ساهم تفاقم الأزمة الليبية في إعاقة نمو الاقتصاد التونسي بشكل ملحوظ خلال السنوات الستة الأخيرة، وأدى الإغلاق المتواصل للممرات الحدودية بين البلدين إلى تعطل التبادلات التجارية النظامية بين الشقيقتين وارتفاع نسق التجارة الموازية.
تونس تخسر نحو 800 مليون دولار سنويًا
عمقت الأزمة الليبية جراح الاقتصاد التونسي الذي يمر بصعوبات كبيرة جراء الاضطرابات الاجتماعية وتراجع السياحة والاستثمار، وكشف عبد الله ساي ممثل البنك الدولي في تونس، منتصف الشهر الحالي، أن تونس تخسر نحو 800 مليون دولار سنويًا، كتأثير مباشر للأزمة الليبية على الطلب وآفاق الاستثمار.
وشملت هذه الخسائر، وفقًا لدراسة أعدها البنك الدولي عن “تونس – ليبيا”، رقم معاملات المؤسسات التونسية المستثمرة بليبيا والمصدرة والمؤسسات غير المرتبطة اقتصاديًا بصفة مباشرة مع ليبيا بسبب غياب الرؤية وخوفها وعدم تأكدها من سلامة مناخ الاستثمار والأعمال على المستوى الإقليمي.
عوامل عدة ساهمت في تدهور الاقتصاد التونسي منها الأزمة الليبية
وسبق للبنك المركزي التونسي، أن أصدر تقريرًا أكد فيه أيضًا أن تفاقم الأزمة الليبية أعاق نمو الاقتصاد التونسي بشكل ملحوظ خلال السنة الماضية، وقال محافظ البنك المركزي التونسي الشاذلي العياري تعليقًا على التقرير السنوي للبنك إن المأزق الليبي من العوامل التي أدت إلى تباطؤ نمو اقتصاد تونس بشكل كبير.
وشهدت المبادلات التجارية الثنائية بين تونس وليبيا، تراجعًا بأكثر من 75%، في السنوات الأخيرة، نتيجة التوقف الكامل لأنشطة أكثر من مئة مؤسسة تونسية كانت تعمل بصفة كلية مع السوق الليبية، كما قامت أكثر من ألف شركة بإعادة برامجها التصديرية والإنتاجية، التي كانت موجهة في العادة نحو طرابلس بسبب الأوضاع الأمنية، حسب وزارة التجارة التونسية.
يعود هذا التراجع في حجم التبادلات بين البلدين إلى الإغلاق المستمر للمعابر الحدودية الذي أدى إلى بطء وقلة حركة نقل البضائع
قبل ثورة يناير 2011، كانت ليبيا تعد أول شريك اقتصادي عربي وإفريقي لتونس بتبادل تجاري سنوي بينهما تربو قيمته إلى ملياري دولار، وتشمل الصادرات التونسية إلى ليبيا النسيج ومواد البناء والمنتجات الزراعية والصناعية، وأصيب نشاط عديد من المؤسسات الاقتصادية التونسية “بشلل تام” بسبب الظروف الأمنية المتدهورة في ليبيا.
ويعود هذا التراجع في حجم التبادلات بين البلدين إلى الإغلاق المستمر للمعابر الحدودية الذي أدى إلى بطء وقلة حركة نقل البضائع، والتهديدات الإرهابية على طول الطريق الرابط بين تونس وطرابلس، والانخفاض الشديد للقدرة الشرائية للمواطنين الليبيين الذين أنهكتهم الأزمة الاقتصادية نتيجة انعدام السيولة وتراجع سعر صرف الدينار الليبي، حسب عديد من الخبراء.
