ترجمة وتحرير نون بوست
هذا المقال كتابة مشتركة بين بيتر روبيسون وديفيد كيوسينفيسكي.
دخل مستشار ترامب للأمن القومي مايكل فلين، خلال هذه السنة، في شراكة مع إحدى الشركات التكنولوجية المثيرة للجدل، وأثارت هذه الخطوة شكوك البعض، فأحد أبرز المديرين للشركة اتُهم سابقًا بمحاولة بيع مواد مسروقة في مجال التكنولوجيا الحيوية لفائدة وكالة لجنة أمن الدولة الروسية المختصة في التجسس.
كان سوبو كوتا قد أقر، في سنة 1996، بأنه باع مواد في مجال التكنولوجيا الحيوية لعميل في مكتب التحقيقات الفيدرالي، كان يتظاهر بأنه جاسوس روسي، ويُعتبر سوبو كوتا، أحد أعضاء مجلس إدارة شركة “برين وايف ساينس” في بوسطن، التي انضم إليها مؤخرَا فلين.
وبعد مرور سنوات من الإجراءات القضائية من قبل المحكمة الفيدرالية، عرض المدعي العام أدلّة تؤكد أنه خلال الفترة الممتدّة بين سنة 1985 وسنة 1990، التقى كوتا وبشكل دوري مع عميل من الاستخبارات السوفيتية، كما كان كوتا، جزءًا من شبكة تجسس قامت ببيع ما قيمته مئات الآلاف من الدولارات من تكنولوجيا الدرع الصاروخي الأمريكي، لصالح جواسيس روس.
في المقابل، أنكر كوتا تواطؤه مع شبكة التجسس المذكورة سابقًا، أما فيما يتعلق بالتهم الموجهة ضده ببيع مواد في مجال التكنولوجيا الحيوية، فاعترف كوتا بأنه باع رسم تخطيطي لطائرة هليكوبتر عسكرية لفائدة المدعي عليه الثاني في القضية، والذي أدين في وقت لاحق بانتمائه للاستخبارات السوفيتية.
وفي الواقع، خدم فلين لأكثر من ثلاثة عقود في الجيش الأمريكي ثم ارتقى في سلم المناصب ليتولى إدارة وكالة الاستخبارات الدفاعية، قبل أن يتم طرده من قبل باراك أوباما، على خلفية تعارض رؤيتهما السياسية في سنة 2014.
ومؤخرًا، تعرض فلين، لموجة واسعة من الانتقادات بسبب علاقته الوطيدة بروسيا، وفي نفس الوقت رفض إجراء أي مقابلات صحفية على الرغم من الطلبات الملحة التي توجه بها الإعلام للاستفسار عن ماهية علاقة شركته التجارية بأطراف روسية.
وفي هذا السياق، أفاد المتحدث باسم فريق ترامب الانتقالي جايسون ميلر، في رسالة إلكترونية، أن فلين لم يلتق أو يتحاور مطلقًا مع كوتا بالإضافة إلى أنه أنهى كل علاقاته بشركة “برين وايف ساينس”.
شركة فلين، التي تقع في ضاحية فيرفاكس بواشنطن، وعدت بتقديم “خدمات على مستوى عالمي لتدريب عدد من الوكالات، على يد مختصين أمنيين من ذوي الخبرة في مجال الاستخبارات والتحقيقات”
وفي الإطار ذاته، وخلال المقابلة الصحفية التي جرت عبر الهاتف يوم الخميس الماضي، وصف كوتا الاتهامات الجنائية وتعامله مع الاستخبارات السوفيتية على أنها مجرد سوء تفاهم كبير.
كما اعترف بأنه باع مواد في مجال التكنولوجيا الحيوية لعميل في مكتب التحقيقات الفيدرالي، كان يتظاهر آنذاك بأنه جاسوس روسي، ولكن الحادثة كانت تتعلق بقضية نزاع بشأن براءة اختراع وليست قضية تجسس كما انتشر لدى الرأي العام.
“بصمة الدماغ”
إن شركة “برين وايف”، تطمح لتطوير سوق تجارية تستوعب آخر ابتكاراتها التقنية التي أصبحت موضع نزاع على نطاق واسع، وتعرف هذه التقنية باسم “بصمة الدماغ”، حيث تسمح بتقييم مدى صدق الأشخاص خلال استجوابهم من خلال مسح دماغي.
ومن هذا المنطلق، صرح رئيس شركة “برين وايف”، كريشنا إيكا، خلال مقابلة صحفية، أنه “تم ضم السيد فلين لمجلس إدارة الشركة كمستشار حتى يساعدها في بيع التقنية الجديدة لكل من وكالات الدفاع والنظام الأمني الأمريكي”.
