ترجمة وتحرير نون بوست
تحلق طائرة جوينت ستارز التي تملك رادارًا قويًا يمكّنها من فحص الأراضي السورية بدقة، على ارتفاع 30 ألف قدم، لتحديد الأهداف التي يتم ضربها في الهجوم القادم قريبًا على مدينة الرقة، عاصمة تنظيم الدولة في سوريا.
وخلال تحليق طائرة مقاتلة في مهمة مشابهة، اكتشف المحللون مخبأ في وسط الصحراء السورية، أين كان تنظيم الدولة يُخفي عشرات الشاحنات الناقلة للنفط، التي تمثل مصدرًا لتمويل هذه المجموعات المتطرفة.
وبناء على المجهودات التي تبذلها هذه الطائرات، تمكنت القوات الجوية الأمريكية من تدمير قرابة 188 شاحنة ضمن أكبر عملية جوية شنتها هذه السنة، وتمكنت أيضًا من قطع قرابة مليوني دولار من الإيرادات النفطية التي كانت ستذهب لصالح تنظيم الدولة.
عندما شُنت حملة قصف جوية لدعم القوات العراقية في معركة تحرير الموصل، صرّح بعض القادة العسكريين الأمريكيين أن الحرب الجوية ربما ستلعب دورًا أكبر في سوريا، خلال الأسابيع المقبلة، خلال معركة تحرير الرقة.
وتقوم بعض المليشيات الشيعية السورية، التي تم انتدابها حديثًا، بتطويق مدينة الرقة، لكنها تحتاج إلى دعم قوات التحالف لإضعاف وطرد قوات العدو المتمركزة هناك، وقطع الطريق أمام إمدادات السلاح لتنظيم الدولة، ومنعه من التزود بالوقود وتجنيد مقاتلين جدد.
في هذا السياق، ذكر الجنرال جيفري هاريجان قائد سلاح الجو الأمريكي، خلال مقابلة أجراها بمقره في قطر، أنه أمضى الكثير من الوقت ليفهم طبيعة الوضع على أرض الواقع في الرقة، وأضاف أن الوضع في تحسن، لكنه لا زال بعيدًا عن المستوى المطلوب.
تجدر الإشارة إلى أن العمليات العسكرية الجوية تعتبر عنصرًا مركزيًا داخل الحملة العسكرية الأمريكية التي تقدر تكلفتها اليومية بنحو 12.5 مليون دولار في العراق وسوريا، ووفقًا لبعض التقديرات الأمريكية، فقد أدت هذه العمليات الجوية إلى تدمير مئات الدبابات والمدفعيات والعربات العسكرية ومراكز القيادة والقتال التابعة لتنظيم الدولة، والقضاء على أكثر من 50 ألف مقاتل.
منذ بدأت الحرب الجوية في أواخر صيف سنة 2014، شنّت الطائرات الأمريكية، بالتعاون مع حلفائها، نحو 17 ألف هجوم جوي بين سوريا والعراق، فَقدَ خلالها تنظيم الدولة نصف أراضيه التي احتلها في العراق وسوريا منذ سنة 2014.
تنطلق طائرات “جوينت ستارز” من قاعدة عسكرية في الخليج العربي نحو العراق أو سوريا أو أفغانستان، ويمكن أن تستمر عملياتها من 11 إلى 12 ساعة، ولكن لا يتم تجهيز هذا النوع من الطائرات بكاميرات تستطيع التقاط صور معينة على أرض الواقع
ووفقًا لبعض المسؤولين الأمريكيين، فإنه كلما تقلصت أراضي خلافة تنظيم الدولة، تضاعف خطر عودة المئات من المقاتلين الأجانب إلى ديارهم وتوسعت قاعدة الخلافة الافتراضية للتنظيم من خلال وسائل التواصل الاجتماعية، وتثير هذه الخطوة مخاوف العديد، من تزايد الهجمات الإرهابية في بلدان خارج منطقة الشرق الأوسط.
على سبيل المثال، أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن هجوم برلين، الذي قامت خلاله شاحنة باقتحام سوق عيد الميلاد في برلين الأسبوع الماضي، وعلى الرغم من أن الروابط بين هذه الجماعة والمشتبه به الرئيسي، أنيس العمري، الشاب التونسي البالغ من العمر 24 عامًا، لا زالت غير واضحة بشكل تام، إلا أن تنظيم الدولة أصدر بعد مقتل منفذ الهجوم شريط فيديو ظهر فيه العمري وهو يعلن عن ولائه للتنظيم.
