ترجمة وتحرير نون بوست
دفعت مخاوف الإيرانيين من عدوى “عدم الاستقرار”، التي يعيشها محيطهم الإقليمي، إلى نمو الشعور بالوطنية التي تحولت فيما بعد إلى نوع من التعصب الشديد للقومية الإيرانية.
وقد أصبح شعار الإيرانيين الرسمي هو “وطننا عبارة عن جزيرة مستقرة داخل منطقة متوترة”، ومن جهتها، تراقب الحكومة الإيرانية بحذر ما يعيشه جيرانها من عمليات إرهابية ومواجهات مسلحة ومحاولات انقلابية، خاصة وأن إيران تتشارك الحدود مع كل من أفغانستان غربًا والعراق وتركيا شرقًا، وقد استغلت الحكومة الإيرانية خطابات حركة طالبان وتنظيم الدولة المعادية للشيعة، لتركز سياسة داخلية مبنية على “الهدوء والاستقرار”.
في المقابل، بدأ شبح الخوف من إصابة إيران بعدوى “عدم الاستقرار” التي دمرت منطقة الشرق الأوسط، يطوف حول الدولة الشيعية، حيث تتمثل أكبر صدمات إيران في خوضها لحرب دامية مع العراق دامت مدة ثمانية سنوات من سنة 1980 إلى غاية سنة 1988.
من جهة أخرى، لم تشر السلطات الإيرانية إلى حد الآن إلى أي وجود لمقاتلي تنظيم الدولة على أراضيها، لكن، خلال شهر أيار/ مايو الماضي، تحدثت عدة هيئات حكومية إيرانية عن إيقافها لجماعات إيرانية سلفية كانت تخطط للقيام بأعمال إرهابية في إيران مما ساهم في تعزيز ثقة الإيرانيين بجهاز مخابراتهم.
وعلى الرغم من التوسع الكبير الذي حققه تنظيم الدولة في العراق، فإيران لم تشهد أية أعمال تفجيرية على أراضيها مما ساهم في بناء مصالحة بين كل من الحكومة والشعب الإيراني الذي ذاق مرارة القمع خلال فترة “التحرك الأخضر” سنة 2009، أي بعد إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسًا لإيران من جديد .
أتباع جدد لنظام قوي
وبحسب رأي سينا، الطالب الإيراني الموالي للرئيس المعتدل الحاليّ حسن روحاني، فإن “الأمن والاستقرار أصبحا هم الإيرانيين الأول، ومن يحافظ عليهما فقد حظي بتأييد نسبة هامة من الشعب”، كما أنه كثيرًا ما صوت هذا الطالب لصالح الحركات الإصلاحية والمرشحين المؤيدين لمزيد من الحريات والذين نادوا ببناء علاقات تقارب مع العالم الغربي.
وقد فرح سينا، كأغلب الإيرانيين، بالاتفاق النووي الذي ساهم في رفع العقوبات الدولية ضد طهران، وقد ابتهج أيضًا بسياسة الانفتاح التي يقودها الرئيس الحاليّ حسن روحاني، في المقابل، لم يخف سينا معارضته للتدخل الإيراني العسكري في كل من العراق وسوريا، لكنه صرّح أنه يكن احترامًا وإعجابًا بقاسم سليماني قائد لواء القدس، وهي فرقة خاصة تابعة للحرس الثوري الإيراني مهمتها إنجاز مهام خارج حدود إيران.
وفي هذا السياق، قال الطالب: “لم يحظ أي حارس للثورة الإيرانية بكل هذا الإعجاب والانسجام مثلما حظي به قاسم سليماني”، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الطالب ليس وحده من يحترم سليماني، بل حتى المنتقدين لسياسة الحرس الثوري الإيراني، يرونه بطلاً قوميًا، فقد صرح مؤخرًا الكاتب الإيراني محمود دولت آبادي، المراقب من الحكومة، بأن إيران تحتاج لقادة كسليماني.
وفي نفس السياق، يرى مراقبون أن تدخل الحرس الثوري الإيراني عسكريًا خارج البلاد، تحديدًا في كل من العراق وسوريا، ساهم في عدم مواجهة إيران لتنظيم الدولة على أراضيها، وفي هذا الصدد، علق المفكر الإصلاحي علي أبطحي، قائلاً: “يمثل الحضور العسكري الإيراني في سوريا نوعًا من الاستراتيجية الوقائية التي تعتمدها إيران للدفاع عن سلامة الأراضي الإيرانية والحفاظ على الأمن القومي”.
