كما تحمل التطورات التكنولوجية المتلاحقة إيجابيات عدة في مجال التنمية والتطور ودفع قاطرة التقدم للأمام، إلا أنها في نفس الوقت تحمل بين ثناياها مخاطر مقلقة، لا تهدد حياة الفرد والمؤسسات فحسب، بل تعرض الأمن القومي للدول والشعوب للخطر أيضًا، وهو ما كشفته التقارير الواردة في هذا الشأن.
دور القرصنة في هزيمة هيلاري أمام ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتهديد إيران للمنظومة الأمنية والاقتصادية السعودية عبر سلاح الهجمات الإلكترونية، وتعرض الأفراد للابتزاز الإلكتروني كل 20 ثانية، يجعل من هذه الفيروسات الجديدة خطرًا يهدد حياة الشعوب، لذا استحق عام 2016 أن يسمى بـ”عام القرصنة”.
عملية كل عشر ثوانٍ
في دراسة مسحية أجرتها شركة “كاسبرسكي” المتخصصة في مكافحة أعمال القرصنة وأمن المعلومات على الإنترنت، توصلت إلى تزايد معدلات الهجمات الإلكترونية على الشركات والأفراد خلال هذا العام بصورة غير مسبوقة، وتفوق ما تم خلال الأعوام الماضية بمراحل عدة، وهو ما حذرت منه الشركة، مطالبة بضرورة العمل على استحداث أنظمة أمن معلوماتي أكثر قوة وكفاءة تطويقًا لهذه الحملات التي تهدد الأمن القومي للدول والأفراد على حد سواء كما سيرد ذكره لاحقًا.
الدراسة المسحية للشركة رصدت قفزة هائلة في عمليات القرصنة خلال 2016، من عملية قرصنة إلكترونية للشركات كل دقيقتين في يناير الماضي، إلى عملية كل 40 ثانيةً في أكتوبر من العام نفسه، وفيما يتعلق بالأفراد، ازداد المعدل من عملية كل 20 ثانيةً إلى عملية كل 10 ثوانٍ، إضافة إلى الكشف عما يقرب من 62 نوعًا جديدًا من الفيروسات خلال هذا العام فقط، وتفاقمت حدة هجمات الفدية الخبيثة على نحو مطرد وغير مسبوق خلال العام حيث تم اكتشاف أكثر من 62 نوعًا جديدًا من برامج القرصنة.
وبحسب البيان الصادر عن الشركة المتخصصة في أمن المعلومات تعليقًا على دراستها الأخيرة، فإنه خلال 2016 واصلت عمليات القرصنة الإلكترونية انتشارها في مختلف دول العالم بصورة مروعة، لتصبح أكثر تطورًا وتنوعًا وتحكم قبضتها وسيطرتها على البيانات والأجهزة والأفراد والشركات، كما أورد التقرير أن واحدة من بين كل خمس شركات حول العالم تعرضت لهجمة أمنية على بنية تكنولوجيا المعلومات لديها نتيجة عمليات القرصنة، فيما أن 20% من هذه الشركات التي تعرضت لهجوم قرصني لم تتمكن من استرجاع ملفاتها.
تنوع في أساليب الهجوم
التقرير الصادر عن الشركة تطرق أيضًا إلى تنوع أساليب الهجوم والقرصنة والابتزاز الإلكتروني، حيث شهد هذا العام استخدام برامج لأول مرة، في مقدمتها تشفير الأقراص الصلبة بالكامل، فالقراصنة لا يكتفون فقط بحجب الوصول إلى أو تشفير بعض الملفات، بل تشفير “الهارد” بالكامل وفي نفس الوقت، ما يجعل استرداد ما عليه من ملفات غاية في الصعوبة، ما يوقع المستهدف ضحية ابتزاز المهاجمين.
إضافة إلى ذلك فقد نجح القراصنة في ابتكار وسائل يمكن من خلالها حجب محرك الأقراص الصلبة بالكامل عن طريق شن هجوم تخميني بتوليد عدد ضخم من كلمات المرور وتجربتها إلى حين الوصول إلى كلمة المرور الصحيحة من أجل التمكن من الدخول إلى آلات وأنظمة الضحية عن بعد.
