أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن تحطم طائرة ركاب على متنها 91 شخصًا ما بين مدنيين وعسكريين وموسيقيين وصحفيين، وذلك بعد دقائق من إقلاعها من مطار أدلر جنوب روسيا، في أثناء توجهها إلى قاعدة حميميم في سوريا.
الطائرة التي اختفت من شاشات الرادار بعد عشرين دقيقة فقط من إقلاعها تم العثور على بعض حطامها بالبحر الأسود، على بعد 6 كم من الشاطئ، بعد أن رجحت بعض المصادر أن تكون الطائرة قد تحطمت في جبال إقليم كراسنودار جنوب روسيا.
وعلى الرغم من عدم معرفة السبب الحقيقي لتحطم الطائرة حتى كتابة هذه السطور، فالعديد من التساؤلات والاحتمالات تفرض نفسها، خاصة أن هذه الحادثة تأتي بعد أيام قليلة من اغتيال السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف، على يد شرطي تركي، الإثنين الماضي.
كيف سقطت الطائرة؟
البداية تعود إلى الساعة 2:40 بتوقيت جرينتش، حين اختفت طائرة الركاب الروسية من طراز “تو-154” من على شاشات الرادارات بعد عشرين دقيقة فقط من إقلاعها من مطار شوتشي – أدلر جنوبي روسيا، في طريقها إلى قاعدة حميميم السورية، وكان على متنها 83 راكبًا و8 من أفراد الطاقم.
وزارة الدفاع الروسية في تصريحات لها أكدت أن الطائرة كان على متنها موسيقيون من فرقة ألكساندروف العسكرية و9 صحفيين، تابعين للقناتين التليفزيونيتين “القناة الأولى” وقناة “زفيزدا” الروسيتين.
وحسبما صرح مصدر أمني لوكالة “نوفوستي”، فإن الطائرة تحطمت على الأرجح في جبال إقليم كراسنودار جنوب روسيا، حيث قال المصدر: “حسب المعطيات الأولية، فإن طائرة “تو 154″ التي اختفت، وصلت إلى سوتشي للتزود بالوقود من مطار تشكالوفسكي بضواحي موسكو، وتحطمت على الأرجح في المناطق الجبلية من إقليم كراسنودار”.
كما أفاد مكتب الإعلام التابع لوزارة الدفاع بالعثور على أجزاء من هيكل الطائرة المنكوبة على عمق 50-70 مترًا على بعد 1.5 كم من سواحل منتجع سوتشي، مؤكدة العثور على جثمان أحد ضحايا الكارثة في مياه البحر على بعد 6 كم من الشاطئ.
حسب المعطيات الأولية، فإن طائرة “تو 154” التي اختفت، وصلت إلى سوتشي للتزود بالوقود من مطار تشكالوفسكي بضواحي موسكو، وتحطمت على الأرجح في المناطق الجبلية من إقليم كراسنودار
في الوقت نفسه، نقلت وكالة “تاس” عن مصدر في وزارة الدفاع قوله إن فرق الإنقاذ عثرت في المياه على بعد 5.5 كم عن الساحل على أمتعة يرجح أنها تابعة لركاب الطائرة المنكوبة.
وحسبما قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تم إبلاغه بالواقعة منذ اختفاء الطائرة من على شاشات الرادارات، حيث عقد اجتماعًا طارئًا ضم وزير الدفاع سيرغي شويغو، وبعض قيادات الوزارة، عن طريق الفيدو كونفرانس لمتابعة آخر المستجدات فيما يتعلق بعمليات البحث عن الطائرة وحطامها.
المقاتلة الروسية “سوخوي” التي أسقطتها القوات التركية على الحدود السورية العام الماضي
الاحتفال بأعياد الميلاد
بحسب ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية فإن الطائرة المنكوبة كانت تقل موسيقيين من فرقة ألكساندروف العسكرية وعدد من الإعلاميين التابعين للقناتين التليفزيونيتين الروسيتين “القناة الأولى” وقناة “زفيزدا”، مما يرجح احتمالية الإعداد للاحتفال بأعياد الميلاد بمشاركة روسية سورية، احتفالاً بما حققته موسكو بمساعدة طهران وقوات الأسد في حلب من قضاء على فصائل المعارضة الثورية بها.
وردًا على أحد التساؤلات بشأن استخدام الطيران العسكري الروسي لقاعدة حميميم السورية، فإن القوات الروسية تستخدم قاعدة حميميم الجوية الواقعة على بعد 19 كيلومترًا من محافظة اللاذقية، بموجب اتفاق مع الحكومة السورية وقعه الجانبان في أغسطس 2015، ينص على استخدام القوات الروسية للقاعدة إلى أجل غير مسمى.
بعد أيام من مقتل السفير
جاء حادث سقوط الطائرة بعد أيام قليلة من مقتل السفير الروسي آندريه كارلوف خلال مشاركته في إحدى المعارض الفنية بمدينة آنقرة التركية الإثنين الماضي، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الروسية التركية.
مقتل السفير الروسي في تركيا تسبب في صدمة مروعة للدولتين على حد سواء، خاصة بعد العبارات التي رددها منفذ العملية، وهو شرطي خدم في الحراسات الخاصة بأنقره، والتي جاء نصها: “الله أكبر.. لا تنسوا حلب.. لا تنسوا سوريا”، مما يثير القلق بشأن دوافع الجريمة خاصة في ظل تعدد الجهات المستفيدة من هذه الجريمة التي كانت تهدف في بعض أهدافها إحداث شرخ جديد في العلاقات الروسية التركية، وهو ما يصب في مصالح أنظمة عدة إقليمية ودولية، في مقدمتها إيران والولايات المتحدة الأمريكية.
