“الضغط يولد الانفجار” تلك القاعدة الفيزيائية التي عكست بصورة كبيرة حياة الملايين من المصريين، ممن دفعتهم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، إلى الخروج عن النص، والتعبير عن حالة الضيق والألم، والتمرد على الواقع المرير، رغم القيود الأمنية والتشريعية الموجودة.
1736 احتجاجًا قام به المصريون طيلة هذا العام 2016، جسدت الرفض الشعبي لكثير من الأحداث والوقائع والقرارات والقوانين التي فُرضت على المواطنين قسرًا وقهرًا، ما بين انتفاضات عمالية واستغاثات أهلية وصرخات اجتماعية، في غيبة تامة عن مقومات العدل الاجتماعي والمساواة، فضلاً عن سيطرة الفساد على قطاع عريض من مؤسسات الدولة، وهو ما يتكشف يومًا تلو الآخر.
تصاعد الاحتجاجات
في التقرير الختامي للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (مؤسسة قانونية حقوقية مستقلة) رصد خلال العام 2016، ما يقرب من 1736 وقفة احتجاجية، بزيادة قدرها 30% عن العام 2015 والذي وصل عدد الاحتجاجات به 1400 وقفة، وتصدرت الوقفات الاحتجاجية العمالية القائمة بإجمالي 726 وقفة، تلتها الاحتجاجات الاجتماعية بإجمالي 633 وقفة، ثم الاقتصادية في المركز الثالث بعدد 377 وقفة.
أما عن مطالب المحتجين من وراء وقفاتهم، أشار التقرير أنه خلال العام الحاليّ تصدرت الحقوق الخاصة بالعمال والموظفين بعدد 655، تليها الحقوق الخاصة بالمعرفة والشفافية ومكافحة الفساد بعدد 624، ثم الحق في العمل 565، التعويض والعدالة الإدارية 522، الحق في التعليم 223، الحق في التنظيم 189، الحق في البنية التحتية والخدمات 153، الحق في مستوى معيشي ملائم 148.
وصل عدد الاحتجاجات 1736 وقفة، وتصدرت الوقفات الاحتجاجية العمالية القائمة بإجمالي 726 وقفة، تلتها الاحتجاجات الاجتماعية بإجمالي 633 وقفة، ثم الاقتصادية في المركز الثالث بعدد 377 وقفة.
عدد الاحتجاجات وأنواعها مقسمة على أشهر العام
تنوع أساليب الاحتجاج
تباينت أساليب احتجاج المصريين حسب نوع الوقفة والهدف منها، وتمحورت النسبة الأكبر منها في الوقائع الاحتجاجية (التي تشمل الوقفة والتجمع والتجمهر والتظاهر) بعدد 1210 واقعة، تلاها الإضراب ووقف العمل بعدد 282 ثم الاعتصام 134، وكانت هناك 84 واقعة إيذاء للنفس خلال العام تعبيرًا عن الاحتجاج.
أما عن نوعية الجمهور وطبيعة الفئات التي شاركت في الاحتجاجات، فقد تصدر الأهالي القائمة بعدد 457 مشاركة، فيما بلغت مشاركات العمال 359، الموظفين 167، الطلاب 160، السائقين 132، المدرسين 75، الأطباء 67، الممرضين 71، أصحاب المحلات 41، بينما بلغت مشاركات العاطلين والخريجين 62 مشاركة.
كما احتلت القاهرة المرتبة الأولى في عدد الاحتجاجات – لا سيما العمالية – حيث بلغت 454 احتجاجًا تلتها محافظة الشرقية بعدد 128 احتجاجًا ثم الغربية بعدد 119 احتجاجًا.
وقفة احتجاجية ضد قانون الخدمة المدنية
العمال في مرمى النيران
العمال دومًا هم أكثر ضحايا الأنظمة والحكومات الديكتاتورية، التي تفتقد لأدنى مستويات العدالة والمساواة، كان هذا ملخص التقرير السنوي لدار الخدمات النقابية والعمالية، عن انتهاكات الحريات النقابية خلال 2016، والذي أكد على أن الحركة العمالية خلال 2016 وقفت في مرمى نيران الإدارات وأصحاب الأعمال وممارساتهم التعسفية في حق عمالها وقياداتها، وذلك في ظل ضعف وخلل وربما تواطؤ في منظومة الرقابة على العمالة أو سوق العمل في مصر، والسيطرة المطلقة لأصحاب الأعمال وسطوتهم التي تصل إلى حد خرق القانون دون خوف.