وفي الوقت نفسه، أفادت الشركة إلى أن هناك ارتفاع ملحوظ في انتشار برامج القرصنة والابتزاز التقليدية غير المتطورة، والتي تعتمد في المقام الأول على ثغرات في البرامج المستخدمة داخل الأجهزة الإلكترونية بحيث يسهل على القراصنة الهجوم عليها والحصول على بعض الملفات بداخلها، ومن ثم طلب مقابل مادي أو ابتزاز صاحبها، وهو ما يوقع الملايين من مستخدمي الإنترنت ضحايا لهذه العمليات.
هيلاري والقرصنة الروسية
من أبرز الأسماء التي سقطت فريسة للقرصنة الإلكترونية هذا العام، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ومرشحة الرئاسة الخاسرة هيلاري كلينتون، والتي كشفت أجهزة الاستخبارات الأمريكية تعرض المرشحة الديمقراطية لعمليات قرصنة وتجسس على بريدها الإلكتروني الخاص من قبل جهات روسية.
وقد أشارت كبريات الصحف في أمريكا إلى تورط أجهزة مخابرات روسية في التجسس على هيلاري لصالح المرشح الجمهوري دونالد ترامب، حيث مررت الوثائق التي حصلت عليها بشأن الحزب الديمقراطي إلى موقع ويكيليكس الذي قام بدوره بنشرها، مما تسبب في تشويه صورتها وإضعاف موقفها، ومن ثم الخسارة أمام منافسها، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى فتح تحقيق موسع في سلسلة من الهجمات الإلكترونية خلال موسم الانتخابات الأمريكية.
اتهامات أمريكية بتورط روسيا في التجسس على هيلاري لصالح ترامب
“ياهو”.. مليار حساب تعرض للقرصنة
شركة “ياهو” الأمريكية، التي تعد واحدة من أكبر الشركات التي تزود المستخدمين بخدمات البريد الإلكتروني في العالم، باتت من أكثر ضحايا القرصنة، حيث تعرضت إلى ما يقرب من خمس عمليات قرصنة منذ 2012 وحتى الآن.
الشركة كشفت في الشهر الماضي عن تعرض مليار حساب تابعين لها في شبكة الإنترنت لعمليات قرصنة من جهات مختلفة، استهدفت سرقة بيانات وعناوين المستخدمين، إضافة إلى بياناتهم الشخصية وأرقام هواتفهم وحسابات البنوك الخاصة بهم، مرجحة أن تكون هذه الهجمات مدفوعة من قبل أجهزة ودول بأكملها وليست عمليات فردية.
ومن أبرز الحسابات التي تعرضت للقرصنة خلال الفترة الماضية، حسابات ماي سبيس (359 مليونًا)، حسابات لينكد إن (164 مليونًا)، حسابات أدوبي (152 مليونًا)، حسابات بادو (112 مليونًا)، حسابات في كي (93 مليونًا)، حسابات دروببوكس (68 مليونًا)، حسابات تمبلر (65 مليونًا)، حسابات آي ميش (49 مليونًا)، حسابات فلينغ (40 مليونًا)، حسابات لاست. إف إم (37 مليونًا)
“ياهو” كشفت عن تعرض مليار حساب تابعين لها لعمليات قرصنة من جهات مختلفة، استهدفت سرقة بيانات وعناوين المستخدمين، إضافة إلى بياناتهم الشخصية وأرقام هواتفهم وحسابات البنوك الخاصة بهم، مرجحة أن تكون هذه الهجمات مدفوعة من قبل أجهزة ودول بأكملها وليست عمليات فردية
مارك زوكربيرغ.. ضحية (OurMine)
تعرض مؤسس موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” مارك زوكربيرغ، إلى عملية قرصنة هو الآخر، حيث نجح المهاجمون في الوصول إلى كلمة السر التي يستخدمها على حسابه الشخصي، ليتبين أنها (dadada).