الغموض والتزامن
توقيت تحطم الطائرة الروسية في البحر الأسود، والذي جاء بعد مقتل السفير الروسي بتركيا، وطبيعة من كان على متن الطائرة، خاصة أن بهم عسكريين وإعلاميين، إضافة إلى وجهتها حيث كانت في طريقها إلى قاعدة حميميم الجوية بمنطقة اللاذقية السورية، دفع البعض إلى الربط بين مقتل السفير وسقوط الطائرة.
ومع عدم الإعلان رسميًا – حتى الآن – عن أسباب تحطم الطائرة، يكون احتمال تحطم الطائرة بفعل فاعل، قائمًا، وإن كان بنسبة ضئيلة، وهو ما أشار إليه المحلل السياسي والكاتب الصحفي السيد الربوة.
الربوة لـ”نون بوست” لفت إلى أن الربط بين الحادثين مقبول جدًا، خاصة في ظل تعالي نبرة العداء لروسيا وإيران بسبب تورطهما في المجازر المرتكبة ضد الشعب السوري في حلب وأجوارها، وهي التي خلفت الملايين ما بين مشرد وقتيل وجريح، في ظل تخاذل الجميع عنهم، وتركهم فريسة بين فكي روحاني وبوتين.
الصحفي المصري أشار أيضًا إلى أن عدم الإعلان عن الأسباب الحقيقية حتى الآن لتحطم الطائرة يجعل قائمة الاحتمالات مفتوحة، خاصة أنها لم تكن المرة الأولى التي تتحطم فيها طائرة عسكرية روسية بفعل فاعل، ربما كان آخرها إسقاط المقاتلة الحربية “سوخوي 24” على الحدود السورية التركية في 2015.
من المبكر جدًا استباق الأحداث في تحطم طائرة اليوم، وإلا فإن كانت قدرة الانتقام من الروس بهذه الإمكانيات الكبيرة فلم لم يتم التعامل معهم على أرض المعركة داخل حلب؟
بينما طالبت الصحفية المتخصصة في الشأن السوري هند العربي، بعدم استباق الأحداث في تفسير أسباب تحطم الطائرة، مشيرة أن الحادث قد يكون طبيعيًا لأسباب فنية او جوية ما، خاصة أنه لم تعلن أي جهة حتى الآن مسؤوليتها عن هذا التحطم.
العربي أكدت لـ”نون بوست” أن بعض الجماعات والكيانات والفصائل لا زالت تنظر لروسيا كونها السبب الأول والرئيسي لما تعرضت له حلب من تدمير وتهجير وقتل، مقارنة بإيران وقوات بشار الأسد، ولذا فإن مساعي الانتقام قد تكون واردة، وهو ما تجسد مبكرًا في مقتل السفير الروسي في تركيا، إلا أنه من المبكر جدًا استباق الأحداث في تحطم طائرة اليوم، وإلا فإن كانت قدرة الانتقام من الروس بهذه الإمكانيات الكبيرة فلم لم يتم التعامل معهم على أرض المعركة داخل حلب؟ على حد قولها.
القادم ليس بالأفضل
بصرف النظر عن أسباب تحطم الطائرة الروسية صباح اليوم الأحد، وما إذا كان بفعل فاعل أو نتيجة خلل فني ما، فإن هذا لا ينكر حقيقة ما ستواجهه روسيا خلال الفترة القادمة من تهديدات هنا وهناك، فما ارتكبته موسكو من قتل وتشريد في حلب طيلة العام الحالي مستخدمة في ذلك الأسلحة المحرمة دوليًا، من الصعب أن يمر مرور الكرام، وليس شرطًا أن تكون دائرة الانتقام محصورة في جماعات أو كيانات، فقد تذهب الدائرة بعيدًا جدًا لتصل إلى محاولات فردية، يقوم بها أشخاص لاعلاقة له بتنظيم أو غيره، فقط دوافعهم الداخلية وبراكين الانتقام المشتعلة بداخلهم هي الدفاع الاول لهم.
ويعزز هذا الرأي ما قاله “حسام الشافعي” الناطق الرسمي باسم “جبهة فتح الشام”، تعقيبًا منه على الاتهام بالتورط في مقتل السفير الروسي في تركيا، إن “ما حصل من عملية اغتيال السفير رد طبيعي من شعوب المنطقة لما يشاهدونه كل يوم من مجازر وقصف للمدنيين في حلب وغيرها على أيدي الروس”.
وتابع: “مشاهد الإجرام الروسي ومجازره ضد مسلمي الشام ستنهض بالشعوب المسلمة في المنطقة وتدفعهم نحو الدفاع بالكلمة والفعل، فدماؤنا ليست ماءً!”.
وبعيدًا عن حادثة اليوم، فهل تشهد الأيام القادمة عمليات انتقامية ضد روسيا والدول التي شاركت في مجازر سوريا، بدءًا بدرعا وحماة وريف دمشق ومضايا، وصولاً إلى حلب؟ وهل من الممكن أن تصبح مقولة “فاتورة حلب سيدفعها العالم أجمع” محل نقاش على أرض الواقع مستقبلاً؟