ترجمة وتحرير نون بوست
ماذا سيطرأ على أقوى دولة عندما تكون تحت حكم رئيسين في آن واحد؟ سيلقي بها هذا الوضع في دوامة من الفوضى والضياع، وخير شاهد على ذلك، ما طرأ على الساحة السياسية الأمريكية في اليومين الماضيين.
في وقت سابق من هذا الشهر، قدمت الحكومة المصرية قرارًا إلى مجلس الأمن الدولي لمنع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وخلافًا لما هو متوقع، رفضت الولايات المتحدة الأمريكية استخدام حق النقض ضده، فهذا القرار رفع من احتمال مساندة إدارة باراك أوباما، للقانون القاضي بوقف المستوطنات الإسرائيلية.
ومن هذا المنطلق، تحتم على أحد المسؤولين الإسرائيليين التواصل مع الرئيس المنتخب دونالد ترامب، والذي بدوره نشر تغريدة صرح فيها بأن على الولايات المتحدة استعمال حق النقض ضد قانون منع الاستيطان.
وفي الأثناء، أرجأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بطريقة مفاجئة التصويت على القانون، ويوعز ذلك، للمكالمة الهاتفية التي جمعته بترامب، والتي تناقشا من خلالها عن إيجاد حلول لبعض القضايا في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى ذلك، أعرب بعض المسؤولين الإسرائيليين، الذين رفضوا الكشف عن هويتهم، عن مساندتهم لإدارة ترامب المرتقبة، في حين اتهموا أوباما بالوقوف في صف الفلسطينيين والتخلي عن إسرائيل في الأمم المتحدة.
عقب يوم واحد، أعادت كل من ماليزيا وفنزويلا ونيوزيلاند والسنغال، طرح القرار، الذي فاز بالتصويت وتبناه مجلس الأمن بما في ذلك مصر بموافقة الولايات المتحدة الأمريكية.
وخلال الاجتماع للتصويت على القرار، ألقى الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما، خطابًا على الحضور، حيث أورد أوباما عبارات قاسية بشكل غير معتاد تتناقض تمامًا مع الخطاب الافتتاحي الذي ألقاه ترامب.
وبعد فترة وجيزة من انتهاء التصويت على القانون الذي يطالب إسرائيل بوقف بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، غرد ترامب قائلاً: “بالنسبة للأمم المتحدة كل شيء سيتغير بحلول 20 من يناير/ كانون الثاني”.
وغالبًا ما تتسم الفترة التي تشهدها الدولة عند تولي رئيس جديد مهام الرئيس المنتهية ولياته، أحداثًا محرجة بعض الشيء فهي تمثل لحظات من عدم اليقين والشك بالنسبة لتلك الأمة ولعلاقاتها بباقي دول العالم.
فعلى سبيل المثال، زعم مساعدو الرئيس السابق ريتشارد نيكسون، خلال فترة حملته الانتخابية، بأنه سيتدخل في محادثات السلام المنظمة من قبل ليندون جونسون، لفض حرب الفيتنام، في المقابل، أقحم دونالد ترامب نفسه مباشرة في الشؤون الدولية كما لم يفعل أي رئيس آخر.
من جهة أخرى، عرضت قناة “إن بي سي نيوز” الأمريكية، بعض المناسبات التي تشهد على ذلك.
فقد صرح الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية، في سنة 1992، بأنه “سيحرص على استمرارية السياسة الخارجية الأمريكية”، كما اعترف بأن “الولايات المتحدة لديها رئيس واحد فقط”.
أما الرئيس جورج بوش الابن، فقد رفض الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بكوريا الشمالية وإسرائيل، و بعد أدائه لليمين الدستوري سنة 2001، أفاد في أحد المؤتمرات الصحفية أنه “لدينا رئيس واحد، وسيكون لدينا رئيس واحد، كما أن الرئيس الحالي هو الرئيس كلينتون، وعلى أمتنا ألا يمثلها إلا شخص واحد”.
وفي الفترة الممتدة بين سنة 2008 و2009، صرح الفريق الانتقالي لباراك أوباما، بأن الولايات المتحدة “لديها رئيس واحد”، وذلك ليوضحوا سبب تجنب أوباما التطرق للعديد من المواضيع كالحرب في غزة.
وفي السياق نفسه، وضح المسؤول الصحفي لأوباما بأن “المبدأ الدستوري هو الذي يحول دون تدخل أوباما في الشأن الدولي، ومن المهم جدًا في الساحة السياسة الخارجية الأمريكية أن يُحَدد من يتكلم باسم الولايات المتحدة الأمريكية”. ونوه نفس المصدر بحقيقة أنه خلال “فترة المفاوضات الحساسة” التي كانت تحدث آنذاك بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أعرب أوباما عن أنه “لا يمكن لرئيسين أن يمثلا الولايات المتحدة في نفس الوقت خاصة عندما يكون كل شيء على المحك”.
وعوضًا عن ذلك، وفي أواخر سنة 2016، شهدت الساحة السياسية والدبلوماسية العالمية تضاربًا في مواقف الرئيس المنتهية ولايته والرئيس المنتخب، في الوقت الذي أخذ كلاهما على عاتقه مسؤولية التكلم باسم الولايات المتحدة الأمريكية في مواضيع دولية شائكة.
فمن جهة، تعهد باراك أوباما بالانتقام من الحكومة الروسية بسبب تدخلها في الانتخابات الأمريكية، ومن جهة أخرى، شكك ترامب في حقيقة التهم الموجهة ضد روسيا والمتعلقة بقضية التلاعب بالانتخابات، كما أنه شكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على إرساله لبطاقة معايدة بحلول عيد الميلاد.
وفي الإطار نفسه، طالبت وزارة الدفاع الأمريكية الصين بأن تعيد الطائرة دون طيار التي ضُبطت في بحر الصين الجنوبي، وهي تقوم بمناورات تحت الماء، وفي الوقت نفسه، ساهم ترامب في تعميق الأزمة مع الصين من خلال تصريحاته وسرعان ما تراجع عن موقفه في ظل تفاقم الوضع بين الدولتين، حتى إنه تحدث عن إمكانية احتفاظ الصين بتلك الطائرة.
وفي واقعة أخرى، حاول أوباما إلغاء نظام تسجيل الزوار القادمين من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، في حين صرح ترامب بأنه سيعمل على إحياء هذا النظام.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه التناقضات خلقت، في الأسابيع الأخيرة، حالة من اللبس والغموض، ولهذا السبب قَدّم العضو في الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا جاريد هوفمان، مشروع قانون يدعو إلى تعديل قانون لوجان لسنة 1799، والذي يحظر على المواطنين غير المصرح لهم، التدخل في إدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
ووضح هوفمان أن “الرئيس، وليس الرئيس المنتخب، له السلطة في أخذ القرارات السياسية الخارجية الهامة والتي لها تأثير على أمن الولايات المتحدة، واقتصادها، ومكانتها العالمية”.
وفي الوقت الراهن، لا يزال مشروع تعديل القانون معلقًا، في حين تفصلنا أسابيع قليلة عن تسلم ترامب لمهامه الرئاسية.
المصدر: صحيفة الأتلانتيك