التقرير الختامي للدار عبر عن الحراك العمالي في مصر خلال العام الحالي بقوله إن قرارات وممارسات مؤسسات الدولة على أرض الواقع تعكس اتجاهها لحماية التنظيم الحكومي، والمتمثل في اتحاد نقابات عمال مصر، وفرضه على العمال باعتباره الكيان الرسمي الوحيد الممثل لهم، وهو أبعد ما يكون عن العمال ومطالبهم وحقوقهم، ولذلك هي تسخّر أجهزتها في قمع وتصفية نقابات باتت تهدد عرشه، لأنها نقابات مستقلة قامت بإرادة العمال، وعلى أكتافهم وفقًا لدستور 2014 والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر.
بلغت حالات الفصل التعسفي خلال العام الحالي 271 حالة ، فيما تم تسريح أكثر من 900 عامل، وخضوع 66 عاملاً لمحاكمات من بينهم 30 قيادة عمالية، إضافة إلى محاكمة 9 نقابيين، وصدور أحكام بحق 3 منهم، بخلاف 26 عاملاً آخرين تعرضوا لمحاكمة عسكرية، فيما لا يزال 28 عاملاً ونقابيًا، قيد التحقيق أمام النيابة
كما رصد التقرير أيضًا تنوع الانتهاكات بحق العمال بصفة خاصة، ما بين مطاردات قضائية وقرارات بعدم الاعتداد بها، وصولاً إلى المحاكمات، والتي وصلت خلال العام الحاليّ إلى القضاء العسكري، في تصعيد ربما هو الأخطر بحق العمال، كما شملت الانتهاكات التوسع في التسريح والفصل التعسفي والوقف عن العمل، ووصل الأمر في حالة عمال الترسانة البحرية إلى إجبار العمال على الاستقالة تحت ضغط المحاكمات العسكرية.
أما عن أبرز الإحصائيات التي كشف عنها التقرير العمالي، فقد بلغت حالات الفصل التعسفي خلال العام الحاليّ 271 حالة ، فيما تم تسريح أكثر من 900 عامل، وخضوع 66 عامل لمحاكمات من بينهم 30 قيادة عمالية، إضافة إلى محاكمة 9 نقابيين، وصدور أحكام بحق 3 منهم، بخلاف 26 عاملاً آخرين تعرضوا لمحاكمة عسكرية، فيما لا يزال 28 عاملاً ونقابيًا، قيد التحقيق أمام النيابة، وأشار التقرير، إلى صدور قرارات فصل تعسفي بحق 261 عاملاً و10 نقابيين، فيما تم إيقاف 9 عن العمل ونقل 4 بينهم اثنين نقابيين من العمل، وانتهاء انتداب عامل، فضلاً عن السلاح الجديد الذي تستخدمه الإدارات للضغط على العمال وإرهاب قياداتهم حال المطالبة بحقوقهم، والمتمثل في الفصل والتشريد والحبس ودفع الكفالات والإجبار على الاستقالة.
رسالة إرهاب وتحذير
التقرير الصادر عن دار الخدمات النقابية والعمالية تناول بعض الأمثلة التي اعتبرها رسالة إرهاب وتحذير لبقية النقابات العمالية في مصر، والطامحة في التغيير نحو الأفضل، والساعية للتمرد على الواقع، فضلاً عما تعكسه هذه النماذج للتوجهات والسياسات الجديدة للحكومة الحالية.
أولاً: محاكمة عمال الترسانة البحرية أمام القضاء العسكري، حيث اعتبر التقرير أن هذه المحاكمة التي تأتي بدعوى التحريض على الإضراب، نموذجًا على التوجهات والسياسات الحكومية المعادية للعمال والحركة العمالية، وهو ما ظهر واضحًا في واقعة اعتقال ومحاكمة 6 من عمال الترسانة البحرية بذات الاتهامات بعد أيضًا رفعهم مطالب مشروعة في وجه الإدارة.
