في التاسع عشر من ديسمبر الحاليّ أعلنت جماعة الإخوان المسلمين (الجبهة التي تنادي بالتغيير والتطوير وتركز على إجراء انتخابات قاعدية شاملة) انعقاد مجلس شورى عام الجماعة المنتخب واتخاذ قرارات مهمة تتلخص في:
1- الفصل بين الإدارة التنفيذية للجماعة الممثلة في مكتب الإرشاد، والهيئة الرقابية التشريعية الممثلة في مجلس الشورى العام.
2- احتفاظ الدكتور محمد بديع بموقعه كمرشد عام لجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك احتفاظ جميع أعضاء مكتب الإرشاد المعتقلين في سجون الانقلاب بمواقعهم حتى خروجهم من السجن وإسقاط الانقلاب.
3- مجلس الشورى العام ينتخب من بين أعضائه رئيسًا ووكيلًا وأمينًا عامًا (شابًا).
4- مجلس الشورى العام يقبل استقالة اللجنة الإدارية العليا، ويبدأ انتخاب مكتب إرشاد مؤقت تحت اسم “المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين“.
5- مجلس الشورى العام ينتخب مكتب إرشاد مؤقت “المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين” برئيس من الداخل وتشكيل أعضاء من الداخل والخارج.
6- مجلس الشورى العام يقرر بالإجماع استمرار قرار الشورى العام المنتهية ولايته بـ”رابعة” 2013 بالتمسك بالمسار الثوري.
وتلقى مجلس الشورى استقالات اللجان المسؤولة عن التنفيذ وكذلك استقالة المتحدث محمد منتصر تعبيرًا عن نهاية مرحلة وبداية أخرى ويبدو أنه ليس آخرًا إصدار الدكتور عمرو دراج رئيس المكتب السياسي في مكتب الإخوان المسلمين بالخارج بيان باعتزال العمل السياسي والعمل بعد إجراء الانتخابات الشاملة الأخيرة وانعقاد مجلس الشورى.
وتعهد المكتب العام المنتخب (مكتب الإرشاد المؤقت الذي تم انتخابته من مجلس الشورى لهذه الجبهة) بالعمل على بناء الجماعة وأدواتها وتطويرها وأن بناء خريطة تحالفات سياسية جديدة مبنية على أرضيات مشتركة مع القوى الثورية والشبابية والقوى الفاعلة في المجتمع وحركات التحرر في العالم والتكتلات المدافعة عن الحريات والحقوق، هو أحد ركائز العمل في الفترة المقبلة.
وتعهد أيضًا بتطوير اللائحة الداخلية للجماعة وترسيخ المؤسسية، وبناء بيوت الخبرة والمؤسسات المتخصصة التي تقود محاور العمل في الفترة المقبلة بالجماعة، وإلحاق جميع الكفاءات والخبرات في الصف بها، ليتحول العمل كليًا بالجماعة إلى عمل مؤسسي متخصص، وأيضًا برفع كفاءة المنظومة التربوية، وتطوير المسار الدعوي بالجماعة، لمواجهة الأجندات الفكرية والعقائدية المختلفة، بتقديم بناء فكري ومشروع متكامل ومتماسك بديل عن الأطروحات التي يتم تسويقها في المجتمع بعيدًا عن المنهج الإسلامي.
في المقابل أصدر طلعت فهمي المتحدث الإعلامي لجماعة الإخوان بيانًا (المعبر عن الجبهة التي تركز على الحفاظ على التماسك والثبات حتى مع استمرار العمل الثوري والتأكيد على التبعية أو البيعة للدكتور محمود عزت كقائم بأعمال المرشد دون إجراء انتخابات قاعدية شاملة) أكد فيه أنه لا صحة للأخبار المتعلقة بانتخابات مجلس الشورى أو انعقاده وأن محمد منتصر تم إعفاؤه منذ 14 من ديسمبر 2015 وبالتالي هو لا يمثل الجماعة ولا يتحدث باسمها من قريب أو بعيد، ووصف الأمر في مداخلة له على إحدى القنوات الفضائية أنها محاولة انشقاق غير ناجحة ولا تعبر عن جموع الإخوان الذين يعرفون قادتهم بشكل واضح.
