تشهد منطقتنا تحولات ضخمة تعيد تشكيل بنيتها، ويساهم في ذلك عوامل داخلية وأخرى إقليمية ودولية، لكن وبلا شك هناك شخصيات مؤثرة تعمل في خضم هذه التحولات، ولها أدوار خاصة في الظل، وأدوار أخرى منتظرة في المستقبل يتوقع أن تكون أكبر.
وعلى ذلك آثر نون بوست البحث في هذه الأدوار لبعض الشخصيات، وتقديم ملف “رجال الظل” ليساهم في إجلاء صور الفاعلين منهم في مستقبل الدول العربية، بتحديد الحيثيات التي تجعلهم رجالًا في الظل، وكذلك شبكة علاقاتهم الإقليمية والدولية، وطبيعة دور هذه الشخصيات في التأثير على الواقع الحاليّ، وكذلك مدى فرصهم في الوصول إلى مناصب رسمية في المستقبل.
هذا الملف يساعد على إظهار حقيقة بعض الأدوار الخفية التي تُمارس في المنطقة عبر شبكات من العلاقات الإقليمية والدولية، ولها التأثير الأبرز في صناعة المشهد الحاليّ للمنطقة، عبر الأشخاص الذين سيتناول الملف التعريف بهم وبطبيعة أدوارهم الحاليّة والمتوقعة مستقبلًا.
الحلقة الثالثة: خليفة قابوس ومستقبل السلطنة
تمثل السياسة العُمانية في المنطقة حاليًا رقمًا هامًا في التوازن الإقليمي لا يمكن تجاهله، بعدما لعبت السلطنة الصغيرة أدوارًا كبيرة في ملفات إقليمية حساسة بل ودولية غاية في الخطورة، ربما كان آخرها مفاوضات النووي الإيراني بين إيران والغرب التي عُرف بعد ذلك أن جزءًا كبيرًا من تحضيراتها الأولية السرية انطلق من العاصمة العُمانية مسقط.
تختلف سياسة عُمان عن سياسة دول الخليج التي تنتمي عُمان لمنظمته “مجلس التعاون الخليجي” لكنه وعلى مر عقود استطاعت أن تحتفظ بسياسة متفردة عن باقي دول المجلس، ولم تخضع لتوازنات الدولة الكبرى التي تقود المجلس وهي المملكة العربية السعودية، ويظهر ذلك جليًا في مسألة شائكة كمسألة العلاقات الخليجية الإيرانية، حيث تظل عُمان حتى هذه اللحظة متمسكة بعلاقاتها المميزة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، رغم كل التوترات الحادثة بين إيران وبقية دول الخليج.
وقد ظهر ذلك أيضًا في الأزمة اليمينة، ومحاولات الوساطة بين أطراف الأزمة لأكثر من مرة، حيث تتمتع عُمان بسياسة تمنع العداء المطلق والمواقف الحادة، وهي سياسة ميزتها وجعلت لها أهمية في المنطقة، رغم كثير من العوامل الجغرافية والسياسية.
رسم هذه السياسة السلطان قابوس بن سعيد الذي تولى الحكم بعد والده الذي قيل وقتها إنه تنازل عن الحكم، وتقول الروايات الأخرى إن السلطان قابوس استولى على الحكم بعد انقلاب داخلي أطاح بوالده، الذي غادر عُمان إلى بريطانيا، وأقام فيها حتى وافته المنية في العام 1972.
يُعد قابوس راسم السياسة الإقليمية لعُمان وصاحب الفضل الأول في دورها الحاليّ الذي أطلق عليه البعض “سويسرا الشرق الأوسط، ونرويج الخليج”
ورث السلطان قابوس بن سعيد تركة مثقلة من أبيه، حيث عانت السلطنة من الجمود والانعزالية، وفوق ذلك كانت عمان تعاني تمردًا في جبال ظفار مدعومًا من قوى خارجية، ولكنه استطاع النهوض بعُمان إلى مصاف الدول التي بها نوع من الحياة المرفهة بدعم من بريطانيا، بعدما سيطر على الأزمات القبلية في البلاد.
ولكنه في المقابل جمع كل مقاليد الحكم بشكل مطلق في يده، فهو سلطان البلاد ورئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير المالية ووزير الشؤون الخارجية ورئيس المجلس الأعلى للتخطيط ورئيس البنك المركزي.
وكذلك يُعد قابوس راسم السياسة الإقليمية لعُمان وصاحب الفضل الأول في دورها الحاليّ الذي أطلق عليه البعض “سويسرا الشرق الأوسط، ونرويج الخليج”، وظل قابوس في الحكم حتى الآن أكثر من 44 عامًا، ليكون بذلك أطول حاكم عربي يظل في الحكم.
