سافر الصحفي ومنتج الأخبار بفضائية الجزيرة محمود حسين من العاصمة القطرية الدوحة إلى القاهرة لقضاء عطلته السنوية، لكنه لم يكن يعلم بأن الاعتقال ينتظره من قبل السلطات المصرية، التي اقتادته إلى جهة غير معلومة، بعد احتجازه في مطار القاهرة عند عودته 15 ساعة يوم الثلاثاء الماضي، ثم أطلقت سراحه وعادت للقبض عليه مرة أخرى، كما اعتقلت خلال مداهمات شقيقيه (عمر وناجح).
في الوقت الذي صرحت فيه مصادر أمنية إن السلطات اعتقلت منتج أخبار يعمل في قناة الجزيرة بعد أيام من عودته إلي القاهرة قادمًا من الدوحة، فيما صرحت المصادر الأمنية لوكالة رويترز إن اعتقال محمود حسين تم بقرار ضبط وإحضار أصدرته النيابة العامة “استند إلى اتهامه بالانضمام إلى جماعة محظورة هدفها قلب نظام الحكم”.
كما أضافت رويترز: “ضباط قطاع الأمن الوطني اعتقلوا أيضا شقيقا حسين، ولكن يبدو سيفرج عنهما فيما بعد.”
من جانبها قالت قناة الجزيرة في بيان نشر بموقعها على الإنترنت أنها تحمل السلطات المصرية المسؤولية عن سلامة حسين وشقيقيه وتطالب بسرعة إطلاق سراحهم.
وقالت الجزيرة إن البيانات المصرية بشأن احتجاز الصحفي محمود حسين تتضمن “مغالطات لاتليق بدولة كبيرة بحجم مصر.”
وأضافت في بيان إن حسين”توجه إلى مصر لقضاء إجازته السنوية مع عائلته بكامل ثقته بنفسه ومهنته ومهنيته، ولم يكن ليتجه إلى بلده عبر مطاره لو كان فعلا يقوم بنشاطات غير قانونية.”
وحسب البيان، فإن الشبكة “ترفض عرض الزميل حسين على النيابة أو حبسه“.
الجزيرة تحمل السلطات المصرية المسؤولية عن سلامة حسين وشقيقيه وتطالب بسرعة إطلاق سراحهم
وحذرت من احتمال تعرضه “للتعذيب وإجباره على الإدلاء بأي معلومات بالإكراه”، واعتبرت أن “ما نسب وما قد ينسب له لاحقًا إنما ينُتزع بتلك الوسائل التي تدينها كل المواثيق والأعراف الدولية.”
ووصفت قناة الجزيرة في تقرير نشرته في موقعها الاخباري اعتقال حسين بأنه “حلقة جديدة ضمن حلقات تضييق السلطات المصرية على صحفيي الجزيرة والعاملين فيها“.
ونقل التقرير عن مدير قناة الجزيرة ياسر أبو هلالة قوله إن حسين” كان في زيارة لبلده ولم يكن في مهمة عمل، ولكن يبدو أنه تمت محاسبته بأثر رجعي حيث تم اعتقاله ومعاملته بشكل مهين“.
بث اعترافات
عقب ذلك بثت السلطات المصرية مقطعًا مصورًا للصحفي محمود حسين قالت أنه “اعترافات” لحسين حول بعض المعدات والشرائط التي تخص القناة حينما كان مكتبها مفتوحًا في مصر، وتتهم السلطات المصرية حسين بالمشاركة فيما أسمته “مخطط لإثارة الفوضى في مصر عن طريق بث إخبار كاذبة.”
وظهر حسين في المقطع المصور وهو يقول: “إنه احتفظ بهذه الشرائط دون أن تستخدم في منزل أحد أقاربه”، وحسب المقطع المصور الذي لا يُعلم كيفية أو مدى قانونية تسجيله بهذه الصورة، فإن شخصا سأل حسين عن سبب احتفاظه بالشرائط والمعدات في منزل أحد أقاربه، فأجاب “لأنه لم يكن في بيتي مكان لها.”
لم يتسن التأكد إذا ما كانت هذه الأقوال قد أخذت تحت ضغوط على الصحفي محمود حسين أم لا
بينما بتث قناة صدى البلد المصرية الخاصة مقطعًا آخر، لما وصف بأنه اعترافات لمحمود حسين حول الفيلم الوثائقي “العساكر “، والذي بثته قناة الجزيرة في الأسابيع الماضية، واعتبرته السلطات المصرية مسيئًا للجيش المصري، وبحسب ما ورد فإن حسين قال إن الفيلم “تضمن مشاهد لتشويه العسكرية المصرية والجندية المصرية.”