التقرير وصف القرار بأنه خطوة أخرى على طريق العصف بالحريات والحقوق، خاصة وأن نقابة الصحفيين تعد صرحًا من صروح المجتمع المدني المصري لما لها من تاريخ في دعم واحتضان المطالبين بحقوقهم
ثانيًا: حبس نقيب الصحفيين وعضوي المجلس، حيث وصف التقرير هذه الواقعة التي تمت في الأول من مايو من هذا العام، حين تم اقتحام مقر نقابة الصحفيين، بدعوى إيواء اثنين من المطلوبين أمنيًا، بأنها خطوة أخرى على طريق العصف بالحريات والحقوق، خاصة وأن نقابة الصحفيين تعد صرحًا من صروح المجتمع المدني المصري لما لها من تاريخ في دعم واحتضان المطالبين بحقوقهم، حيث تستقبل قاعاتها أنشطة وفعاليات مُنعت الفنادق والقاعات من استضافته، معتبرًا الحكم بحبسهم ترسيخ لهذه السياسات التعسفية، وهو ما تجسد أيضًا في واقعة التحقيق مع الدكتورة منى مينا وكيلة نقابة الأطباء المصرية، بعد حديثها عن أزمة نقص المستلزمات الطبية في المستشفيات الحكومية، والذي جاء نقلاً عن شكوى تقدم بها أحد الأطباء للدكتورة منى وعرضتها على الهواء مباشرة خلال مشاركتها في أحد البرامج الفضائية.
حبس نقيب الصحفيين وعضوي المجلس رسالة إرهاب لجموع الصحفيين
الاقتصاد وغياب العدالة أبرز الأسباب
شهدت مصر خلال العام الحاليّ موجات عاتية من قفزات في أسعار السلع والخدمات وما ترتب عليها من زيادة نسبة التضخم بصورة لم تشهدها طيلة تاريخها، وهو ما انعكس على المواطن بصورة كبيرة، وتسبب في إرهاق كاهله بما لا يطيق، في ظل زيادة في كل شيء، يقابلها ثبات في الرواتب والدخول.
وقد تسببت سياسات الحكومة الفاشلة في مزيد من إفقار الشعب على حساب حفنة قليلة من الأغنياء، وهو ما يمكن الوقوف عليه من خلال الأرقام الخاصة بمعدلات الفقر والبطالة في مصر، فضلاً عن زيادة أعداد المرضى وعدم القدرة على الحصول على العلاج اللازم، إما لغلاء سعره أو عدم وجوده داخل الصيدليات والمستشفيات.
ثم يأتي تفشي الفساد في مختلف ربوع الوطن ليلقي هو الآخر بظلاله القاتمة على المشهد العام برمته، بصفته أحد أبرز دوافع الاحتجاج، ففي الشهرين الأخيرين فقط تم الإعلان عن 9 وقائع فساد بإجمالي 168 مليون جنيه مصري (9 مليون دولار)، فضلاً عما لم يتم الإعلان عنه، إضافة إلى العشرات من قضايا الفساد الذي تم كشفها خلال هذا العام والأعوام التي سبقته، والتي تتجاوز الرقم الذي قد أعلن عنه المستشار هشام جنينه، الرئيس الأسبق للجهاز المركزي للمحاسبات، كفاتورة حجم الفساد في الفترة من 2012-2015، والذي تم عزله من منصبه بسببه، حيث بلغ 600 مليار جنيه (33 مليار دولار).
خلال 60 يومًا فقط تم الإعلان عن 9 وقائع فساد بإجمالي 168 مليون جنيه مصري (9 مليون دولار)
الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، علق على تفشي وقائع الفساد خلال الفترة الأخيرة قائلاً: إن جنينة نُحي عن منصبه لأنه كان حريصًا على مكافحة الفساد ولم يكن مجرد موظف عمومي بيروقراطي يهمه نيل الحوافز والمكافآت والترقيات، وبالتالي فهو تعرض لظلم فادح وما زال يتعرض له حتى الآن وسوف يتعرض لظلم أكبر في المستقبل لمنعه من أن يصبح شخصية عامة يحق لها الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة”، وتابع خلال تصريحات صحفية له: الاعتذار واجب حتى قبل أن يتم اكتشاف هذا الكم الهائل من الفساد الذي عشش في كل مفاصل الدولة.
ويبقى السؤال: في ظل تزايد معدلات الاحتجاجات الشعبية ضد سياسات الحكومة والنظام الحاليّ، التي زادت من معاناة المواطن وأثقلت كاهله بما لا يطيق، في الوقت الذي تتعنت فيه الدولة ضد مطالب الفئات المحتجة، كيف ستكون ملامح المشهد حال استمرار الوضع على ما هو عليه؟ وهل من الممكن أن تتحول تلك الاحتجاجات إلى شرارة انتفاضة جديدة تعيد رسم خارطة المشهد من جديد؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.