هل سيكون قمع الحريات الدينية سمة إدارة ترامب؟

ترجمة وتحرير نون بوست
ساعد الناخبون المتدينون دونالد ترامب على الفوز بالبيت الأبيض، حيث تشير استطلاعات الرأي أن 81 في المائة من الإنجيليين و60 في المائة من الكاثوليك البيض فضلوا انتخاب ترامب. كما أن ناخبي ترامب هم أولئك الذين صرحوا أنهم قد يحضرون القداس أسبوعيا أو شهريا، على عكس ناخبي هيلاري كلينتون.
في حين أن الأمريكيين لهم العديد من الأسباب المختلفة لدعم ترامب، فإن مؤسس “فوكس أون ذا فاميلي”، جيمس دوبسن قال إن “المشكلة الأهم” بالنسبة للقساوسة الإنجيليين الذي التقوا بترامب هذا الصيف “هي الحرية الدينية، أكثر من أي شيء آخر”، وذلك وفقا لما أشارت له مسودّة هذا الاجتماع. وأضاف دوبسن أن “كل المشاكل الأخرى مرتبطة بهذه المشكلة… نحن نخسر حريتنا الدينية”.
لكن غيرهم من الأمريكيين، خاصة أولئك الذين ليسوا من البيض أو محافظين أو مسيحيين، لهم مخاوف أخرى فيما يتعلق بالحرية الدينية. أما الأقليات، بما في ذلك المسلمين واليهود، فقد أعربوا عن مخاوفهم إزاء مظاهر التمييز والعنف، بالإضافة إلى خطاب الكره المُوجه ضدهم. وفي ها الصدد، يقول العديد منهم إن خطاب ترامب في الحملة الانتخابية زاد الوضع سوءًا.
والدليل على ذلك هو ما حصل بعد الانتخابات، حيث انتشرت رسومات لصلبان معقوفة في الأماكن العامة، ناهيك عن العداوة التي يمارسها ناخبو ترامب ضد الأقليات. أما الآخرون، بما في ذلك المثليين والمتحولين جنسيا، فإنهم يرون أن جهود المسيحيين المحافظين للفوز بأكبر قدر من الحرية هي وسيلة لتقويض حريات الأقليات.
وبداية من سنة 2017، ستتناول إدارة ترامب، المدعومة من قبل الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، المسائل المتعقلة بالحرية الدينية في الفروع الثلاثة للحكومة. كما ستكون كل مسألة مثقلة بصراع جوهري: مطالب بعض الفئات قد تعني الحد من حقوق الآخرين.
ومن المرجح أن تستمر المجالس التشريعية للولايات في مواجهة قضايا متعلقة بالحرية الدينية، بما في ذلك مشاريع القوانين المتعلقة بحقوق المثليين، والقيود المفروضة على الإجهاض وغيرها. أما على المستوى الفيديرالي، فإن الكثير سيتوقف على من سيُعَيّن، وحتى التغييرات الأساسية فقد تستغرق وقتا طويلا.
نظرنا لأولئك الذين صوتوا لصالح الرئيس المنتخب دونالد ترامب، سواء كانوا إنجيليين أو كاثوليك، فإن القضية الأهم هي المحكمة العليا
وفي هذا السياق، قالت المديرة التنفيذية لصندوق “بيكيت” للحرية الدينية، كريستينا أرياغا، إنه “لا يوجد حل سحري يمكن للإدارة الجديدة أن تستخدمه لإيجاد حل لكل قضايا الحرية الدينية”. وبغض النظر عما يحدث، يبدو واضحا أن الصراع حول الحرية الدينية والتمييز سيكون أساس بعض أكبر المعارك والتحولات السياسية على مدار العامين المقبلين. وما هو جليّ أيضا، هو أن الحرية الدينية لن تكون مجرد قضية للمحافظين المسيحيين البيض الذي صوتوا لترامب.
وبينما من المستحيل وضع قائمة شاملة لكل سؤال متعلق بالحرية الدينية، ولأن كل سؤال ينتظر إجابة على مستوى الولايات أو الحكومة الفيدرالية، إليكم مجموعة من أهم المجالات التي قد تكون محلّ صراع وتغيير.
إن الأقليات الدينية، وتحديدا المسلمين، تخشى من أن يفرض ترامب مزيدا من القيود على ممارساتهم الدينية، حيث قالت الرئيسة والمديرة التنفيذية لجمعية الدفاع عن حقوق المسلمين، فرحانة خيرا إنه “خلال الحملة الانتخابية، سمعنا أن ترامب كان يدعو لعدّة أشياء على غرار إنشاء سجل وطني للمسلمين، وفرض حظر على دخول المسلمين للولايات المتحدة. أما بعد الانتخابات، فقد شاهدنا بعض ردود الفعل المثيرة للقلق من قبل الأشخاص والأفكار التي يحيط بها نفسه”.