وعلى ضوء هذه المستجدات، تعهد باراك أوباما بتكثيف الضربات الجوية في الموصل والرقة قبل أن يقوم بمغادرة منصبه، وقد أمر هذا الشهر، بإرسال 200 شخص من قوات العمليات الخاصة الأمريكية إلى سوريا لمساعدة المقاتلين المتواجدين هناك على التقدم نحو الرقة.
ولكن لا زال القادة الأمريكيون غير واثقين مما إذا كان الرئيس المنتخب دونالد ترامب، سيحافظ على نفس السياسة الذي تعتمدها الولايات المتحدة في دعمها لقوات المعارضة في سوريا بهدف التصدي لتنظيم الدولة.
من الواضح أن العمليات العسكرية في الرقة ازدادت تعقيدًا بسبب الدور الرئيسي الذي تلعبه الميليشيات الكردية، التي تشكل الغالبية العظمى من جملة 45 ألف مقاتل يقومون بتطويق المدينة، كما تُعتبر المليشيات الكردية الحليف الأمريكي الأكثر فعالية في سوريا، إذ تقوم بتوفير الخدمات اللوجيستية وتسيطر على العديد من الأراضي، وفضلاً عن ذلك، فهي تمتلك شراسة وخبرة كبيرة في القتال، وفي المقابل، تعتبر تركيا الأكراد، حلفاء الولايات المتحدة المحوريين في سوريا، تهديدًا إرهابيًا كبيرًا على أمنها.
في هذا السياق، قال النائب الديمقراطي، آدم شيف من كاليفورنيا، وعضو لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي: “هذه المسائل الدبلوماسية والعسكرية تؤدي إلى تزايد شكوك بعض زعماء الكونغرس عن نجاعة أي هجوم سريع وحاسم على المعقل الرئيسي لتنظيم الدولة في سوريا”.
ويبلغ عدد سكان مدينة الرقة قبل بداية الحرب قرابة 220 ألف، ولا تمثل مساحة المدينة سوى عُشر مساحة الموصل، لكن لا زال القادة الأمريكيون في مواجهة نفس المخاطر، التي تتمحور بالأساس حول شن حرب جوية دون تعريض المدنيين الموجودين فيها للخطر.
صرّح الجنرال هاريجان أنّ هناك الكثير من الأسباب الأخرى التي تدفع القوات الأمريكية إلى مزيد من التعقل بشأن مسألة شنّ هجمات جوية على مدينة الرقة، وفي إطار التحركات التكتيكية، تجنبت القوات الأمريكية ضرب بعض المباني الرئيسية للتنظيم، حتى يتمكن الأمريكيون من مراقبة اتصالات وتحركات وعمليات التنظيم داخل وخارج معاقله”.
كما فضّلت قوات التحالف استئناف ضرباتها الجوية، عندما يقترب المقاتلون العرب والأكراد من العاصمة، ويتقدم القادة العسكريون للضغط على الموصل والرقة في وقت واحد، وقد نُفذت في الأشهر الثلاثة الماضية نحو 30% من الضربات العسكرية الجوية، داخل وخارج الرقة منذ بدء الحرب ضد تنظيم الدولة في سنة 2014.
يعلم مقاتلو تنظيم الدولة أنهم يخضعون إلى المراقبة الدائمة، ولذلك هم يحاولون باستمرار خداع الطائرات المراقبة، من خلال الاختباء في المدارس أو المساجد للتمويه
في هذا السياق، قال المبعوث الخاص للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة بريت ماكغورك: “العمليات العسكرية التي تهدف إلى الضغط على الرقة ستنجح، في حال خرج قادة التنظيم من مخابئهم وتمكنا من قتلهم”.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الطائرات سمحت لقوات التحالف الدولي بتتبع تحركات تنظيم الدولة، وجمع المعلومات الكافية للقيام بعمليات التنصت على بعض الاتصالات الخاصة به، ورسم صورة واضحة عن طبيعة انتشاره في الميدان، بطريقة تضمن نجاعة المقاتلات الأمريكية والقاذفات الهجومية في مهامها.
تشبه طائرة “جوينت ستارز” شكل القارب، وتملك قوة رادار يمكنها من اختراق السحاب ورؤية أهداف أرضية، أو حتى رصد بعض الطائرات والمروحيات التي تحلق على ارتفاع منخفض أو على بعد 250 ميلاً من الطائرة.
ويتكون طاقم الطائرة من 19 فردًا من القوات الجوية والجيش، الذين يُعتبرون من أفضل كفاءات الحرس الوطني في جورجيا، وتتمثل مهمتهم في تتبع بعض النقاط المحددة على شاشاتهم الصغيرة مثل مجموعات من المقاتلين وسياراتهم، أو قوات صديقة أو بعض التحركات التجارية العادية، كما تُوكل لهم الكثير من المهام العسكرية، حسب المكان الذي توجد فيه هذه الطائرات.