ومع تدهور صحته بدأ المراقبون يتساءلون عن مصير السلطنة بعد قابوس الذي تحوم الشكوك حول صحته، وتردد أحاديث عن إصابته بمرض السرطان، وبدأت رحلة البحث عن خليفة السلطان قابوس
رحلة البحث عن خليفة السلطان قابوس
لا يوجد في عُمان ولاية عهد فالسلطان قابوس لم ينجب أولادًا يورثهم حكم السلطنة التي تُحكم بفرد واحد حسب نظامها السياسي، فالسلطان هو مصدر كل القوانين في الدولة، وحسب المادة 41 من القانون الأساسي لعام 1996، هذا الشخص مصون (السلطان)، واحترامه واجب، وقراراته يجب أن تطاع.
الأسرة الحاكمة تشمل ما بين 50 و60 ذكرًا مؤهلًا لتولي منصب السلطان حسب هذه الشروط، ولكن لا يوجد حتى الآن مرشح واضح، ولم تجر مناقشات رسمية داخل الأسرة حتى الآن لتحديد خليفة للسلطان
وليس للسلطان قابوس أخوة، وعليه يجب اللجوء إلى الأسرة الحاكمة لاختيار خليفة السلطان، وتحدد المادة 6 من النظام الأساسي لسلطنة عمان أنه “يقوم مجلس العائلة الحاكمة، خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم، فإذا لم يتفق مجلس العائلة الحاكمة على اختيار سلطان للبلاد، قام مجلس الدفاع بالاشتراك مع رئيسي مجلس الدولة ومجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا وأقدم اثنين من نوابه بتثبيت من أشار به السلطان في رسالته إلى مجلس العائلة”.
وحددت المادة 5 من النظام نفسه، معايير من يحق له حكم البلاد، حيث نصت على أن: “نظام الحكم سلطاني وراثي في الذكور من ذرية السيد تركي بن سعيد بن سلطان (الجد الثالث للسلطان قابوس)، ويشترط فيمن يختار لولاية الحكم من بينهم أن يكون مسلمًا رشيدًا عاقلًا وابنًا شرعيًا لأبوين عُمانيين مسلمين”.
ولكن المفاجأة أن الأسرة الحاكمة تشمل ما بين 50 و60 ذكرًا مؤهلًا لتولي منصب السلطان حسب هذه الشروط، ولكن لا يوجد حتى الآن مرشح واضح، ولم تجر مناقشات رسمية داخل الأسرة حتى الآن لتحديد خليفة للسلطان.
وتبعًا لأهمية ومحورية السلطنة في الوقت الحالي فإن سؤال من سيكون خليفة السلطان قابوس يتردد وبقوة خاصة مع خضوع السلطان قابوس لبرنامج علاجي طبي يمنعه من الظهور كثيرًا أمام الشعب، لذا تنبع أهمية معرفة الشخصية القادمة على رأس السلطنة الصغيرة الهامة، من حيث سياساتها وتوجهاتها التي ستحكم أحد أنشط الممرات الملاحية في العالم في ظل نظام ملكي مطلق لا يخضع لرقابة من البرلمان أو القضاء، ولا توجد أحزاب سياسية في بلاده.
بحسب التقارير الإعلامية التي تتابع هذه القضية فإن أقوى المرشحين لخلافة قابوس هم أبناء طارق عم السلطان، وهم: أسعد وهو ممثل السلطان، وشهاب وهو مستشار السلطان والقائد السابق للبحرية السلطانية العمانية، وهيثم وهو وزير التراث والثقافة.
وكذلك طُرحت شخصية تيمور بن أسعد بن طارق آل سعيد، الأمير الشاب الذي يبلغ من العُمر 33 عامًا، وهو الأمين العام المساعد للاتصالات والهوية المؤسسية بمجلس البحث العلمي، وهو ابنُ ابن عم السلطان قابوس بن سعيد، ونجل أسعد ممثل السلطان.
أقوى المرشحين لخلافة قابوس هم أبناء طارق عم السلطان، وهم: أسعد وهو ممثل السلطان، وشهاب وهو مستشار السلطان والقائد السابق للبحرية السلطانية العمانية، وهيثم وهو وزير التراث والثقافة
إلا أنه وبتدقيق البحث وجد أن أكثر المرشحين حظًا هو رجل من رجالات الظل في عُمان، حيث يقف جميع الرجال خلف السلطان قابوس، وهو أسعد بن طارق آل سعيد.
