رغم كونها من أول البلدان التي ألغت العبودية في 23 من يناير 1846 ووقعت الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصر التي دخلت حيز التنفيذ في 4 من يناير 1969، ما زالت تونس من الدول التي يعاني فيها السود (ذوو البشرة السمراء) من التمييز العنصري، حسب رئيس حكومة البلاد يوسف الشاهد، نتيجة تعدد الاعتداءات ضد الأفارقة وأصحاب البشرة السوداء من السكان المحليين.
آخر هذه الاعتداءات، إقدام شاب تونسي على طعن فتاتين من ساحل العاج، بسكين، وسط العاصمة تونس، وإصابتهما بجروح، دخلت إحداهما في حالة غيبوبة، حادثة نظّمت على إثرها جمعية الطلبة الأفارقة ونشطاء في جمعيات حقوقية تونسية، وقفة احتجاجية، أمام المسرح البلدي في شارع الحبيب بورقيبة، للمطالبة بحماية الطلبة الأجانب ونبذ كل أشكال العنصرية.
جدّد رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، دعوته لبرلمان بلاده بـ”تعجيل النظر” في مشروع يجرم العنصرية
ويقول شهود عيان، إن شابًا تونسيًا اعتدى يوم السبت الماضي، على فتاتين تحملان الجنسية الكونغولية عندما سمعهما تتحدّثان باللهجة “الأنغولية”، وحاول ذبحهما مخلفًا لهما جروحًا على مستوى الرقبة، كما اعتدى على شاب كونغولي ثالث حاول الدفاع عن الفتاتين.
عقب هذا الاعتداء، جدّد رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، دعوته لبرلمان بلاده بـ”تعجيل النظر” في مشروع يجرم العنصرية، خلال كلمة ألقاها بمناسبة “يوم وطني للتنديد بالتمييز العنصري.”
وقفة احتجاجبة أمام المسرح البلدي وسط العاصمة تونس للتنديد بالاعتداءات العنصرية ضد الأفارقة
من جهتها، استنكرت، حركة النهضة التونسية، في بيان لها، العنف المادي واللفظي والخطاب العنصري الذي تعرض له ضيوف تونس من الطلبة الأفارقة، واعتبرت، ما حصل منافيًا لقيم الإسلام وروحه الحضارية القائمة على المساواة والتسامح وتكريم بني آدم بقطع النظر عن أي اعتبار، ونبذ العنصرية التي سماها نبي الإسلام “جاهلية“.
وذكرت الحركة أن تونس تؤكد اعتزازها واعتزاز كل التونسيين بالانتماء الإفريقي لبلادهم باعتباره جزء من هويتهم، مشددة على أن مستقبل تونس في إفريقيا، ومطلع العام الحاليّ، أمضت كتل النهضة (69 مقعدًا) ونداء تونس (67 مقعدًا) والجبهة الشعبية (15 مقعدًا) والحرة (20 مقعدًا) ونواب مستقلون مبادرة تشريعية للقضاء على التمييز العنصري تضم 36 بندًا.
وفي 23 من يناير 1846، قرر حاكم تونس أحمد باشا باي (عاشر البايات الحسينيين) إلغاء الرق والعبودية في تونس، وقبل ذلك كان الباي قد أصدر قرارًا في 6 من سبتمبر 1841 يقضي بمنع الإتجار بالرقيق وبيعهم في أسواق المملكة، كما أمر بهدم الدكاكين التي كانت معدّة في ذلك الوقت لجلوس العبيد بـ”البركة” (سوق مخصصة لبيع العبيد)، ثم أصدر أمرًا في ديسمبر 1842 يعتبر مَن يولد على التراب التونسي حرًا ولا يُباع ولا يُشترى، كما وقعت تونس على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي عُرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 21 من ديسمبر 1965، ودخلت حيّز التنفيذ في 4 من يناير 1969.
وأكد الشاهد قائلاً: “لا مجال لأن يكون هناك تمييز عنصري في تونس، ويجب العمل على تغيير العقليات، وتجريم كل تمييز عنصري ضد فئة من المجتمع التونسي أو ضيوف البلاد”.
