في الوقت الذي لم تؤكد فيه سلطة عُمان القرار، أفادت وكالة الأنباء السعودية أمس الأربعاء أن السلطنة قررت الانضمام للتحالف العسكري الإسلامي بقيادة السعودية لمحاربة الإرهاب. فحسبما ذكرت الوكالة الرسمية أن ولي ولي العهد السعودي تلقى رسالة من الوزير المسؤول عن شؤون الدفاع في سلطنة عمان، بدر بن سعيد البوسعيدي، تتضمن انضمام السلطنة للتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب.
فهل تخلت سلطنة عُمان عن محاولة حيادها بين معسكري السعودية وإيران بالفعل، وقررت أخيرًا الدخول في حلف السعودية، لتصبح بذلك الدولة الـ41 في هذا التحالف؟
علاقة قوية مع إيران منذ أمد بعيد
رغم كونها عضوًا في مجلس التعاون الخليجي، تميزت عُمان منذ نحو 40 عامًا بعلاقات حسنة مع إيران. وبقيت مسقط تتبنى مواقف محايدة وأحيانا مخالفة للإجماع الخليجي في عدد من القضايا الإقليمية، من دون أن تتخلى عن حرصها على ما أسمته دائمًا “نبذ الصدام وإبقاء باب الحوار مفتوحًا مع جميع الأطراف”.
السلطان قابوس وروحاني
فسلطنة عُمان والتي تربطها بإيران علاقات قديمة امتازت بصورة أساسية ببناء إطار من التعاون، تعزز بعد تولي السلطان قابوس بن سعيد الحكم في العام 1970. حيث ساهمت إيران تحت حكم الشاه مع دول أخرى في دعم السلطان قابوس لمواجهة ثورة ظفار، في وقت كان فيه الثوار العُمانيون المناهضون لحكم آل تيمور يتلقون تدريباتهم في دول عربية للإطاحة بالسلطان الجديد.
حافظت السلطنة على علاقات متينة بإيران بعد انتصار ثورة الخميني مطلع الثمانينيات
ويقول مراقبون أنه منذ ذلك الحين، عرفت عمان كيف ترد الجميل للإيرانيين، من خلال مطالباتها المتكررة لبناء علاقات استراتيجية بين إيران والدول الخليجية، ودعوات كثيرة وجهتها منذ سبعينيات القرن العشرين لعقد محادثات بهذا الخصوص وصولا لتطبيع العلاقات بين الطرفين.
وفي الوقت الذي لم تلقَ هذه الدعوات استحسانًا من الخليج، حافظت السلطنة على علاقات متينة بإيران بعد انتصار ثورة الخميني مطلع الثمانينيات، حتى أن هذه العلاقات الوطيدة استمرت حتى بعد اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية، حين رفضت عُمان السماح للعراق بمهاجمة إيران من أراضيها، رغم الانحياز العربي الكبير ودعم الدول الخليجية للعراق.
حاولت عُمان لعب دور الوسيط دائمًا بين السعودية وإيران
وفي الجانب الاقتصادي، تقول تقديرات إعلامية خليجية إن قيمة التبادل التجاري بين إيران وعُمان منذ تلك السنوات، كان يصل إلى مليار دولار سنويًا. كما تشير أرقام رسمية عُمانية إلى أن التبادل التجاري بين البلدين فيما يتعلق بالصادرات غير النفطية العمانية والمتعلقة بالقطاع الخاص لإيران بلغت في 2013 ما قيمته 884.5 ألف دولار، بزيادة وصلت إلى 4.9% عن العام الذي سبقه.
هل تعاود السلطنة التغريد مع السرب؟
يقول محللون إن الانضمام المتأخر لسلطنة عُمان التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، يوم أمس، والذي أعلنت السعودية عن تأسيسه ديسمبر/كانون الأول الماضي، وإن جاء متأخرًا، فإنه يكمل سلسلة التعاون والتناغم العسكري الأمني بين دول مجلس التعاون الخليجي، والذي لطالما شذّت عنه السلطنة في كثير من الأحيان، خصيصًا في القضايا التي تتعلق بالعلاقات مع إيران، التي لم تكن السلطنة دائما على وفاق سياسي مع دول المجلس حولها.
تاريخ هذا النهج السياسي ليس بجديد على عُمان، إذ يعتبر العُمانيون أن طبيعة الوضع ببلادهم مختلف عن أوضاع بلدان الخليج، إذ أن وجود تعددية عقائدية، دينية ومذهبية فيها، يحتم عليها بناء علاقات متوازنة إقليميًا، وهذه السياسة التي عُرُف بها السلطان قابوس منذ الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي.
وفي نظر النظام العماني فأن إقامة علاقات مع إيران قد يعود بفائدة عليها وعلى المنطقة، كما أن الوضع سيكون طبيعيًا في هذه العلاقة التي هي أشبه باحتواء لقوة صاعدة كإيران، بحيث لا يكون هناك نوع من العدائية تجاهها، لأن العداء يؤدي إلى خسارات أكبر في تقديرها، على عكس شقيقاتها من دول الخليج.
محللون: قرار انضمام سلطنة عمان اليوم إلى دول التحالف الإسلامي هو عودة للتغريد مع السرب الخليجي
ويرى محللون علاقات عُمان مع إيران أو روسيا كان تغريدًا خارج السرب الخليجي، ألا أنها بقيت في بعض الأحيان تلعب دور الوسيط بين إيران والمملكة العربية السعودية. حيث بقيت أقل ارتباطا بالمشاكل خارج أو داخل مجلس التعاون الخليجي، كما أنها كانت أقل تشددًا في الخلافات في مجلس التعاون.
وكان محللون سعوديون فسروا زيارة الملك سلمان لدول الخليج مؤخرًا – والتي لم تشمل سلطنة عمان- بأنها احتجاج على المواقف السياسية العمانية، والتي لطالما كانت تغرد خارج السرب الخليجي.
لكن قرار انضمام سلطنة عمان اليوم إلى دول التحالف الإسلامي هو عودة للتغريد مع السرب الخليجي، حيث يرى السعوديون أن لهذه العودة إضافة استراتيجية كبيرة لدول التحالف وللسعودية على وجه الخصوص.
حيث نقلت رويترز عن مصدر سعودي قوله إن “سلطنة عمان كانت تتخذ دائما مواقف مغايرة للمواقف الخليجية تجاه قضايا المنطقة، هذا يدل على عودة سلطنة عمان للإجماع الخليجي المضاد لإيران وللمواقف السياسية الموحدة لدول الخليج العربي عمومًا”.
الملك سلمان والسلطان قابوس (أرشيفية)
سلطنة عمان والتي قامت مسبقًا بالعديد من المناورات العسكرية مع دول الخليج، وبالأخص السعودية، يقول السعوديون إن عودتها للبيت الخليجي يدلل على أن لديها حرص كبير على وحدة الصف الخليجي أمام التحديات الكبيرة التي تمر بها المنطقة.
ويرى محللون سعوديون أن خطوة مسقط أقلقت طهران بكل تأكيد، التي كانت تحاول بشتى الطرق أن تقنع السلطنة بشكل مباشر وغير مباشر بالابتعاد عمقها الاستراتيجي المتمثل في دول الخليج. حيث اعتبر محللون أن دول الخليج بلا استثناء، ستكون أقوى اليوم أكثر من أي وقت مضى، وهي الآن قادرة على الحفاظ على أمنها واستقرارها ومكتسباتها من خلال وحدتها كاملة، وعودة عُمان للحضن الخليجي.