من جهة أخرى، استشهدت خيرا بما فعله عضو الكونغرس عن ولاية نيويورك بيتر كينغ، حيث دعا ترامب إلى تنفيذ برنامج مراقبة خاص بالمساجد، على غرار مبادرة شرطة نيويورك التي توقف مؤخرا العمل بها. كما تحدثت خيرا، أيضا، عن المسؤول المحلى في ولاية كانساس، كريس كوباش، الذي اقترح فرض حظر تام على اللاجئين السوريين، وتجديد نظام التتبع للمسلمين القادمين إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى اقتراحه قائمة من الأسئلة حول “الأجانب الخطرين”، بما في ذلك ما إذا كانوا يؤمنون بالشريعة الإسلامية.
في المقابل، أفادت خيرا أنه على الرغم من أن المحكمة قضت بأن ما تقوم به شرطة نيويورك هو أمر غير قانوني إلا أنه “من المحتمل أن تحاول الحكومة الفيدرالية إرساء برنامج مراقبةٍ مشابهٍ لبرنامج شرطة نيويورك”.
إن تعيينات القضاة، التي يقوم بها الرئيس ويوافق عليها مجلس الشيوخ، هي وسيلة مباشرة يمكن أن يؤثر ترامب من خلالها على قضايا الحرية الدينية المثيرة للجدلال
وفي الحقيقة، ستكون المحاكم عاملا حاسما في قضايا الحرية الدينية سنة 2017، فعندما يتولى ترامب الرئاسة، سيتولى مهمة تعيين قاضٍ للمحكمة العليا، ليحل محل أنتونين سكاليا، الذي توفي في شهر شباط/فبراير سنة 2016. وقد يتمكن ترامب من تعيين قضاة آخرين في الأربع سنوات المقبلة. ففي يوم الانتخابات الذي سيُعقد سنة 2020، سيبلغ عمر “روث بادر غينسبورغ” 87 سنة، وسيبلغ “أنتوني كينيدي” 84 سنة وسيُصبح عمر “ستيفن براير” 82 سنة.
ومن جهتها، قالت كيلي شاكلفورد، الرئيسة والمديرة التنفيذية لمعهد “ليبرتي فورست” الذي يدافع عن القضايا المتعلقة بالحرية الدينية، إنه إن “نظرنا لأولئك الذين صوتوا لصالح الرئيس المنتخب دونالد ترامب، سواء كانوا إنجيليين أو كاثوليك، فإن القضية الأهم هي المحكمة العليا”. وعلى الرغم من أنه قد يصعب التحقّق من هذا الأمر، إلا إن استطلاعات الرأي أشارت إلى أن الحرية الدينية هي من بين المواضيع التي يناقشها رجال الدين. كما كشفت شاكلفورد أن المحكمة العليا تُعتبر قضية رئيسية بالنسبة لغالبية أنصار ترامب.
وعلى الرغم من أن تعيينات المحكمة العليا تُعد أسهل الطرق لتشكيل النظام القضائي، إلا أنه “هناك 100 مقعد قضائي في انتظار التعيينات، التي سيكون لها تأثير كبير على قضايا الدستور والحرية الدينية”، وذلك وفقا لما جاء على لسان شاكلفورد.
إن تعيينات القضاة، التي يقوم بها الرئيس ويوافق عليها مجلس الشيوخ، هي وسيلة مباشرة يمكن أن يؤثر ترامب من خلالها على قضايا الحرية الدينية المثيرة للجدل التي سيتم النظر فيها من قبل المحكمة العليا. بالإضافة إلى ذلك، فإن قضاة ترامب سيلعبون دورًا في حل بعض القضايا العالقة، بما في ذلك تداعيات قانون الرعاية الصحية ومتطلباته، وتغطية مصاريف أدوية منع الحمل، وعلاج المرضى المثليين.
وتجدر الإشارة إلى أنه سيكون لترامب أيضا فرصة للتأثير على المعارك القانونية من خلال الأوامر التنفيذية والتعيينات. أما بالنسبة لأوباما، فإن أكثر خطواته جرأة فيما يتعلق بالقضايا الدينية هي التي اتخذها من خلال العمل التنفيذي. ففي سنة 2014 على سبيل المثال، قضت إدارة أوباما بأن المتعهدين الفيدراليين لا يمكنهم التمييز في التوظيف على أساس التوجه الجنسي والهوية الجنسية.
وعلاوة على ذلك، استغلت العديد من الوزارات قانون الحقوق المدنية لسنة 1964 وتعديلات قانون التعليم لسنة 1972 لتقول إن القانون الفيدرالي يحمي المثليين الجنسيين من التمييز. ومن بين هذه الوزارات، وزارة العدل ووزارة التعليم، التي أرسلت رسالة الكترونية إلى المدارس في جميع أنحاء البلاد، تؤكد فيها على ضرورة حماية حقوق الطلاب المتحولين جنسيا، الأمر الذي أثار مخاوف بعض الجماعات الدينية بشأن العواقب المحتملة لهذا القرار.
