هي المرة الأولى التي تتبنى فيها كتائب الشهيد عز الدين القسام، شهيدًا لا يحمل الجنسية الفلسطينية.
“القائد القسامي المهندس الطيار محمد الزواري” هكذا عرفه الجناح العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية حماس في البيان الصادر عنه يوم السبت 19 من ربيع الأول 1438هـ الموافق للسابع عشر من ديسمبر/ تشرين الثاني 2016، بعد يومين من ارتقائه شهيدًا إثر استهدافه من قبل “يد الغدر الصهيونية” حسب نفس البيان الذي أكد أن الشهيد محمد الزواري لم يكن مجرد داعم أو متعاون، بل كان قائدًا من بين القادة الذين أشرفوا على مشروع طائرة الأبابيل القسامية.
نص البيان لم يتوقف عند هذا الحد، بل نوه إلى أن القسامي التونسي لم يكن الوحيد في صفوفها الذي يحمل جنسية غير فلسطينية، ودعا “شباب الأمة العربية والإسلامية وعلماءها إلى السير على خطى الشهيد القائد الزواري” في تطور جديد ونوعي يمكن أن يُقرأ كمحاولة لتشكيل حزام جيوسياسي جديد يعبر عن الذهنية الاستراتيجية للمقاومة الفلسطينية بنقل عمق الصراع المسلح مع الاحتلال الصهيوني خارج حدود الأراضي الفلسطينية إلى العمق العربي والإسلامي.
وإذ تعلن كتائب الشهيد عز الدين القسام عن “تدويل” المقاومة صراحة، فهي تكشف عن انتقالها لمرحلة جديدة تسعى فيها لإعادة تشكيل معادلة القوة وعناصرها بتوسيع خطوطها الجيوسياسية لتتجاوز الحدود التاريخية لفلسطين وتشمل العمق العربي والإسلامي الشعبي الذي يشترك في مجموعة من العناصر الثقافية والتاريخية ولا تزال القضية الفلسطينية إحدى أبرز العوامل المشتركة بينها.
ولا يجب أن يفهم هذا الطرح على أنه توسيع لدائرة المواجهة العسكرية بل كتوسيع لدائرة القوة الثابتة (الثقل الديمغرافي والتراكم التاريخي والحضاري) وتعزيز لروافد القوة المتغيرة (القوة الاقتصادية والتكنولوجية أساسًا) وكتوجه نحو إعادة تشكيل الذهنية الاستراتيجية للمجتمعات العربية والإسلامية يكون الوعي التاريخي المتجذر فيها بالقضايا المشتركة بينها أساسًا لها، مما يضمن لها الاستمرارية وتوحيد الأولويات بتكوين وعي مشترك تتخذه مختلف الأيديولوجيات منطلقًا وغطاءً لها، وقد يكون التحدي الأكبر أمام هذه المجتمعات في تشكيل وعي باللحظة الراهنة في إطار السياق التاريخي الذي يشهد انتقالاً بين نظام عالمي منهار وآخر لا تزال ملامحه قيد التشكل، وفي إنتاج مفاهيم وأدوات جديدة تتناسب معهما.
ومن هنا، فقد بات من الضروري العودة لنقاشات كبرى توقفت منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي لعل أبرزها مفهوم الدولة القطرية التي وإن كانت واقعًا قانونيًا ونفسيًا موضوعيًا غير قابل للنقاش، إلا أن حدودها القانونية التي مثلت في مرحلة ما وسيلة لتجزئة الامتداد الجيوثقافي والجيواقتصادي للمنظومة السابقة لمرحلة التوسع الاستعماري الغربي، باتت تشكل اليوم عائقًا أمام تحقيق السيادة الفعلية في ظل انعدام التوازن الاستراتيجي بين القوى العظمى وهذه الدويلات الوطنية، وإن كانت هذه الأخيرة الحاضنة الأساسية لمشاريع التحرر الوطنية في أوائل ومنتصف القرن الماضي، فلعل الوقت قد حان لإعادة طرح الآفاق الوحدوية بين هذه الدويلات القطرية في إطار دوائر انتماء تحددها القواسم المشتركة بينها قد تتراوح درجاتها من التنسيق إلى التكامل والتعاون.
وتبقى القضية الفلسطينية البوصلة التي تحدد وجهة الأمة العربية والإسلامية، فليست مصادفة أن تعلن كتائب الشهيد عز الدين القسام “تدويل” المقاومة في ذكرى اندلاع الشرارة الأولى للثورات العربية في تونس 17 من ديسمبر/ تشرين الثاني من سنة 2011.