يجري الحديث في الملف السوري اليوم عن تشكيل مجالس محلية مدعومة من تركيا وروسيا في مناطق المعارضة السورية والفصائل الإسلامية بعد التوصل لوقف شامل لإطلاق النار في كامل المحافظات السورية الذي يُتوقع إعلانه في مؤتمر أستانة المزمع عقده في منتصف الشهر المقبل، ويستثني وقف إطلاق النار كل من تنظيمي داعش وجبهة فتح الشام. وهددت موسكو باتخاذ إجراءات عقابية على أي جهة تخرق بنود اتفاق وقف الأعمال القتالية لدى التوصل إليه سواءًا كانت القوات النظامية أو حلفاءها أو فصائل المعارضة المسلحة.
وتشهد أنقرة اجتماعات ومباحاثات مكثفة مع ممثلين عن فصائل المعارضة السورية المسلحة تتناول بند وقف إطلاق النار بشكل رئيسي ويحضر الاجتماعات ممثلين عسكريين من جانب روسيا وتركيا وإيران، وهي الدول التي تعهدت أن تكون ضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار في اجتماعهم الثلاثي في موسكو قبل أسبوع.
المعارضة السياسية لن تحضر المباحثات
سيوضع هدف وقف إطلاق النار على طاولة المفاوضات في أستانة عاصمة كازخستان منتصف شعر يناير/كانون الثاني بينما من المتوقع أن تترك القضايا السياسية إلى وقف لاحق، حيث سيجتمع ممثلين عن فصائل المعارضة السورية وعن النظام السوري بالإضافة إلى ممثلين عن روسيا وإيران وتركيا. والاجتماعات الجارية في أنقرة الآن والمستمرة منذ أيام تعتبر تحضيرًا لمرحلة ما قبل الاتفاق الذي سيتم توقيعه وإقراره في أستانة.
وأشار بيان صادر عن وزارة الخارجية الروسية أنه من بين ما اتفق عليه وزيري خارجية روسيا وتركيا إلى جانب السعي لوقف إطلاق النار في سوريا، التفرقة بين المعارضة المعتدلة والجماعات الإرهابية والتحضيرات للاجتماع في أستانة، حيث ذكر لافروف أن هناك اتصالات تجري بين النظام السوري والمعارضة قبل اجتماع أستانة المرتقب، بينما نفى عضو الهيئة العليا للمفاوضات في المعارضة السورية جورج صبرا المحادثات الجارية بين النظام السوري والمعارضة كما يدعي لافروف وأضاف صبرا ” بالتأكيد ليس لنا علاقة بهذا”.
روسيا وتركيا وإيران تعمل على التفرقة بين المعارضة المعتدلة والجماعات الإرهابية
يذكر أن المباحثات الجارية في أنقرة تناقش وثيقة قدمتها وزارة الدفاع الروسية سبق وأن تم تقديمها لقادة فصائل حلب في أنقرة ولا يزال النقاش جاريًا بشأنها، وتتضمن الوثيقة لأول مرة اعترافًا روسيًا بشرعية الفصائل العسكرية الإسلامية المعارضة ومن بينها أحرار الشام الإسلامية وجيش الإسلام وحركة نور الدين زنكي وجيش المجاهدين والجبهة الشامية، علمًا أن هذه النقطة تعد تطورًا بارزًا في تعامل موسكو مع ملف الفصائل الإسلامية وتحسب لديبلوماسية أنقرة الفاعلة في الملف السوري في الفترة الأخيرة، والتي نجحت أيضًا في إخراج المحاصرين من المدنيين والعسكر من حلب الشرقية بالاتفاق مع موسكو.