وفي نفس هذا الإطار، قال الكولونيل ويليام هارتمان: “الرادار في هذه الطائرات يستطيع تتبع المركبات التي تتحرك في الأسفل من مكان عالٍ جدًا، أو الطائرات التي تحلق ببطء على مستوى منخفض، وحتى أصغر الأهداف مثل الأشخاص”.
وأضاف أنه “يمكن للطاقم الذي يركب هذه الطائرة تغيير أنظمة المراقبة لإظهار الأهداف بمختلف الأحجام والألوان، ويتم نقل كل هذه المعلومات إلى مراكز العمليات في بغداد وأربيل في شمال العراق”.
وتنطلق طائرات “جوينت ستارز” من قاعدة عسكرية في الخليج العربي نحو العراق أو سوريا أو أفغانستان، ويمكن أن تستمر عملياتها من 11 إلى 12 ساعة، ولكن لا يتم تجهيز هذا النوع من الطائرات بكاميرات تستطيع التقاط صور معينة على أرض الواقع.
وعندما يرى أفراد الطاقم شيئًا مريبًا، يقومون بتوجيه طائرة دون طيار لتكبير المشهد وإلقاء نظرة لاكتشاف ما يجري عن قرب، وبالإضافة إلى ذلك، يستطيع طاقم طائرة “جوينت ستارز” رصد منطقة معينة لأيام أو أسابيع أو أشهر، ومشاهدة نشاط تنظيم الدولة لفهم طبيعة تحركات العدو.
ولكن يعلم مقاتلو تنظيم الدولة أنهم يخضعون إلى المراقبة الدائمة، ولذلك هم يحاولون باستمرار خداع الطائرات المراقبة، من خلال الاختباء في المدارس أو المساجد للتمويه، وفي هذا الصدد، يقول بعض المحللين: “تنظيم الدولة حاول مرارًا تهريب الأسلحة عن طريق ربطها أسفل بطون قطعان الأغنام”، ويضيف تقني يعمل لدى المخابرات الأمريكية، يدعى كايلين كيمبل، أنّ “مقاتلي تنظيم الدولة يتمتعون بذكاء شديد”.
عندما شُنت حملة قصف جوية لدعم القوات العراقية في معركة تحرير الموصل، صرّح بعض القادة العسكريين الأمريكيين أن الحرب الجوية ربما ستلعب دورًا أكبر في سوريا، خلال الأسابيع المقبلة، خلال معركة تحرير الرقة
ولاحظ بعض المحللين قبل عدة أسابيع، عندما قامت القوات الأمريكية بتكثيف الحملات الجوية ضد شبكة إنتاج وتوزيع النفط التي تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة، بعض التطورات المثيرة في وسط الصحراء السورية، في مكان يبعد قرابة 35 ميلاً عن شمال تدمر.
وقد اكتشف المحللون بعد أن قاموا بمقارنة بيانات أجهزة رادار طائرات “جوينت ستارز” وصور الأقمار الصناعية للأشهر الماضية، مع البيانات الحديثة، أن تنظيم الدولة يقوم بنقل عدد كبير من شاحنات النفط إلى مناطق غامضة بين الأخاديد الرملية.
وفي نفس هذا السياق، أفاد هاريجان “أنهم كانوا يحاولون إخفاءها منا، لأنهم أدركوا أننا كنا نراقبهم، فكانوا يتوجهون إلى الصحراء ويتركون هذه الشاحنات في عرضها”.
ووفقًا لهذه التقديرات، وضع اللواء هاريجان خطة هجوم، أطلق عليها اسم “أوليمبوس”، وقد تمكنت القوات الأمريكية خلال موجتين من الهجمات الجوية، يومي 8 و9 من كانون الأول/ ديسمبر، من تدمير 188 شاحنة تعمل لصالح تنظيم الدولة.
كما صرح القادة العسكريون أن هذه الغارة سمحت لهم بالقضاء على جزء كبير من أسطول الشاحنات الناقلة للتنظيم، وحرمانه من أكثر من مليوني دولار من مبيعات النفط، لكنها كانت تهدف بالأساس إلى شلّ الروح المعنوية للعدو.
وفي هذا السياق، قال هاريجان “لقد أوصلنا لهم رسالة مهمة مفادها أن ما قاموا به كان محاولة جيدة للاختباء، لكننا تمكنا من العثور عليهم”، وأضاف “واصلوا محاولات الاختباء، لكننا سنتمكن من القبض عليكم، مرة أخرى”.
المصدر: صحيفة نيويورك تايمز