ترجمة وتحرير نون بوست
تبدأ ديباجة الدستور المصري الذي أُقر مؤخرا بنسبة 97.7 بالمائة بالقول: ” مصر هبة النيل للمصريين، وهبة المصريين للإنسانية..”، دباجة ودستور لم يقرأه أكثر من 90 بالمائة ممن صوتوا عليه بنعم، حسب ما عرفته من عدد كبير من أبناء القاهرة الذين أجابوا كلهم بأنهم لم يقرأوا الدستور سوى واحد فقط.
والدستور الجديد الذي يجيء بدلا من دستور 2012 الذي كتب في عهد محمد مرسي أول رئيس مصري منتخب بطريقة ديمقراطية، والذي أطيح به في انقلاب عسكري قاده الجنرال عبد الفتاح السيسي في الثالث من شهر يوليو الماضي، ثم قام الأخير بتوقيف العمل بالدستور، وحذف من الدستور الجديد مادة تقول بأن القوات المسلحة محايدة ووطنية ولا تتدخل في الشأن السياسي.
وديباجة الدستور الجديد تحتوي على 1300 كلمة ذكر فيها “الله، موسى، مريم العذراء، عيسى، الرسول محمد، محمد علي باشا، رفاعة الطهطاوي الازهرى، أحمد عرابي، مصطفى كامل، محمد فريد، سعد زغلول، مصطفى النحاس، طلعت حرب، جمال عبد الناصر، وهو ما يجعلها دباجة لكل شيء، ليس للدستور فقط، وإنما للحضارة الإنسانية برمتها، في حين نجد أن أقدم دستور مفعل إلى حد الآن حول العالم، وهو الدستور الأمريكي، يتكون دباجته من 52 كلمة فقط لا يوجد فيها أي ذكر للماضي.
وبالرغم من أن نسبة التصويت بنعم بلغت 97.7 بالمائة فإنه لا يمكن تجاهل كون التصويت ليس سوى جزء صغير من العملية الديمقراطية، فمنذ الثورة صوت المصريون 7 مرات في انتخابات لم توصف بالمزورة، ورغم ذلك لا يمكنك أن تجد موظفا حكوميا واحدا منتخبا بطريقة ديمقراطية موجودا في منصبه اليوم، فكل المنتخبين تمت الإطاحة بهم عبر العسكر أو عبر القضاء.
ومنذ الإطاحة بمرسي، دخل أنصاره ومعارضو الإنقلاب في صدام حاد مع العسكر والداخلية مما أدى إلى سقوط أكثر من 1000 قتيل من المدنيين وتطور مؤخرا إلى إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية بعد حادثة تفجير في مدينة المنصورة راح ضحيتها 16 شخصا أدانتها الجماعة ولا توجد أدلة ولا وقائع على أن الإخوان هم من دبروا هذا التفجير.
وفي ظل هذه الأجواء، رفضت المؤسسات الدولية المتخصص في مراقبة العمليات الانتخابية الإشراف على مراقبة الاستفتاء في مصر، وقال لنا أليسندرو بارزيالي، مدير فرع “مركز كارتر” في القاهرة، أن “الاستفتاء جاء بسرعة كبيرة ووصلتنا الدعوة متأخرة جدا، وهذا ما يمنعنا من الاستعداد بصفة ملائمة لمراقبة الاستفتاء” وأضاف: “لا نعتقد أن العملية كانت شاملة، والشمولية هي جوهر الديمقراطية”.
ورغم إشارته إلى أن مركز كارتر لم يرسل مراقبين لمراقبة الاستفتاء الذي أقيم في السنة الماضية، فيشير أليسندرو إلى نقطة مهمة، وهي أن السلطات المصرية سمحت في السنة الماضية لمعارضي الدستور بإقامة حملات لدعوة الناس للتصويت بلا، ولكن الآن لا يوجد أي مظهر لدعوة الناس لرفض الدستور، كما تم اعتقال عدد ممن حاولوا تنظيم فعالية لدعوة الناس للتصويت بلا.
النسخ التعريفية بالدستور في حد ذاتها طبعها كليها كلمة “نعم” بخط كبير، وعندما سألنا هشام مختار المتحدث باسم الهيئة المنظمة للانتخابات عن ما إذا كان بإمكان شخص نشر ملصقات لدعوة الناس للتصويت بلا على الدستور، كانت إجابته بالصمت أولا ثم بالقول: “إذا تم اعتقال شخص ما فإن التحقيقات ستثبت إذا ما كان متورطا في جرائم أو لا”.
وآراء من شاركوا في الاستفتاء لا تأبه بما يدور في الساحة السياسية في مصر ولا بالاعتداءات التي يتعرض لها معارضو الانقلاب، وتجدهم كلهم تقريبا يرددون عبارة واحدة “البلد لازم تمشي”، ربما تجد أن بعضهم صوت بنعم لدستور “مرسي” ويذهب اليوم ليصوت بنعم على دستور من أطاحوا بمرسي وأبطلوا دستوره.
من مقال الكاتب بيتر هيسلر، مجلة النيويوركر