عام كامل ونفس المفردات
قبل عام من الآن كانت جماعة الإخوان المسلمين على موعد مع صاعقة مدوية لأعضائها وسط الضغوط الشديدة ولأول مرة تخرج جبهة من داخل جماعة الإخوان المسلمين لتعلن أن هناك متحدث غير المتحدث (طلعت فهمي وإعلان إعفاء منتصر من منصبه بشكل مفاجئ ودون اتفاق) وموقع رسمي غير الموقع الرسمي، ورغم تاريخ الإخوان الحافل بسجالات أحيانًا أو انشقاقات أو تحقيقات وفصل، كانت هذه هي المرة الأولى التي يستيقظ فيها أعضاء الجماعة على وجود متحدثين رسميين لا يعترف كل منهما بالآخر وموقعين رسميين يعبر عن جبهة كل واحد منهما.
من الغريب أنه بعد عام من السخونة الإعلامية أحيانًا أوالهدوء والصمت أو الغمز واللمز أحيانًا أخرى وصل الحال إلى أنه لا جديد في هذا الخلاف، وأن كل شيء له علاقة بجسر هوة الخلاف والتفاهم الداخلي كان جريًا في المحل وأن ما بُدئ في 2015 هو ما تم استمراره في 2016، حيث كل طرف يستخدم مفرداته الخاصة وخطابته ونوافذه التي يسميها رسمية.
من المفردات التي تبرز في خطاب الدكتور طلعت فهمي في نفيه الأخير الثبات على الأدبيات والحفاظ على رباط الأخوة والحديث أن كل وقت له فتنته والكل يعرف من قادته على الأرض والأمور بخير وما يحدث محاولة انشقاق غير ناجحة.
ومن المفردات التي تبرز للأستاذ محمد منتصر ومن يعبر عنهم الانتخابات القاعدية وأخطأنا وأصبنا، إضافة لسيل الاستقالات العملية لإفساح المجال لآخرين، والتأكيد على قرارات سابقة اتخذت في عام 2013 قبل حدوث الخلاف (يقصد المسار الثوري وهو بلا تعريف دقيق حتى الآن) والتأكيد كذلك على أهمية امتلاك أدوات النصر وتطوير اللوائح والعمل المؤسسي والتحالفات، إلخ.
ماذا تعني هذه المواقف؟
1- تطبيق كل طرف إجراءاته ومواقفه المعلنة مع شريحة ما من داخل الإخوان المسلمين، فالذي يدعو للثبات وعدم وجود ظروف مناسبة لانتخابات قاعدية شاملة ظل يثّبت القائم بالأعمال والنائب والأمين العام دون أي اقتراب شكلي أو إجرائي أو موضوعي من هذه المهام، والطرف الذي دعا للتغيير والتطوير خطا خطوات في الانتخابات القاعدية وتغيير وتجديد المجالس الإدارية والشورية ويتحدث عن تطوير آخر سيتعلق بالرؤية والاستراتيجيات والأدوات والتحالفات واللوائح.
2- أن هناك استحالة واضحة للتفاهم والحلول الوسط رغم وجود الكثير من المشتركات الظاهرة حتى في الخطابات الرسمية (فالكل متمسك بالجماعة وأفكارها وأدبياتها التأسيسية والكل متمسك حتى بمرشدها المعتقل ومن هم داخل المعتقل دون أن يكون لهم دور في القيادة حتى يخرجوا من الاعتقال) والكل متفق على مواجهة الاستبداد وحكم العسكر وإن اختلفت نبرات التعبير الخطابي أحيانًا أو تقديرات المواقف والاستراتيجيات المتبعة، وتقدير الأهداف الصغيرة أو المرحلية.