من هو أسعد بن طارق آل سعيد؟
أسعد بن طارق آل سعيد هو ابن عم السلطان الحاليّ قابوس وممثله، ويعتقد أنه الأقوى من وجهة نظر مراقبين لأنه يتمتع بدعم الجيش، حيث قاد سلاحًا داخل القوات المسلحة العُمانية لعدة سنوات، ويشغل الآن منصب الممثل الشخصي للسلطان قابوس، وكذلك يُعتقد أن نجله قد يكون له دور هام في الحكم معه، وهو الذي ورد اسمه في إحدى وثائق ويكيليكس عام 2011، كاسم مرشح ليتولى منصب ولاية العهد في عُمان.
تدرج أسعد في المناصب العسكرية حتى مرتبة عميد قائد لواء المدرعات بقوات السلطان المسلحة، وحصل على شهادة بكالوريوس في العلوم العسكرية عام 1986
ولخبرة هؤلاء بجانب السلطان قابوس يعتقد أن الاسم الذي سيتركه السلطان في وصيته لن يخرج عنهم، وفي حالة حكم السلطنة من قبل أحد هؤلاء فإنه يُعتقد وبشكل كبير أنه سيحافظ على إرث السلطان السياسي داخليًا وخارجيًا تحديدًا من حيث الحفاظ على الموازنة بين مصالح إيران والسعودية ومصالح الدول الغربية بتوفير منشآت عسكرية للولايات المتحدة وبريطانيا، وأما عن الاختلاف قد يكون تجاريًا أي من الناحية الاقتصادية.
ولد أسعد بن طارق بن تيمور آل سعيد في مسقط عام 1954، لإحدى زوجات والده الثلاثة، المعروفة بأم طلال بنت ناصر آل سعيد، وهو أول أبناء عمومة قابوس، وشقيق نوال بنت طارق، التي تزوجها السلطان ثم طلقها، متزوج من ابنة بدر بن سعيد آل سعيد عام 1978، ولديه 5 أولاد (ثلاثة صبيان وبنتان).
درس المرحلة الابتدائية في المدرسة السعيدية وتخرج عام 67-68 ثم انتقل إلى المرحلة الثانوية في مدرسة برمانا العليا في بيروت، ثم درس في مدرسة داخلية في بريطانيا في ميلفيلد في منطقة سمرست حتى عام 1974، ثم التحق بجامعة لندن لدراسة العلاقات الدولية لمدة عامين بعدها التحق بالعسكرية عام 1976، وتخرج في الكلية الملكية البريطانية سانت هيدست عام 1977.
تدرج في المناصب العسكرية حتى مرتبة عميد قائد لواء المدرعات بقوات السلطان المسلحة، وحصل على شهادة بكالوريوس في العلوم العسكرية عام 1986.
انتقل أسعد إلى الخدمة المدنية بدرجة وزير عام 1993 بمرسوم سلطاني ليشغل منصب أمين عام اللجنة العليا للمؤتمرات، وعين بعد ذلك ممثلًا للسلطان بمرسوم سلطاني رقم 12/2002 بتاريخ 14 من فبراير 2002
وقام بعدة مهام ضمن مسؤوليات الخدمة العسكرية وترأس عدة اجتماعات ولجان إلى دول مجلس التعاون الخليجي، كما ساهم في توحيد بعض المناهج في دول مجلس التعاون، كما كان له دور كبير في تدريب العسكريين في احتفالات العيد الوطني العمانية لمدة 5 سنوات إضافة إلى دوره كمدرب في الانضباط العسكري.
عقب هذه الحياة العسكرية انتقل أسعد إلى الخدمة المدنية بدرجة وزير عام 1993 بمرسوم سلطاني ليشغل منصب أمين عام اللجنة العليا للمؤتمرات، وعين بعد ذلك ممثلًا للسلطان بمرسوم سلطاني رقم 12/2002 بتاريخ 14 من فبراير 2002، ومنذ ذلك الوقت ودخل أسعد نشاطات تجارية كباقي أفراد الأسرة الحاكمة، لكنه مقرب من السلطان بدرجة كبيرة، ويُعتقد أن سنه مناسب لتولي السلطنة قبل انتقالها إلى جيل جديد.
عملية التحول السياسي هذه ضرورية في عُمان وتتابعها دول عدة في المنطقة عن كثب خاصة بعدما رفض السلطان قابوس أن يُسمي وليًا للعهد، حيث إن أي تحول أو تغيير في القيادة العمانية سيكون له تأثير كبير على الشرق الأوسط وسياسات أمريكا ودول غربية أخرى تعاونت عن قرب مع السلطان في قضايا خاصة بعملية السلام بين العرب ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وتأمين شحنات الطاقة العالمية.
لقراءة الحلقة الأولى من ملف رجال الظل
لقراءة الحلقة الثانية من ملف رجال الظل