بهدف مواجهة مختلف أشكال التمييز العنصري، شهدت تونس تأسيس جمعيات عديدة من أمثال “منامتي” و”آدم للمساواة والتنمية”، عقب ثورة 14 من يناير2011
وشتم مساعد حكم مباراة في الدوري التونسي لكرة القدم، في وقت سابق، لاعبًا إفريقيًا من ساحل العاج يلعب في أحد فرق العاصمة، واصفًا إياه بـ”الكحلوش” في إطار خلاف بينهما على ميدان اللعب، و”الكحلوش” كلمة عنصرية تونسية فيها احتقار لأصحاب البشرة السوداء وهي قديمة وموروثة من عهود العبودية، كما اعتدى تونسيون، على أفارقة، في يناير 2015، عقب هزيمة منتخب بلادهم في مباراة رياضية في كأس إفريقيا للأمم.
بهدف مواجهة مختلف أشكال الميز العنصري، شهدت تونس تأسيس جمعيات عديدة من أمثال “منامتي” و”آدم للمساواة والتنمية”، عقب ثورة 14 من يناير 2011، ويؤكد المنتسبون لهذه الجمعيات أهمية نشاط المجتمع المدني، لدفع البرلمان للمصادقة على مشروع قانون يجرّم التمييز العنصري في تونس.
وينص الدستور التونسي في الفصل 21 من باب الحقوق والحريات، على نبذ أي تمييز على أساس لون البشرة، ويؤكد أن “المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون من غير تمييز”.
التمييز ليس ضد الأفارقة فقط، بل ضد التونسيين أصحاب البشرة السوداء أيضًا، ويوجد في جنوب تونس، خدم سود البشرة يشتغلون لدى منازل “البيض”، ومقبرة تفصل التونسيين حسب لون بشرتهم في جزيرة جربة، وعادات عنصرية أخرى كأن توضع فتاة سوداء البشرة غير بعيد عن العروس في أثناء احتفال الزواج لتحميها من عيون الحاسدين في بعض أعراس الجنوب.
تصاعد الاعتداءات العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء
ورغم المساواة النظرية التي يتمتع بها المواطنون التونسيون، السود والبيض، أمام القانون وأمام الفرص الاقتصادية والاجتماعية، فإن الوعي السائد اجتماعيًا ما زال ينظر إلى الفرد الأسود كمواطن من درجة ثانية، وارتفعت شكاوى عديدة من قبل بعض التونسيين والأفارقة من أصحاب البشرة السمراء الذين يعانون من التمييز بسبب لون بشرتهم، ويتم إطلاق أوصاف عنصريه بحقهم من قبيل “وصيفة” و”وصيف” و”كحلوش”، ويدرس في الجامعات التونسية نحو ستة آلاف طالب من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
وعادة ما يربط الخيال الجماعي التونسي، ذوي البشرة السوداء بسوء الطالع أو العنف أو الرائحة الكريهة أو غيرها من الخرافات التي لا تستند إلى معطيات أو أدلة بل إلى موروث عنصري قديم.
يمثل أصحاب البشرة السوداء نحو 15% من مجموع التونسيين، حسب أرقام غير رسمية
ويطلق بعض التونسيين على الفتيات أصحاب البشرة السوداء، “الوصيفة” والوصيفة في اللغة العربية هي الجارية أو العبدة أو الخادمة، حيث كانت مثل هذه الكلمات النابية كابوسًا يؤرق أصحاب البشرة السوداء في تونس.
ويمثل أصحاب البشرة السوداء نحو 15% من مجموع التونسيين، حسب أرقام غير رسمية، وفي مورفولوجيا الشعب التونسي، قلة هم أصحاب البشرة البيضاء، ومعظم التونسيين يميل لون بشرتهم إلى السمرة، كما أن لون البشرة الأسود غير مرتبط بجهة محددة أو عرش بسبب الزواج المختلط والاندماج في المجتمع التونسي، لكن يستقر العدد الأكبر من أصحاب البشرة السوداء في المناطق الصحراوية والمحافظات الجنوبية التونسية.