3- استمرار حالة الاستقطاب في شكلها الإجرائي والإداري حتى بعد مرور عام كامل على ضجة خروج متحدثين وموقعين لم يظهر على السطح إلا ما هو في ذات المنحى الإجرائي (الذي لم يكن صحيحًا من البداية).
4- هناك عدم نضج من بعض النخب والقيادات (لا يصح أن نعمم لكن أيضًا لا يصح أن نختزل)، فبمجرد رفض أو تعنت مجموعة من النخب والقادة يختل الوعي الجمعي للكل، ويزيد الاستقطاب ويصعب السيطرة عليه، وبعدها كل إجراء يحسب على أي جهة سيجد هناك من ينتقده ويواجهه بكل قوة.
5- جماعة الإخوان غير قادرة في الوقت الحاليّ على قيادة العمل الثوري، فمن ناحية ما زالوا عاجزين عن تطوير وتكتيل أنفسهم ومن ناحية أخرى لم يخرج عنهم تقييمات وتصورات جديدة يمكنها تطوير العمل الثوري والسياسي داخل مصر وخارجها.
ماذا إذا ظل غياب الحوار سيد الموقف؟
ستظل جماعة الإخون المسلمين أمام جبهتين وربما أكثر، أيًا كانت الأسماء التي تعبر عن هذه الجبهات والشخصيات التي تمثلها، ورغم أن ما تحاجه الجماعة هو واجب على الجميع فلنجرب أن نتحدث مع كل جبهة على حدة.
بالنسبة لجبهة الثبات والحفاظ على تماسك الجماعة بدون تغييرات وتقييمات شاملة
إذا كانت الرؤية الظاهرة هي التمسك بالثورة والثبات من أجل تحقيق الأهداف ومحاولة تحسين الفاعلية التنظيمية من خلال تشكيل بعض اللجان الفنية أو استكمال بعض الانتخابات دون أن تكون قاعدية شاملة من القاعدة للهرم وتثبيت سقف المرجعية في شخص القائم بالأعمال ونائب بالخارج وبعض الشخصيات الأخري، فما الجديد هنا الذي يمكن أن يقدمه هذا الطرف:
سيعاني هذا الطرف مع الضغوط المستمرة من نظام الاستبداد على الحالة الثورية من عدم وجود قدرة منفردة على إنجاز يُذكر (غير إنجاز البقاء فقط على حالة الإنهاك الحالية) وفي ظل عجز الإخوان عن تحقيق عودة الدكتور مرسي والشرعية أو تحقيق الانتصار الثوري الشعبي لن يصبح البقاء أو التوصل لصيغة للبقاء إنجازًا يُذكر.
لذا تبدو “روشتة” الحديث عن التقييم وتحديث عقل الجماعة وتفكيرها ولجان تنفيذها هو واجب الوقت، وهو ما يجعل التعاطي الإيجابي مع ضرورة التقييم الجاد وليس الشكلي والتحديث مع الأطراف الأخرى داخل الإخوان (من الجبهة الأخرى أو ومع عموم الأفراد التي انسحبت أو التي لا زالت نشطة داخل الجماعة) شرعية إنجاز داخلية لن يحصل عليها لو استمر على حالة الثبات وعدم المراوحة الحالية.
كذلك يبدو تطوير علاقة التعاقد مع الأفراد والأعضاء من أبرز واجبات التحديث التي تجعل الجميع شركاءً في تحسين حالتهم الفكرية والتخطيطية والميدانية ويكون الجميع شركاء التفكير والتنفيذ والتقييم والتطوير، لذا لا يجب أن تكون علاقة العضوية والترابط الداخلي قاصرة على التدين العام فقط ولا على الإجراءات واللوائح بل يحتاج الأمر إلى روابط جديدة تتيح للفرد أن يشعر أنه مشارك في المسؤولية والمحاسبة والتقييم والتغيير (عمليًا لا شكليًا) دون أن يحتاج إلى آليات أخرى أشد صخبًا وضيقًا وتمردًا وسخرية.
