منذ إعلان درع الفرات في بداية شهر ديسمبر الحاليّ عن بدء معركة السيطرة على مدينة الباب السورية، والأحداث المتتالية تكشف مدى صعوبة المعركة وأهمية المدينة الاستراتيجية لكل الأطراف المتصارعة.
ذكرت تركيا التي تدعم الجيش السوري الحر المنضوي تحت درع الفرات في عملية الباب أن الهدف من المعركة طرد تنظيم داعش من المدينة التي تعتبر أكبر وآخر معاقل التنظيم في ريف حلب، وسيكون هدف درع الفرات القادم هو مدينة منبج غرب الفرات التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، ومنع الأكراد من ربط المناطق التي تسيطر عليها بعضها ببعض.
كسر خطوط الدفاع
تمكنت فصائل الجيش الحر المنضوية في درع الفرات من كسر خطوط الدفاع الأولى لتنظيم داعش في أطراف مدينة الباب، حيث سيطرت في وقت سابق من الشهر الحاليّ على قريتي الدانا وبراتا قرب الباب بعد معارك عنيفة مع تنظيم الدولة، وتدور معارك ضارية على أطراف المدينة التي لم يتسن لقوات درع الفرات اقتحامها حتى الآن.
وكان الرئيس التركي أردوغان أكد أمس الجمعة أن المدينة محاصرة تمامًا من قبل الجيش الحر والقوات التركية وأنها تقترب من السيطرة عليها، وذكر نائب رئيس الوزراء نعمان كورتولموش في 21 من الشهر الحاليّ أن العملية العسكرية التي تقودها تركيا لتحرير مدينة الباب من داعش ستكلل بالنجاح وستنتهي خلال فترة قصيرة، وأضاف أنه بعد الانتهاء من تحرير مدينتي الباب ومنبج ستكون مساحة 5 آلاف كيلومتر مربع خالية من التنظيمات الإرهابية، بحيث لا تشكل هذه التنظيمات أي تهديدات على تركيا.
تعتبر مدينة الباب “بيضة القبان” في المعارك الدائرة شمال سوريا لأهميتها الاستراتيجية بالنسبة لجميع الأطراف المتصارعة، فالمدينة خاضعة لداعش منذ شهر يناير/ كانون الثاني في العام 2014 وتعتبر من أهم معاقل التنظيم التي تربط مناطق سيطرته في شمال حلب بمحافظة الرقة عاصمة التنظيم في سوريا ودير الزور شرقًا وتعد حلقة الوصل الاستراتيجية لجميع مناطق التماس بين الجهات المتحاربة في سوريا.
أحد المقاتلين السوريين في عملية درع الفرات
يتواصل الإسناد الجوي للمقاتلات التركية والإسناد المدفعي للقوات المتمرسة على أطراف المدينة والقصف المتواصل على معاقل داعش والذي تعلنه رئاسة هيئة الأركان التركية والجيش التركي ويفيد بتدمير مقرات تنظيم داعش داخل المدينة والقضاء على جنود لداعش هناك، حيث كان آخرها اليوم السبت، إذ أفاد الجيش التركي في بيان اليوم السبت عن مقتل 68 مسلحًا من تنظيم داعش في مدينة الباب، إلا أن حسم المعركة لا يبدو أنه سيتم بين ليلة وضحاها كما يشير لذلك العديد من المحللين.
حسم المعركة لا يبدو قريبًا
على الرغم من الإسناد الجوي والبري لقوات درع الفرات المتمرسة على أطراف الباب فالمعركة لا يبدو أنها ستحسم في وقت قريب، إذ يشوبها صعوبات كثيرة تعقد المشهد العسكري للمدينة وتعثر عملية تحريرها.
والسبب في هذا يعود إلى الدفاع المستميت لتنظيم داعش عن المدينة التي سيشكل سقوطها انتكاسه واندحاره حتى حدود مدينة الرقة، وقد استخدم لمنع القوات من التقدم في محوري الشمال والغرب تكتيك العمليات الانتحارية والمفخخات وزرع الألغام فضلاً عن اعتماده على الأنفاق، ويرى مراقبون أنه نجح في صد التقدم حتى الآن على الأقل، إذ أدت العمليات الانتحارية لتراجع القوات المهاجمة على محور جبل عقيل بعد تكبيدها قتلى بين الجنود الأتراك ومقاتلي المعارضة السورية فآثروا الانسحاب عن المناطق التي سيطروا عليها لاستخدام تكتيك مختلف عن القصف المكثف يقلل الضحايا من المدنيين ويسرع من عملية اقتحام المدينة، ويذكر أن الجيش التركي تكبد خسائر بشرية في هذه المعركة تعد الأكثر منذ انطلاق درع الفرات.