الإغلاقاتُ المتكررة للمعبرين الحدوديين بين البلدين يفاقم الأزمة
تسببت الإغلاقات المتكررة من الجانبين للمعبرين الحدوديين الرئيسين (رأس أجدير وذهيبة) بين تونس وليبيا، إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التونسية خاصة في مناطق الجنوب، وتوجد بوابتان حدوديتان بين تونس وليبيا، الأولى هي معبر رأس جدير، يقع في مدينة بنقردان، التابعة لمحافظة مدنين، والثاني هو معبر ذهيبة – وازن، يقع في مدينة ذهيبة، التابعة لمحافظة تطاوين.
وتعد ليبيا الرئة الاقتصادية الوحيدة لمدينة بن قردان التونسية التي يقطنها 60 ألف شخص يعيش أغلبهم على التجارة مع ليبيا، وتعتبر مدينة بنقردان أقرب نقطة تونسية إلى رأس جدير إذ تبعد عنه نحو 70 كلم. أما في الجانب الليبي فتعتبر مدينة أبو كماش أقرب نقطة من رأس جدير وتبعد عنه 20 كلم.
ارتفاع نسق التجارة الموازية نتيجة غلق المعابر الحدودية
ويعد المعبر الحدودي “رأس جدير”، البوابة الرئيسية المشتركة بين البلدين نظرًا لدوره الكبير في تنشيط الحركة التجارية، ويقع معبر رأس جدير في أقصى الجنوب الشرقي التونسي على بعد 597 كلم عن تونس العاصمة، و175 كلم عن العاصمة الليبية طرابلس، و100 كلم عن صبراتة.
وتبادل الجانبان الليبي والتونسي إغلاق المعبر لفترات متفاوتة خلال السنوات الأخيرة، لأسباب تتعلق بالأمن والاضطرابات المستمرة في ليبيا، وكان لإغلاق الحدود في الفترات الماضية تداعيات سلبية على الاقتصاد المحلي لمنطقة الجنوب الشرقي في تونس التي تعتمد إلى حد بعيد على التجارة مع ليبيا.
ويغلق أهالي مدينة بنقردان التونسية، حاليًا، الطريق المؤدي إلى معبر “رأس جدير” الحدودي بين البلدين منذ قرابة الشهر احتجاجًا على ما يقولون إنه “تضييقات” من الجانب الليبي، ويطالب المعتصمون بضمان حسن التعامل مع التجار التونسيين على الجانب الليبي من المعبر، وإلغاء ضريبة الـ30 دينارًا (نحو 13 دولارًا) التي يفرضها الجانب الليبي على السيارات التونسية، بالإضافة إلى عودة انسياب البضائع بإجراءات واضحة في مقدمتها توحيد الضرائب على السلع المارة والتي تتغير قيمتها كلما تبدل المشرف على المعبر.
ساهم التدهور الأمني في ليبيا في انتعاش تجارة البضائع والسلع وتهريب المحروقات والسجائر والذهب، وخدمات تبديل العملات بطريقة غير القانونية
غلق الممرات الحدودية المتبادل بين البلدين أدى إلى ارتفاع وتيرة الاقتصاد الموازي والتهريب، وبيّن البنك الدولي أن تهريب البنزين من ليبيا نحو تونس أدى إلى خسارة 500 مليون لتر سنويًا ما يعادل 17% ما تسبب بخسارة للبلدين، على مستوى الميزانية في ليبيا وعلى مستوى المداخيل الجبائية لتونس، وكانت ليبيا تمد تونس بأكثر من 25% من احتياجاتها من الوقود، بأسعار تفضيلية.
وساهم التدهور الأمني في ليبيا في انتعاش تجارة البضائع والسلع وتهريب المحروقات والسجائر والذهب، وخدمات تبديل العملات بطريقة غير القانونية، في مدن الجنوب التونسي حيث تتراجع التنمية وترتفع البطالة.
وتبلغ نسبة التجارة الموازية من الاقتصاد التونسي 35%، حسب دراسة أعدها مركز جسور للسياسات العمومية، بعنوان “الاقتصاد الموازي في تونس” وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالمعدل العالمي الذي يناهز 15%.