ذكر تقرير معهد الاقتصاديات والسلام العنون بـ“القيمة الاقتصادية للسلام 2016” أن العالم فقد ما يقدر بنحو 13.6 ترليون دولار نتيجة الحروب والصراعات التي تدور في مناطق مختلفة حول العالم وبشكل أخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وهو ما يعادل 13.3% من الناتج الإجمالي العالمي وما يعادل 1876 دولار سنويًا للشخص الواحد. وكان المسار الطبيعي لهذه الأموال أن توجه لتنفيذ المشاريع وإيجاد فرص العمل لتحقيق التنمية ورفع معلات النمو بما يحقق الاستقرار والتقدم لدول العالم.
إذ ذهبت تلك الأموال للصرف على الآلة العسكرية والإنفاق العسكري حيث ارتفاع حجم الإنفاق العسكري لما يقرب إلى النصف من حجم اقتصادات بعض الدول بنسبة بلغت عند 49.1% كما بلغ الإنفاق على الأمن الداخلي بين 14 – 23%. وحسب التقرير فقد زاد أثر العنف على منطقة الشرق الأوسط بنسبة 21% بين عامي 2007 و 2014 قبل أن يتراجع قليلًا بين 2014 و 2015.
تكلفة العنف في دول المنطقة..سوريا في المرتبة الأولى
أضر الإرهاب الذي ضرب المنطقة باقتصادات العالم في العام الماضي 2015 ولم يقتصر الضرر على الدول العربية فحسب بل تعداه أيضًا إلى الدول الأجنبية أيضًا حيث بلغ متوسط التكلفة اليومية لحرب الولايات المتحدة على تنظيم داعش 11.7 مليون دولار يوميًا.
إلا أن الحصة الأكثر من ذلك الضرر كان من نصيب اقتصادات دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث أثرت الحرب المندلعة في العديد من الدول العربية بمستويات الإنتاج بشكل كبير وأضربت بالسياحة والاستثمارات الأجنبية وعكرت المناخ الاستثماري هناك.
إذ تراجع نشاط الشركات والصادرات وارتفعت مؤشرات البطالة والتضخم والفقر إلى مستويات عالية وانخفضت القيمة الشرائية للعملة على نحو كبير وتعرضت البنى التحتية بسبب الحرب إلى دمار ضخم، فضلا عن زيادة نسبة المديونية العامة وكانت صفقات التسلح والإنفاق على الأمن الداخلي من أبرز ما تناوله تقرير القيمة الاقتصادية للسلام للعام الحالي.
وجاءت سوريا في المرتبة الأولى كأكبر الدول الخاسرة اقتصاديًا جراء الحروب حيث استنزفت الحرب مواردها وأثرت على كافة قطاعات الدولة ونشاطاتها الاقتصادية وفقدت أكثر من نصف حجم اقتصادها بنحو 54% في العام 2015.
نازحين سوريين بسبب الحرب
ازداد تأثر الاقتصاد السوري بالعنف بنسبة 300% منذ العام 2007 عازيًا التقرير هذه الزيادة إلى الدمار الناجم عن الحرب التي أدت لمقتل ما يقرب من نصف مليون شخص وتشريد أكثر من 10 مليون شخص بين نازح مهجر وخسائر في الناتج المحلي الإجمالي، بحيث يقدر التقرير كلفة الحرب السورية بنحو 84 مليار دولار حتى اليوم، وهو رقم قليل مقارنة بالأرقام الصادرة عن المراكز البحثية السورية.
فالمركز السوري لبحوث السياسات قدم تقريرًا سابقًا فصل آثار الأزمة على الاقتصاد السوري حيث تم تقدير حجم الخسائر الاقتصادية منذ بداية الثورة حتى نهاية 2015 بنحو 257.7 مليار دولار أي ما يعادل 468% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 وقدر معدل الانكماش الاقتصادي السنوي في عام 2015 بنحو 4.7%.
وانكمش الاستثمار العام بمعدل سنوي بلغ 31.8% حيث أعطت الحكومة الأولوية لتغطية الإنفاق العسكري ودفع الأجور العامة، كما تراجع الاستثمار الخاص بمعدل سنوي بلغ 5%.
زاد أثر العنف على منطقة الشرق الأوسط بنسبة 21% بين عامي 2007 و 2014 قبل أن يتراجع قليلًا بين 2014 و 2015.
كما أنخفضت الصادرات في عام 2015 بنسبة 20%، أما الواردات فقد انكمشت بنسبة 29% مقارنة عن عام 2014 بسبب التراجع في الطلب الفعّال، في حين استمرت قيمة الليرة السورية بالانخفاض إلى مستويات غير مسبوقة حيث خسرت ما يقارب من 87% من قيمتها لتصل إلى حدود 450 ليرة مقابل الدولار في السوق السوداء. وسجل العجز التجاري في العام 2015 نحو 27.6% من الناتج المحلي الإجمالي، أما عجز الموازنة فقد تراجع من 41.2% في عام 2014 إلى 28.1% في عام 2015.
أما العراق فقد جاء في المرتبة الثانية كأكبر الخاسرين وصنف التقرير الشعب العراقي كأكبر خاسرين للأموال بسبب استمرار العنف بمستويات عالية جدًا، وأن الأثر الاقتصادي للإرهاب في العراق ارتفع بنسبة 185% بين عامي 2009 و 2015 بسبب صعود داعش وحرب التحالف الدولي ضده في الموصل، وزيادة الحكومة العراقية للنفقات العسكرية بنسبة تقدر بـ14% عام 2015.
ويمثل الإنفاق العسكري عمومًا المساهم الرئيسي في تكاليف العنف بنسبة 45% من مجموع التكاليف أي بما يتجاوز 6 ترليونات دولار، أما نفقات الأمن الداخلي كالإنفاق على تعزيز جهاز الشرطة والإنفاق القضائي والسجون فجاءت في المرتبة الثانية حيث بلغت النفقات الأمنية في العالم أكثر من 3.5 ترليون دولار عام 2015 وهو ما يقرب من 26% من تكاليف العنف العالمية.
وحسب التقرير فإن هناك تفاوت كبير بين بلدان العالم بتأثرها في العنف إذ بلغ المتوسط 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي، فالبلدان التي لديها أعلى مستويات سلام إيجابي تنفق ما بين 1 – 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الأمن الداخلي في حين أن البلدان ذات المستويات المتوسطة للسلام تميل للإنفاق بمستويات أكبر من ذلك.