عمدت داعش إلى استخدام المدنيين كدروع بشرية ومنعهم من مغادرة المدينة ونشر مقاتليها بينهم، مما أدى إلى التسبب بوفاة مدنيين في القصف التركي
المحلل السياسي أحمد البرعي ذكر لنون بوست أن داعش تعتبر معركة الباب بالنسبة لها مصيرية والتهاون فيها سيغري الجيش التركي ومن معه من مقاتلي المعارضة السورية للتقدم نحو معاقلها الأخرى باتجاه الرقة، لذا لا بد لداعش أن تظهر شدة وشراسة في المقاومة.
ومن جهة أخرى عمدت داعش إلى استخدام المدنيين كدروع بشرية ومنعهم من مغادرة المدينة ونشر مقاتليها بينهم، مما أدى إلى التسبب بوفاة مدنيين في القصف التركي على المدينة، وهذا شكل ضغطًا أخلاقيًا على تركيا، علمًا أن المقاتلات التركية رمت مناشير للمدنيين تناشد الأهالي بالخروج من المدينة بأقصى سرعة ممكنة حفاظًا على سلامتهم والتوجه إلى الريف والقرى المجاورة لفترة مؤقتة إلى أن تكتمل السيطرة على المدينة وكذلك فعلت القيادة العامة لمدينة الباب وريفها.
فكما جاء على صفحة تنسيقية مدينة الباب وضواحيها فقد وثقت التنسيقية مقتل 91 مدنيًا و45 جريحًا في مدينة الباب ليوم 22 من الشهر الحاليّ كحصيلة موثقة وشبه نهائية حتى اللحظة.
إلا أن محللين عسكريين خففوا من نبرة سقوط المدنيين نتيجة القصف فلا يمكن اعتبار كل من سقطوا من المدنيين، فالمدينة تحتوي على عدد كبير من مقاتلي التنظيم والموالين لقواته المنتشرين بشكل كبير داخل الباب، فوجود عدد كبير لمقرات التنظيم داخل المناطق المأهولة بالسكان ساهم في سقوط ضحايا من المدنيين.
ومن جهة أخرى يرى محللون أن سيطرة داعش على تدمر والسلاح الثقيل التابع لقوات النظام السوري والذي تركه لداعش عقب انسحاب قواته من المدينة، شكل نقطة مهمة في صمود داعش وشراسة مقاومتها، كما أن تجميد الولايات المتحدة لمعركة الرقة ضد التنظيم مكن التنظيم من حشد قواته في الباب بالإضافة إلى انسحاب جميع القوات التابعة له من المناطق التي سيطرت عليها درع الفرات إلى الباب.
جنود أتراك
ويشير البرعي لنقطة أخرى تتعلق بالفصائل السورية التي رأت بعضها أن هناك خذلان من الطرف التركي لنصرة حلب ودعم أكبر هناك، والبعض الآخر يرى أن المعركة الحقيقية يجب أن تكون مع النظام وليس مع داعش.
يجدر الذكر أن الخطة “ب” الموضوعة من قبل تركيا في حال فشلت قوات المعارضة في اقتحام المدينة فإن قرابة 41 ألف جندي تركي يستعدون خلف الحدود التركية السورية للمشاركة في معركة الباب، إذ تهدف للتدخل السريع لترجيح كفة قوات المعارضة وتعديل عدم التوازن في أعداد المقاتلين، حيث لا يتعدى عدد مقاتلي المعارضة 2000 مقاتل بينما يملك تنظيم داعش ما لا يقل عن 4 آلاف مقاتل.
وفي تصريحات سابقة لوزير الدفاع التركي فكري إيشق في نهاية شهر أيلول الماضي، بشأن إشراك القوات البرية التركية في المعركة قال: “سنكتفي في المرحلة الحالية بدعم الجيش السوري الحر، وسنتابع الأمر مع رئاسة الأركان بشكل دقيق ومفصل”، وأضاف في ذلك الوقت أن المعلومات لديه “تشير إلى عدم الحاجة لاستخدام قوات المشاة التركية، فلدى الجيش السوري الحر الإرادة ويشهد تزايدًا في الأعداد مع مرور الوقت”.