ففي المحادثات التي كانت جارية مع واشنطن في فيينا اعتبرت موسكو جميع الفصائل الإسلامية وعلى رأسها أحرار الشام وجيش الإسلام تنظيمات إرهابية لا تختلف عن داعش والنصرة وأنه على أي اتفاق قائم أن يحارب تلك الفصائل. بينما لم يرق الاعتراف الروسي بالفصائل الإسلامية لكل من إيران والنظام السوري اللذين يعتبران الحل مع تلك الفصائل هو من قبيل “الحسم الاستباقي”، وترفض الجلوس مقابل قادة الفصائل الإسلامية مطلقًا كما هو مقرر في أستانة.
موسكو تهدد باتخاذ إجراءات عقابية على أي جهة تخرق بنود اتفاق وقف الأعمال القتالية بعد التوصل إليه
وتضمنت المباحثات مع الفصائل في أنقرة ثلاثة محاور رئيسية يتعلق الأول بأن تكون روسيا وتركيا طرفان ضامنان لوقف النار والمصالحات التي ستجري بين المعارضة والنظام والمحور الثاني ينطلق من كون أن حل الأزمة هو حل سياسي فقط بعيدًا عن الحسم العسكري أما المحور الثالث فهو تطبيق القرار 2254 الذي نص على تشكيل حكم تمثيلي غير طائفي يمهد لدستور جديد تجري بموجبه انتخابات بإدارة الأمم المتحدة.
وحول مصير الأسد في هذه المفاوضات المزعوعة في أستانة فإن تركيا لا تزال مصممة ألا يكون للأسد أي دور في المرحلة الانتقالية وتريد عملية سياسية تسفر مرحلتها الانتقالية عن استعادة وحدة سوريا ومنع الفيدرالية الكردية، بينما موسكو ترى أن الأسد هو الرئيس الشرعي والقرار ببقاءه أو مغادرته يتعلق بيد السوريين أنفسهم بعد إجراء انتخابات رئاسية، وفي النهاية فهي تريد عملية سياسية انتقالية مضبوطة تحافظ على مؤسسات الدولة، أما طهران فتعتبر بقاء الأسد خطًا أحمر، في الوقت الذي قد توافق فيه عن تخلي الرئيس عن بعض الصلاحيات لصالح الحكومة وتشكيلتها.
وحسب ما جاء في صحيفة الحياة فإن موسكو اقترحت على فصائل إسلامية ومعتدلة إقامة مجال إنساني واقتصادي بصفة مشتركة يتضمن حرية الشحن ونقل البضائع بين مناطق المعارضة ومناطق تابعة للقوات النظامية إضافة إلى قيام مجالس محلية منتخبة من السكان في مناطق المعارضة مع تعهد موسكو بعدم ملاحقة دمشق المعارضين والناشطين فيها.
طهران والأسد
على صعيد آخر تواصل قوات النظام السوري وحزب الله اللبناني معاركها ضد المعارضة في خطوة تضع عراقيل في المفاوضات المعمول بها في أنقرة حيث يصر الطرفان أن حلب ليست آخر المعارك، وتحاول فرض سيطرتها على مناطق المعارضة حول العاصمة دمشق في الغوطة الشرقية.
معارك ضارية بين فصائل المعارضة وقوات النظام وحزب الله في وادي بردى
ومنذ قرابة أسبوع تواصل حزب الله وقوات النظام السوري قصفها المكثف بالمدفعية والدبابات على منطقة وادي بردى بريف دمشق الغربي أدى إلى دمار هائل في البنية التحتية ومراكز الدفاع المدني ومقتل وإصابة العشرات بالتزامن مع محاولات عديدة فشلت لاقتحام الوادي من أكثر من محور. في ظل مواصلة النظام توجيه رسائل للأهالي في المنطقة للموافقة على إقامة مصالحة وتسليم المطلوبين للخدمة الإلزامية، وقد حذرت فصائل معارضة في ريف دمشق الغربي والقلمون الشرقي التي تقع ضمن مناطق التهدئة مع النظام، من خرق اتفاق التهدئة في حال لم توقف قوات النظام عمليات الاقتحام والتصعيد العسكري في وادي بردى.