بالنسبة للجبهة التي تنادي بأهمية التغيير في القيادات والأفكار والاستراتيجيات الثورية
يبدو أنها وجدت أن عمق الأزمة المصرية والحالة الثورية أكبر مما تخيلت وتوقعت وأكبر من مجرد حماسة أو روح شبابية أو تصريحات إعلامية أو أن مجرد ابتكار سريع لآليات وأدوات واستراتيجات سريعة متعجلة كفيل بتغيير الأمور.
لذا تبدو حالة الإنجاز الأولى ليست سرعة عودة مرسي والشرعية أو سرعة كسر الانقلاب والحكم العسكري بل يبدو أن ترتيب المنظومة الداخلية وتحديثها وتطويرها هو الهدف الأقرب والأكثر موضوعية.
من هنا تأتي أهمية الحديث عن التجربة العملية أولاً للمجموعة الراغبة في التغيير وأن تبدأ بتقييم نفسها وكذلك تقييم المراحل التي عاشتها منذ عام وكذلك منذ الانقلاب العسكري وسلوك الإخوان والحالة الثورية في فترة رئاسة الدكتور محمد مرسي.
ثم يأتي الحديث عن التربية والثقافة هل هي تهيء لجسد ثوري أو دعوي أو سياسي أو لكل هذا وهل هي مناسبة وحديثة وعصرية أم لا، وكذلك عن إعداد الإنسان والرجال والكودار واعتماد الأمر على الاختصاص والمنهجيات العلمية وليس على اجتهادات شخصية، كذلك الحديث عن نوعية المؤسسات المطلوبة وعن الإدارة المالية الأنسب في ظل الحصار والضغط.
أيضًا الوعي لدرس عدم الاندفاع في الأحاديث والخطابات الإعلامية (خاصة أننا في مرحلة تجريب للأفكار الجديدة والاستراتيجات التي لم تنضج بعد) وبالتالي الحاجة إلى الصبر حتى يتم اختبار أكثر من أسلوب واستراتيجية في الداخل والخارج وربما اعتماد استراتيجيات مركبة.
نضيف كذلك أهمية الحديث عن تطوير شكل التقييم والتقويم وبشكل موضوعي ومنهجي ولا يقتصر على ذات الأشخاص الذين يفكرون بذات الطريقة (مهما كانت قدراتهم) وعلى نفس الأرضية ونفس المعلومات والتقديرات ونفس الحالة والضغوط، وأهمية الاستفادة من رحابة العالم الذي لا زال به متسع لبناء شبكات داعمة بحثية علمية ولوجستية وإعلامية وسياسية وحقوقية وأيضًا ثورية و دبلوماسية.
خلاصة
إن جماعة الإخوان المسلمين – وفي الحقيقة جميع التيارات السياسية – أمام سؤال التحديث والتطوير أو الجمود والعجز، فالتحديث والتطوير لن يأتي بمجرد حالة من الحماسة أو بقرار فردي أو حتى بقرار إداري، وإنما باقتناع عام وحالة عامة يتبناها القادة والنخب والفاعلون، حالة عامة تـُشيع الحوار وأهمية التخصص والمؤسسات المحترفة والاستفادة من الخبرات والقدرة على التجريب والتقويم في آن واحد.
فإن تعذر على الطرفين الالتقاء على هذا الممكن والمشترك والواجب فلا أقل من أن يسعى الجميع للتسابق على التقييم الموضوعي والتحديث والتطوير الحقيقي بما يعود على أزمات المصريين ومعاناة المعتقلين والمطاردين بما يمكنه أن يساهم في تخفيف المعاناة وإضعاف الاستبداد وتقوية المجتمع والنهوض به، وهو واجب لا يخص جماعة الإخوان المسلمين فقط، لكنه واجب كل التيارات والحركات أن تعيد تقييم ثم تحديث وتطوير نفسها من أجل البلاد ومصالح الناس.