع دولي وإدانة كاملة للسياسة الإسرائيلية، وأثبت أن العالم كله يرفض السياسة الإسرائيلية المعادية للسلام، مطالبًا إسرائيل “بالاستجابة لهذه الرسالة وأن تغير من سياساتها”، داعيًا في الوقت ذاته الإدارة الأمريكية الجديدة القادمة إلى الالتزام بهذا الإجماع الدولي وهذه الإدانة الدولية وهذا الدعم لحل الدولتين.
وليلة الجمعة، أقر مجلس الأمن الدولي بأغلبية ساحقة مشروع قرار لوقف الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك بعد سحب مصر لمشروع القرار تحت ضغط من إسرائيل ومن الرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترامب”.
ويؤكد القرار على عدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، ويعد إنشاء المستوطنات انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وعقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين وإحلال السلام العادل.
كما يطالب القرار بوقف فوري لكل الأنشطة الاستيطانية على الأراضي المحتلة، معتبرًا أن أي تغييرات على حدود عام 1967 لن يعترف بها إلا بتوافق الطرفين، ومطالبًا دول المجلس بالتمييز في معاملاتها بين إقليم دولة إسرائيل والأراضي المحتلة عام 1967.
أوباما كلمة السر.. وإسرائيل غاضبة
ولعل من العوامل التي ساعدت في تحقيق النصر للفلسطينيين هو امتناع الولايات المتحدة عن استخدام “الفيتو”، وهنا فاجأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبيل انتهاء فترة ولايته الثانية العالم بتوجيه إهانة لإسرائيل، وكأن أوباما كان كلمة السر لهذا القرار.
وعلى خلاف القرارات السابقة لم تستخدم الولايات المتحدة هذه المرة حق النقض “فيتو” لإحباط القرار رغم أن الولايات المتحدة تعتبر أهم حليف لإسرائيل منذ عهد طويل، لكن علاقة أوباما برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو متوترة منذ أعوام.
وانتقدت إسرائيل القرار واتهم مسؤول إسرائيلي أوباما ووزير خارجيته جون كيري “بحياكة” هذه الخطوة في المنظمة الدولية بالتعاون مع الفلسطينيين، معتبرًا أن هذه الخطوة تهدف إلى تطبيق سياسة أوباما المناوئة لإسرائيل، متهمًا أوباما بأنه “تخلى عن عقود من السياسة الأمريكية المدافعة عن إسرائيل في المنظمة الدولية”.
وصف الموقع الإخباري الإسرائيلي “عنيان مركزي” تبني مجلس الأمن لقرار إدانة الاستيطان الإسرائيلي بأغلبية ساحقة، بالكف الرنان على وجه نتنياهو.
وفي ذات السياق، قال الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، في تعقيبه على قرار مجلس الأمن المناهض للاستيطان: “إن الأمور ستختلف بعد 20 يناير (موعد تسلمه للسلطة)”، في إشارة إلى رفضه للقرار.
جاء ذلك في تغريده عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، عقب اعتماد مجلس الأمن للقرار الذي تقدمت به نيوزيلندا وماليزيا وفنزويلا والسنغال، وحظي بموافقة 14 دولة، وامتناع واشنطن عن التصويت.
وكان ترامب دعا في وقت سابق إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، إلى استخدام حق النقض (فيتو) ضد مشروع القرار، الأمر الذي لم يتحقق اليوم خلال التصويت.
ويعد ملف الاستيطان أبرز أوجه الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وأحد الأسباب الرئيسية لتوقف آخر مفاوضات للسلام بين الجانبين في العام 2014.
وحسب إحصائيات رسمية فلسطينية فإن عدد المواقع الاستيطانية والقواعد العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية التي يريد الفلسطينيون أن تكون عاصمة لدولتهم العتيدة يزيد حاليًا عن 482 موقعًا.
وترفض إسرائيل أي مطالب فلسطينية لوقف البناء في تلك المواقع الاستيطانية وتطالب بالاحتفاظ بالكتل الكبرى منها.