وقد أعلن الفريق المهاجم والذي أطلق على نفسه اسم (OurMine) أنه نجح من الدخول لفترة وجيزة إلى حسابات انستغرام ولينكد إن وبنترست وتويتر التابعة لمؤسس “فيس بوك”، مما دفع مارك إلى التحذير من استخدام نفس كلمة المرور لأكثر من حساب شخصي، حتى لا يصبح المستخدم فريسة سهلة للقراصنة.
مؤسس “الفيس بوك” لم يسلم من التعرض للقرصنة
السعودية.. الأكثر تعرضًا للقرصنة
تعد المملكة العربية السعودية أكثر الدول تعرضًا للقرصنة في الآونة الأخيرة، وهو ما كشفته التقارير الصادرة عن موقع Bloomberg”” الأمريكي، والتي أشارت إلى تورط إيران في هذه العمليات من خلال دعم القراصنة في القيام بأعمالهم ضد هيئات ومنظمات سعودية.
ففي تقرير نشره الموقع في بداية ديسمبر الحالي، كشف عن تعرض أنظمة “مؤسسة النقد العربي السعودي” لعمليات قرصنة من قبل مجهولين، فضلاً عن تدمير آلاف من أجهزة الحاسوب داخل مقرات الهيئة العامة السعودية للطيران المدني، وحذفت بيانات مهمة وتوقفت العمليات لعدة أيام، ورغم نفي مؤسسة النقد السعودية للتعرض للقرصنة، فإن التقرير الصادر مؤخرًا عن الموقع الأمريكي يؤكد ذلك، مرجحًا وقوف إيران وراء هذه المحاولات.
ولم تكن هذه العمليات هي الأولى من نوعها التي تعرضت لها السعودية في الفترة الأخيرة، فمنذ أربعة سنوات وبالتحديد في عام 2012، تعرضت شركة “أرامكو” السعودية، والتي تعد الأكبر في الاستثمارات النفطية والبتروكيماوية في الشرق الأوسط، لهجمة إلكترونية قاسية، تسببت في إتلاف الآلاف من الملفات الهامة، كما أنها عطلت نسبة كبيرة من الأجهزة الإلكترونية داخل الشركة.
حاولت وزارة الدفاع الأمريكية حث دول الخليج على تقوية دفاعاتها، رغم أن بعض دفاعاتها في وضع جيد نسبيًا، لكن دفاعات المملكة العربية السعودية ليست كذلك
وفي حديثه لـ “Bloomberg“، أشار جيمس لويس نائب الرئيس الأول في “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية”، في واشنطن، أنه خلال الأعوام القليلة الماضية، حاولت وزارة الدفاع الأمريكية حث دول الخليج على تقوية دفاعاتها، رغم أن بعض دفاعاتها في وضع جيد نسبيًا، لكن دفاعات المملكة العربية السعودية ليست كذلك.
وبحسب خبراء مختصين في أمن المعلومات، فقد أشاروا إلى أن خسائر الشركات السعودية من القرصنة والاختراقات الإلكترونية تتراوح ما بين 300 ألف إلى أكثر من مليون ريال لكل حالة اختراق، كما أن خسائر البنوك، تقدر بما يزيد عن مليار دولار.
كما أن القرصنة الإلكترونية لم تعد تهدد الشركات والأفراد والحكومات في دول الشرق الأوسط فحسب، بل تحمل العديد من المخاطر لمنظومة التنمية الاقتصادية في المنطقة بأكملها، وهو ما أشار إليه موهيت سافا، المحلل المتخصص في أمن المعلومات، في شركة “ماركتس أند ماركتس” الاستشارية، من أن الاعتماد السريع للترقيم في الإمارات العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي جعل من المنطقة عامل جذب لمجموعة واسعة من الخروقات الأمنية ينفذها قراصنة يملكون تقنيات متقدمة تستخدم في الاستغلال الإلكتروني، ووفقًا لشركة “ماكنزي” الاستشارية قد يتوسع السوق الإقليمي الإلكتروني الموحد الذي تقوده السعودية والإمارات ليضم قرابة 160 مليون مستخدم بحلول عام 2025، مضيفًا نحو 95 مليار دولار لإجمالي الناتج المحلي.