شهدت الحالة السورية انقلابًا كبيرًا في موازين القوى خلال الشهرين الأخيرين، تحديدًا بعد تأكد فوز الجمهوري دونالد ترامب بمنصب حاكم البيت الأبيض خلفًا للديمقراطي باراك أوباما، الذي تغافل عمدًا عن الواقع السوري، ليترك المجال لروسيا للعب الدور الأكبر بجانب إيران في الحالة السورية المتداعية، ما خلف مذابح دموية في عدد من المناطق السورية، وآخرها حلب وربما إدلب بدعوى محاربة إرهابيي داعش.
ابتعاد أمريكي متعمد
الهيمنة الروسية على الوضع السوري، والبعد الأمريكي – المتعمد -، وضع المراقبين لمشروع حلم دولة الأكراد في خضم تساؤلات مربكة، عمن يمكن للأكراد أن يراهنوا عليه مستقبلاً، لتنفيذ حلم الدولة أو على الأقل مشروع الحكم الذاتي، هل حلفاؤهم الأمريكان الذين فقدت المعارضة فيهم الثقة، وأثبتت تقاعسها أمام روسيا في سوريا، أم موسكو والنظام السوري الذين تحسن وضعهم كثيرًا بعد سقوط حلب؟!
دعم غربي
البعض يرى أن الرهان الكردي ليس على فرسي الرهان الأمريكي والروسي فقط، بل إن أذرعها الفاعلة في الخارج تتحرك بشكل منسق، لاكتساب خطوات هامة في سبيل تحقيق “حلم الدولة”، وآخر هذه التحركات توجتها في مايو الماضي، بافتتاح مكتب الممثلية الرسمية لكردستان سوريا في باريس، وهي الخطوة التي رآها الكثير من المراقبين أنها تدعم فكرة فيدرالية الدولة، ونصرًا دبلوماسيًا كبيرًا للأكراد لإدارة الحكم الذاتي، بعد افتتاح ممثليتها في موسكو بداية شهر فبراير الماضي، وقبلها في ستوكهولم وبرلين.
تأثير متوقع
على العكس من ذلك يرى عدد من المحللين أن ابتعاد واشنطن الجزئي، ربما يؤثر بالفعل على الأكراد، خصوصًا أن الولايات المتحدة سمحت بقصف ودك حلب، معقل المعارضة المعتدلة التي تدعمها واشنطن، بالقنابل الفسفورية والارتجاجية والكلور والغازات السامة، حتى سقطت بيد الميليشيات الإيرانية والنظام السوري، كما أنها بالتوافق مع تركيا سمحت بدك مناطق سيطرة الأكراد بعملية “درع الفرات” في منتصف أغسطس الماضي، ووفرت غطاءً جويًا لها، بالتنسيق مع أنقرة وموسكو ، وهي العملية التي أسفرت عن طرد الأكراد من على حدود تركيا، وحتى غرب الفرات، لمنع إقامة دويلتهم المزعومة بالشمال السوري، ونجحت الحملة في طرد كل من عناصر داعش والأكراد من جرابلس، ثم إعزاز ومدينة الباب، وهي في طريقها لمدينة منبج الآن، وهي الخطوة التي مزقت مشروع “روج أفا”، الذي أطلقه أكراد سوريا، وهو مشروع حكم ذاتي يتكون من مناطق عفرين وعين العرب “كوباني”، والجزيرة السورية.
حجر عثرة
لكن هناك نقطة مهمة، وهي أن الحملة التي سمحت بمشاركة قوات سوريا الديموقراطية في عملية تحرير الرقة من قبضة داعش، وليس الأتراك منحت الأكراد نفوذًا أكبر، لذا فمن غير المتوقع أن يعدل الأكراد عن التحالف مع واشنطن ولو بشكل مؤقت، لحين استكشاف طريقة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب في إدارة الأزمة، في ظل تعقد الحالة السورية خاصة بعد سقوط حلب، وهو توقع مبني على عمق العلاقات التاريخية بين الجانبين الكردي والأمريكي والإسرائيلي، خصوصًا أن الولايات المتحدة تنظر للوجود الكردي في المشرق العربي، بأنه مهم واستراتيجي، حتى تضع أمريكا العرب بين فكي كماشة طرفيها دولتي إسرائيل والكرد، ما ينبئ باحتمال أن تنضم روسيا لهذا التحالف غير المعلن، في إطار المواءمات السارية الآن بسوريا والعراق، لكن هذا الاحتمال يظل مستبعدًا على الأقل خلال المرحلة الحالية التي تشهد دورًا تركيًا متصاعدًا بالحالة السورية.
التحركات المطلوبة
المواقف الإقليمية من حلم الكيان الكردي، واضحة لذلك جاء التحرك التركي لمواجهتها كونها ستشكل خطورة كبيرة على دول المنطقة خصوصًا تركيا، باعتبار أن إقامة دولة كردية ستغير من جغرافية المنطقة، وقد تفتح الباب أمام حروب جديدة بها، خصوصًا مع الدعم الغربي المتوقع لها، لذا على الدول الخليجية وتركيا بالأساس، التي ربما تستغل حالة التقارب مؤخرًا مع كل من روسيا وإيران، والتي تجلت في الاجتماع الأخير بشأن الوضع في سوريا، وإعلان تركيا عدم معارضتها للحل السياسي بها، عليها أن تستغل هذا الموقف لزيادة الضغط على الحليف الأمريكي لوقف التعاون والتحالف مع أكراد سورية، وتحديدًا حزب الاتحاد الديموقراطي ووحدات حماية الشعب، مع التلويح بورقة الانفتاح على النظام السوري، لدفعها إلى تغيير موقفها أو على الأقل إعطاء تركيا ضمانات حقيقية بأنها لن تسمح لأكراد سورية بإقامة إقليم كردي من خلال الربط بين عفرين وكوباني، خصوصًا أن الأكراد يواجهون أزمة جغرافية بالشمال السوري تتمثل في السيطرة على مناطق غير متصلة جغرافيًا إلى حد كبير، ناهيك عن الحالة الكردية السورية الداخلية المتشظية التي تقودها إلى نزاعات تجعل عملية المطالبة بالاستقلال أصعب ما يكون، بجانب غياب أي مقومات لإقامة دولة مستقلة كمصادر دخل أو ثروة.
تحالفات ومكاسب
مما سبق يمكن الوصول إلى فرضية مهمة تقول بأن هناك تعاون في الملف السوري بين روسيا وتركيا، يحفظ المصالح الاستراتيجية للبلدين، lما يعني أن كل من الولايات المتحدة وروسيا وتركيا ومعهم النظام السوري، اتفقول جميعًا الآن – كل على حسب ما يبتغيه -، على تحجيم الدور الكردي، ميدانيًا على الأقل، هذا التحجيم قد يكون كالإنذار بأنه لا مكان للأكراد في المعادلة الإقليمية على المدى القريب، ومع رد الفعل الأمريكي المتخلي عنهم، يمكننا أن نفهم أن واشنطن أبدت موافقتها على التخلي عن الأكراد، في مقابل مصالح أخرى أو تحالفات أهم مع تركيا وروسيا.