وأضاف إيكا “لم تقم الشركة إلى حد الآن بعقد صفقات مع أي وكالة استخبارات أمريكية، ولا زلنا نبحث عن مستثمرين في التقنية الجديدة”.
علاوة على كل ذلك، إيكا هو المسؤول عن إدارة العمليات اليومية التابعة للشركة، في حين يضطلع كوتا بمسؤولية استقطاب المستثمرين والمشترين على غرار استقطاب الخبراء في مجال التكنولوجيا والمساهمة في اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
وعلى الرغم من أن العديد من العملاء الفيدراليين السريين شهدوا أن كوتا لطالما تفاخر بانتمائه لشبكة الاستخبارات السوفيتية لتجسس، فسرعان ما أنكر وبشدة أن يكون قد عمل كجاسوس ضد الولايات المتحدة الأمريكية في يوم من الأيام.
وبالتوازي مع هذه التصريحات، اعترف كوتا بأنه اجتمع مع فلادمير غالكن، الذي كان عميلاً سابقًا للاستخبارات السوفيتية، في أربع مناسبات على الأقل وتسلم منه مئات الآلاف من الدولارات مقابل أن يسرب له معلومات تكنولوجية خطيرة تتعلق بالدرع الصاروخي الأمريكي.
ساعد كل من فلين وابنه على نشر رسائل إلكترونية محرضة على التمييز العرقي في مختلف وسائل الإعلام، ولعل أبرز شاهد على ذلك، التغريدة التي نشرها فلين في أواخر فبراير، والتي قال فيها: “الخوف من المسلمين عقلاني”
من جهته، برّر كوتا موقفه بأنه كان يعتقد أن غالكن رجل أعمال فضلاً عن أن المعلومات التي سربها له كانت من مصادر عامة.
ومن المعلوم أن غالكن قبض عليه في مطار كينيدي في سنة 1996، إلا أن المدعي العام عجز عن فتح قضية ضده وجمع الأدلة الكافية التي تربطه بشبكة التجسس، على غرار العديد من المشتبهين الآخرين، كما سمحت له وزارة الخارجية الأمريكية بمغادرة البلاد.
وبيّن كوتا أنه التزم بالبقاء بعيدًا عن أي شيء مخالف للقانون منذ اعترافه بذنبه في قضية بيع مواد التكنولوجيا الحيوية والتهرب من الضرائب.
وفي هذا الصدد قال كوتا: “لم أرتكب أي تجاوزات حتى فيما يتعلق بشراء تذكرة لركن سيارتي”، وفي الوقت الحالي، يدير كوتا شركة “ذي بوسطن غروب” الاستشارية.
من جهة أخرى، أشارت سجلات المحكمة الفيدرالية، إلى أن كوتا اعترف بذنبه في قضية بيع مواد التكنولوجيا الحيوية كما شهد ضد المدعي عليه الثاني وشريكه في القضية، وفي أعقاب ذلك، تلقّى كوتا حُكمًا مخففًا مع وقف التنفيذ لمدة أربع سنوات وكان مطالبًا بدفع غرامة مالية قدرها 50 ألف دولار.
أما فيما يتعلق بتورط فلين مع كوتا، فقد صرح إيكا، أن فلين عقد اجتماعات مع عدد من المسؤولين في شركة برين وايف، نحو عشر مرات، وقّع على إثرها اتفاقية تعاون مع الشركة لمساعدتهم في استقطاب وكالات الاستخبارات الأمريكية وإقناعهم بالدخول في معاملات تجارية معها.
وأفاد إيكا أن فلين وافق على أن يدرب أي وكالات تابعة للأمن القومي أو وكالة تطبيق القانون الأمريكية في المقر الرئيسي لشركة “فلين إنتل غروب”، إذا ما قامت هذه الوكالات بشراء منتجات شركة “برين وايف”.
خدم فلين لأكثر من ثلاثة عقود في الجيش الأمريكي ثم ارتقى في سلم المناصب ليتولى إدارة وكالة الاستخبارات الدفاعية، قبل أن يتم طرده من قبل باراك أوباما
والجدير بالذكر أن شركة فلين، التي تقع في ضاحية فيرفاكس بواشنطن، وعدت بتقديم خدمات على مستوى عالمي لتدريب عدد من الوكالات، على يد مختصين أمنيين من ذوي الخبرة في مجال الاستخبارات والتحقيقات، حسب ما ورد في الموقع التابع لشركة برين وايف.