وقال إنه “رفض الفيلم هو وزملاؤه المصريون وإن إدارة الجزيرة ضربت بأرائهم عرض الحائط”، ولم يتسن التأكد إذا ما كانت هذه الأقوال قد أخذت تحت ضغوط على الصحفي محمود حسين أم لا.
اتهامات بنكهة تصفية الحسابات
ظهر صحفي الجزيرة محمود حسين بعد ذلك لتوجه له نيابة أمن الدولة العليا سيل من التهم، وتقرر بعدها حبس حسين، الذي وصفته بأنه مدير المراسلين بالمقر الرئيسى لقناة الجزيرة بالدوحة، 15 يومًا على ذمة التحقيقات، على خلفية اتهامه بـ “نشر وبث أخبار كاذبة وإعداده تقارير الإعلامية، ومقالات وأفلام وثائقية مفبركة بهدف إثارة الفتن والتحريض ضد مؤسسات الدولة وإشاعة حالة من الفوضى”.
وضُمت لأوراق القضية عدد من المضبوطات التى تمثلت فى شرائط فيديو، وأعداد كبيرة من معدات التصوير وأجهزة الإضاءة والمونتاج ووحدات الذاكرة الخارجية والأسطوانات المدمجة التى ادعت السلطات أنه يستخدمه في تحركاته.
وتزعم السلطات المصرية أن حسين أرشدهم عن مخزنًا يحتوى على أكثر 5000 شريط لقناة الجزيرة متعلقين بأرشيف القناة فى مصر، والذى كانت القناة اختصمت مصر بسببه أمام المحاكم الدولية للمطالبة بتعويض، وذلك بعد حرق واقتحام مقر القناة عقب انقلاب الثالث من يوليو.
جملة هذه التهم تبدو في الحقيقة ليست موجهة إلى شخص الصحفي محمود حسين بل موجهة إلى شبكة الجزيرة التي تتهمها السلطات المصرية “بنشر أخبار كاذبة عنها وتشويه مؤسساتها وسياساتها”، وهو نوع من تصفية الحسابات بين النظام المصري، والقناة التي ترفض التوقف عن تغطية الحراكات المعارضة للنظام المصري، فيما ينطلق إعلاميون موالون للنظام المصري في كيل التهم والتصرفات التي تصل أحيانًا حد السباب لقناة الجزيرة ولدولة قطر.
وكان الإعلام المصري الموالي للنظام الحالي قد شن حملة إعلامية شرسة على قناة الجزيرة ودولة قطر عقب بث القناة الفضائية فيلمًا وثائقيًا حول مسألة أوضاع المجندين إجباريًا في مصر، متهمين القناة بمحاولة تشويه سمعة الجيش.
الجزيرة وتاريخ من القمع من قبل نظام السيسي
قناة الجزيرة التي وجه لها شكر خاص من ميدان التحرير إبان الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير 2011، واجهت أكبر تضييق عليها في مصر وعلى العاملين بها، منذ الاضطرابات السياسية التي توالت عقب أحداث 30 يونيو، وانقلاب الثالث من يوليو، بسبب رفضها سياسة الصوت الواحد، وإصرارها على تغطية أحداث المناهضين للانقلاب العسكري في مصر، حتى أنها بثت أحداث مجزرتي فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة على الهواء مباشرة صباح الـ 14 من أغسطس عام 2013.
الإعلام المصري الموالي للنظام الحالي قد شن حملة إعلامية شرسة على قناة الجزيرة ودولة قطر عقب بث القناة الفضائية فيلمًا وثائقيًا حول مسألة أوضاع المجندين إجباريًا في مصر
وهو ما أدى إلى اقتحام مكتبها وتكسير محتوياته، ومطاردة العاملين مع القناة أو المتعاونين معها، حيث اعتقل النظام العشرات من الصحفيين بتهمة التعاون مع القناة في نقل أخبار الحراك المعارض من الأرض، كما اعتقل العديد من الصحفيين العاملين بشبكة قنوات الجزيرة، ولعل أبرز هذه القضايا ما عُرف إعلاميًا باسم خلية “الماريوت”، وقضية مراسل الجزيرة عبد الله الشامي.
ما يحدث مع الصحفي محمود حسين هو أحد سلاسل تصفية الحسابات بين نظام السيسي والجزيرة، وكل ما يوجه من تهم لحسين هو في الحقيقة مصوب تجاه القناة وسياستها الإعلامية التي يرفضها نظام السيسي ذو السوابق العديدة في قمع واضطهاد الصحفيين إلى الدرجة التي قبضت فيها أجهزته الأمنية على نقيب الصحفيين وعدد من أعضاء النقابة للتحقيق معهم في قضايا سياسية بالأساس.