وتجدر الإشارة إلى أن المفكر الإيراني علي أبطحي، قد سجن خلال مشاركته في مظاهرات “التحرك الأخضر” سنة 2009، كما يتهم المشاركون في هذه المظاهرات، الحرس الثوري بأنه المشرف على عمليات القمع والاعتقالات التعسفية.
من جهة أخرى، يرى الباحث الاجتماعي سعيد نبافي، أن تنظيم الدولة هو الخطر الذي يثير مخاوف الإيرانيين، لذلك لا يُسمح لأحد بأن ينتقد التدخل العسكري الإيراني في كل من سوريا والعراق.
وقد أثر ذلك في الشباب الإيراني، الذي يبدي الكثير منه رغبته في الالتحاق بصفوف الحرس الثوري خارج إيران بهدف قتال مسلحي تنظيم الدولة، في المقابل، تواصل طهران نفيها لأي وجود عسكري لها داخل هذه البلدان مؤكدة على أنها تشارك فقط عبر طريق إرسال خبراء عسكريين.
وتتواصل “الحمى الوطنية” داخل صفوف الشباب الإيراني الذين عبّروا عن دعمهم للقادة الإيرانيين الذين لقوا حتفهم وهم بصدد الدفاع عن المراقد الشيعية في كل من مدينتي النجف وكربلاء الواقعتين جنوبي العراق أو مرقد السيدة زينب في دمشق، عبر رسم صورهم على الجدران، وأفاد الباحث الاجتماعي الإيراني نبافي قائلاً: “النظام الإيراني عزز شعبيته بفضل تدخلاته العسكرية خارج إيران، وكل من يعارض هذه السياسة فهو يعدّ العدو”.
تنامي العدائية ضد العرب
لقد تحول هذا الشعور بالوطنية إلى نوع من التعصب الشديد للقومية الإيرانية، خاصة ضد القومية العربية وتحديدًا السعودية التي اتهمتها إيران بدعم تنظيم الدولة.
وفي الواقع، بدأ التوتر بين البلدين، عندما قامت إيران بمقاطعة موسم الحج هذه السنة بعد حادثة التدافع في الحرم المكي خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2015، مما أودى بحياة نحو 400 إيراني، وتضاعف التوتر بينهما بعد إعدام المملكة للمعمم الشيعي نمر باقر النمر، أعقبه تظاهر الإيرانيين أمام السفارة السعودية في طهران إلى أن انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ومنذ سنة 1990، منعت إيران لأول مرة حجيجها من الذهاب لمكة المكرمة، وفي هذا الصدد، علقت السلطات الإيرانية على هذا القرار مؤكدة أنها ترفض أن يتولى السعوديون أمن حجيجها، من جهة أخرى، يرى البعض في هذا القرار الإيراني إثباتًا من الحكومة أنها لا تتنازل عن أمن مواطنيها خارج البلاد حتى لو كلفها ذلك قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرياض.
وينتشر بصفة كبيرة لدى الإيرانيين شعور بالعدائية تجاه العرب كافة وهو في الغالب شعور موروث منذ القدم، حيث أكد الباحث الاجتماعي سعيد نبافي أن “هذه الكراهية للمذهب السني وللعرب بدأت منذ أن فُتحت إيران من قبل العرب خلال القرن السابع ميلادي”.
كما ينحدر الكثير من الإيرانيين من العرق الآري الهندي المعتنق للزرادشتية الفارسية، أو ما تسمى بالمجوسية، وهي الديانة الرسمية لإيران قبل قدوم الفتح الإسلامي، حيث يرى أغلب الإيرانيين أن المذهب السني معتقد فرضه العرب على الفُرس في ذلك الوقت، مما يؤكد لنا سبب هذا الحقد الإيراني على العرب السنة.
وفي نفس السياق، قالت إحدى فنانات الرسم في إيران إنها لا تكن أي إحساس بالعنصرية تجاه العرب، ولكنها سعيدة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع السعودية.
المصدر: صحيفة لوموند