جهاز للرأس مع مجسات
لقد صرّح إيكا، أن فلين أجرى بنفسه تجربة المنتج، حيث تم وضع ما يشبه الخوذة مزودة بأجهزة استشعار كفيلة بقراءة الموجات الدماغية على رأسه، وفي هذا السياق، وضح إيكا، أن الجهاز يهدف للكشف عن المعلومات التي تختبئ في عقل أي شخص يخضع للاستجواب، ومن جهته، وجد فلين المنتج مقنعًا للغاية، على حد تعبير إيكا.
وفي الحقيقة، استمر فلين في نشاطاته مع الشركة بعد تلقيه لمعلومات استخباراتية سرية خلال عمله في حملة ترامب في منتصف شهر آب/ أغسطس الماضي.
وفي أواخر شهر أيلول/ سبتمبر، أكد إيكا أنه قد عمل مع فلين على الترويج لشركة برين وايف، لمسؤولين من قوات الدفاع في بنغلاديش، خلال اجتماع جرى في مكتب فلين.
وفي المقابل، وبعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية وتعيينه لفلين كمستشار للأمن القومي، قام هذا الأخير بقطع كل الصلات مع شركة برين وايف، وذلك وفقًا لما جاء في أحد تصريحات إيكا.
وفي الأثناء، يحاول محامون، عن الطرفين، التفاوض على كيفية مواصلة التعاون بين شركة برين وايف وشركاء آخرين عن شركة “فلين إنتل غروب”.
روسيا اليوم
لقد تعرض فلين في الفترة المنقضية لموجة من الانتقادات على أعقاب الخطاب، الذي تلقى أجرًا مقابله، والذي ألقاه في وكالة الأنباء الرسمية الروسية، روسيا اليوم، كما تمّت مهاجمة فلين على خلفية جلوسه مع فلادمير بوتين في موسكو، خلال عشاء للاحتفال بالذكرى السنوية لقناة روسيا اليوم.
وفي السياق ذاته، ساعد كل من فلين وابنه على نشر رسائل إلكترونية محرضة على التمييز العرقي في مختلف وسائل الإعلام، ولعل أبرز شاهد على ذلك، التغريدة التي نشرها فلين في أواخر شباط/ فبراير، والتي قال فيها: “الخوف من المسلمين عقلاني”.
كما تنشروزارة الدفاع الأمريكية تقريرًا دوريًا تحت عنوان “التجسس والفضائح الأخرى المتعلقة بالأمن القومي”، حتى تمكن العديد من الموظفين في الدفاع الوطني والمتقاعدين العسكريين من القطاع الخاص على غرار فلين، من التأكد من أن شركائهم المستقبليين في العمل لا يمثلون أي تهديد.
خدم فلين لأكثر من ثلاثة عقود في الجيش الأمريكي ثم ارتقى في سلم المناصب ليتولى إدارة وكالة الاستخبارات الدفاعية، قبل أن يتم طرده من قبل باراك أوباما، على خلفية تعارض رؤيتهما السياسية في سنة 2014
ومن هذا المنطلق، نوّه التقرير الصادر عن وزارة الدفاع الأمريكية في سنة 2009، بحقيقة الاتهامات الموجهة ضد كوتا وتورطه في قضية أمن قومي.
وتجدر الإشارة إلى أن التقنية الجديدة التي تنوي شركة بريف وايف إطلاقها، مستوحاة بالأساس من تقنية قام المخترع لورانس فارويل، بتطويرها في سنة 1990.
وقد لاقت هذه التقنية اهتمامًا واسعًا، إذ طلب الكونغرس من مكتب المحاسبة العامة إجراء بحث في الغرض ودراسة التقنية الجديدة بتعلّة أنها قد تكون قفزة نوعية في مجال تطبيق القانون.
وبالتالي، بيّن مكتب المحاسبة العامة، في تقرير أصدرته سنة 2001، أن المزاعم التي تدعي أن التقنية الجديدة فعالة لا يمكن التحقق من صحتها ولا تستحق حتى التجربة.
وقد أعرب إيكا أن هجمات 11 أيلول/ سبتمبر الإرهابية، كانت مصدر إلهام بالنسبة له لتوظيف إمكانياته لمحاربة الإرهاب، وقد أردف إيكا قائلاً: “لقد سمعت عن هذه التقنية وسارعت للتعاون مع فارويل”.
كما أفاد، أنه كان مقتنعًا بأن موجة التشكيكات التي تسربت عن تقنية بصمة الدماغ، كان مصدرها “لوبيات جهاز كشف الكذب”، الذين لا يريدون أن يخسروا تجارتهم المربحة لصالح تكنولوجيا أكثر فعالية، على حد تعبيره، لذلك، من المرجح أن تُسوّق شركة برين وايف منتجها الجديد كنوع من التعزيز لجهاز كشف الكذب.
المصدر: بلومبيرغ