”إرجاع الإرهابيين التونسيين من أوروبا إلى تونس أصبح أمرًا مفروضًا وليس رغبة”، هذا بعض ما جاء في حديث المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في اتصال هاتفي جمعها مع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، عقب حادثة برلين التي أودت بحياة 12 شخصًا.
مطالب متكررة لتونس باستقبال مقاتليها
حديث المستشارة الألمانية، تزامن مع تصريح لوزير الداخلية التونسي، في أثناء جلسة مساءلة في البرلمان، خصصت لمناقشة قضية اغتيال الموساد الإسرائيلي للمهندس التونسي الشهيد محمد الزواري، كشف فيه أن 800 مسلح تونسي عادوا من ساحات القتال في عدد من بؤر التوتر.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تطالب تونس باستلام مقاتليها
الوزير التونسي، أقر أيضًا إضافة إلى عودة هؤلاء الـ800، بوجود عدد آخر من المسلحين العائدين إلى بلاده من بؤر التوتر ولا تتوفر بشأنهم معطيات كافية بشأن طبيعة نشاطهم وتحركاتهم، وتشير عديد من التقارير الإعلامية، عودة مئات التونسيين إلى بلادهم عقب أحداث بنقردان (جنوب) في مارس الماضي التي حاول فيها تنظيم “داعش” السيطرة على المدينة.
أعلنت السلطات التونسية، في بداية العام الماضي أنها منعت 15 ألف شاب وفتاة من السفر إلى سوريا والالتحاق بمقاتلي تنظيم الدولة
وبلغ عدد قضايا الإرهاب المعروضة على القضاء التونسي، إلى فبراير الماضي، 1944 قضية، وعدد الموقوفين على ذمة هذه القضايا 778 شخصًا، حسب كمال بربوش الناطق الرسمي باسم النيابة العامة بتونس، وكانت السلطات التونسية أعلنت في بداية العام الماضي أنها منعت 15 ألف شاب وفتاة من السفر إلى سوريا والالتحاق بمقاتلي تنظيم الدولة.
وكانت السلطات قد وضعت 92 عائدًا تحت الإقامة الجبرية، بعد أيام من تفجير استهدف حافلة للحرس الرئاسي، وأودى بحياة نحو 12 شخصًا، في نوفمبر 2015، وتشير تقارير غير رسمية إلى وجود نحو 3500 تونسي في بؤر التوتر.
ارتباك الموقف الرسمي التونسي
خيارات السلطات التونسية في مواجهة مقاتليها العائدين من بؤر التوتر، ليست كثيرة، حسب عديد من الخبراء، فهي لا تملك حتى الآن إلا الحلول الأمنية، والتي لن تكون مجدية على المدى الطويل، الأمر الذي أعاد مسألة “قانون التوبة” إلى الواجهة.
وسبق أن صرح الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، خلال زيارته إلى فرنسا، بداية الشهر الحالي قائلاً: “خطورة الجهاديين باتت من الماضي، والعديد منهم يرغبون في العودة، ولا يمكننا منع تونسي من العودة إلى بلاده، ولن نضعهم جميعًا في السجن، لأننا إن فعلنا لن يكون لدينا ما يكفي من السجون، بل سنتخذ الإجراءات الضرورية لتحييدهم، ونحن نراقبهم”.
تصريحات سرعان ما تراجع عنها رئيس تونس، وقال إن العائدين سيواجهون قانون الإرهاب، ويكشف هذا التردد الرسمي، غياب خطة واضحة للسلطات التونسية في معالجة ملف العائدين من ساحات القتال في الخارج، وتعيد المخاوف بشأن المخاطر الأمنية التي يمكن أن تشكلها عودة هؤلاء.
مظاهرة منددة بالارهاب في تونس
ويعتبر “كل من سافر إلى خارج تراب الجمهورية بغاية ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية، إرهابيًا ويعاقب بالسجن”، وفق ما نص عليه الفصل 33 من القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المؤرخ في 7 من أغسطس 2015، والمتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال.
الفصل الـ25 من الدستور التونسي ” يحجر سحب الجنسية التونسية من أي مواطن أو تغريبه أو تسليمه أو منعه من العودة إلى الوطن”
ويطالب عديد من التونسيين بعدم السماح لأي مقاتل بالعودة إلى تونس وبضرورة سحب الجنسية التونسية من المتورطين في القضايا الإرهابية، غير أن الفصل الـ25 من الدستور التونسي ينص على “يحجر سحب الجنسية التونسية من أي مواطن أو تغريبه أو تسليمه أو منعه من العودة إلى الوطن”، فالعودة إلى الوطن حق دستوري، ولا يمكن منع أي مواطن من العودة إليه مهما كان السبب.
وكشف تقرير أممي، نشر في مايو الماضي، عن أن تنظيم الدولة الإسلامية، وبعد هزائمه الميدانية، أصبح يشجع أعضاءه من الأجانب على العودة إلى بلدانهم وتنفيذ هجمات إرهابية فيها.
الخوف من تحول السجون إلى ساحات تجنيد
في مقابل المطالب بسحب الجنسية عنهم ومنع عودتهم، يرى تونسيون آخرون أن لا الحل الأمني ولا سحب الجنسية سيكون كافيًا في حل هذا الملف، ويؤكدون ضرورة إقناع هؤلاء الشباب بمراجعة أفكارهم ونبذ العنف، وسبق أن تساءل وزير العدل التونسي عمر منصور، في مارس الماضي، عن مدى نجاعة العقاب السجني للإرهابيين، خاصة أن الدافع في اعتناقهم ممارسات إرهابية هو دافع فكري بالأساس.
أحد المقاتلين التونسيين في سوريا
وقد صرح الوزير لإحدى الإذاعات الخاصة التونسية قائلاً: “الإرهابيون، في الأخير، من هم؟” مجيبًا أنهم شبان تونسيون أضاعوا البوصلة، مضيفًا “هم أبناء من وطننا ضل بهم الطريق وذهبوا في الطريق الخاطئ، وأساؤوا إلى مجتمعهم، ونحن مع العقاب لكن لا بأس إن استطعنا إصلاح العقلية التي أخطأت ودخلتها أفكار سيئة”.
ويخشى عديد من التونسيين، أن تتحول السجون أيضًا إلى ساحة لتجنيد الإرهابين وبث الفكر العنيف، ويقبع في سجون تونس اليوم نحو 2000 شخص بين مدانين في جرائم إرهابية وموقوفين على ذمة قضايا متعلقة بـالإرهاب، وذلك حسب صابر الخليفي مدير عام إدارة السجون والإصلاح بوزارة العدل.
عديد من السياسيين سبق لهم أن دعوا أيضًا، إلى تبني “قانون التوبة”، والسماح لهؤلاء التونسيين بالعودة إلى بلادهم وترك مسألة عقاب من ثبت ارتكابه جرائم وحمل السلاح إلى القضاء.