وفي هذا السياق، قالت أرياغا إن “هذه القوانين كانت بمثابة تحايلٍ على العملية التشريعية العادية”. كما تؤمن أرياغا بأن إدارة أوباما فشلت في إرساء عملية وضع قواعد لعديد المبادرات المتعقلة ببعض الفئات الدينية. أما بعض القواعد الأخرى، مثل الإعفاء الديني في قانون الرعاية الصحية، جعلت الجماعات الدينية والحكومة غير راضين عن القانون، وأدت إلى سلسلة من الدعاوى القضائية.
من جهتها، قالت شاكلفورد إنه “من بين الأشياء التي يمكن أن يقولها رئيس هي ‘أنا المسؤول عن الصحة وعن الخدمات الإنسانية’، فذلك يعدّ مثالا على خطوة تنفيذية واضحة وبسيطة وفورية، يمكن أن يكون لها تأثير كبير جدا على الحرية الدينية”.
أعلن اتحاد الحريات المدنية الأمريكي أن المسيحيين الذين يعارضون زواج المثليين يمثلون تهديدا لحقوق المثليين والمتحولين جنسيا
من جانب آخر، عندما يتولى القضاة الجدد السلطة التنفيذية، فإنه بإمكانهم اختيار أو مراجعة بعض التفسيرات التي اعتمدتها بعض الوزارات. كما سيكون بإمكانهم أيضا اختيار كيفية فرض بعض القواعد الحالية.
في المقابل، سيكون لترامب والجمهوريين بصفة عامة، نافذة صغيرة من الفرص لجعل سياساتهم دائمة وذلك قبل إجراء الانتخابات النصفية، الأمر الذي تحدثت عنه أرياغا قائلة “نحن نأمل أن تحدث التغييرات في الكونغرس، عوض أن تكون نابعة من أمر تنفيذي حيث نعتقد أن ذلك سيكون أكثر أمنًا”. وهذا صحيح جزئيا لأن إجراءات الكونغرس لا يمكن تغييرها بسهولة من قبل الإدارة المقبلة.
من جهة أخرى، بدأ الكونغرس في النظر في مشاريع القوانين المتعلقة بالحرية الدينية لسنة 2017. وتتركز بعض هذه المشاريع على إرساء إعفاءات دينية لبعض القوانين الحالية حيث قالت نائبة مدير الشؤون القانونية في الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، لويز ميلينج، “نحن نؤمن أن قضية الإعفاءات الدينية ليست إلا خطة بديلة لتعطيل التقدم فيما يتعلق بمسألة المساواة. أما الخطة الرئيسية فتتمثل في منع إحداث تغيير ومنع الاعتراف بزواج المثليين، وحظر قوانين التمييز الجنسي، فضلا عن منع تحقيق تقدم فيما يتعلق بالإجهاض بالنسبة للنساء والمتحولين جنسيا. وعندما تفشل الخطة الرئيسية، سيتم اللجوء للخطة البديلة”.
على المستوى الفيدرالي، تعالت الأصوات حول الإعفاءات الدينية، لكن في سياقات مختلفة. ففي أوائل كانون الأول/ديسمبر، أصدر الكونغرس قانون تفويض الدفاع الوطني بعد أشهر من النقاش الذي دار حول ورود بند إعفاء ديني. هذا التعديل، الذي عرف باسم “تعديل راسل”، تيمّنا باسم عضو الكونغرس الجمهوري ستيف راسل كان سيكون كفيلا بإعفاء بعض المتعهدين من الامتثال للأمر التنفيذي لأوباما الذي يتعلق بالتمييز الجنسي. وعلى الرغم من أن هذا الإجراء فشل هذه السنة، إلا أنه قد يعود في الدورات المقبلة.
كما من المتوقع أيضا، أن يعيد الكونغرس النظر في قانون الدفاع الذي يمنع الحكومة الفيدرالية من حجب أو الحد أو إنهاء المنح أو تشغيل أشخاصٍ يؤمنون بأن الجنس يجب أن يتم حصره في إطار الزواج ولا يجب أن يكون إلا بين رجل واحد وامرأة واحدة.
أخيرا خلال الحملة الانتخابية، وعد ترامب بإلغاء تعديل كونسون، وهو قانون لسنة 1954 يمنع المنظمات المعفية من الضرائب، بما في ذلك الجماعات الدينية من المشاركة في الأنشطة السياسية.
إن كل هذه المقترحات، التي من المتوقع أن تضاف إليها مقترحات أخرى، تركز بشكل كبير على إيجاد حلول لهواجس المسيحيين المحافظين. لكن السؤال الذي يجب طرحه هو ما الذي سيفعله الكونغرس لحماية حقوق الفئات الدينية التي تواجه تمييزا شديدا، بما في ذلك المسلمين والسيخ؟. وفي هذا السياق، قالت أرياغا إن هناك “خطرا كبيرا يفرضه الجمهوريون على حرية التعبير، ففي نشوة فوزهم، قد لا يدافعون عن الحرية الدينية لكل الفئات”. أما على مستوى الولايات وعلى المستوى المحلي، فإن تشريعات ونزاعات الحريات الدينية عديدة.
في حين أن العديد من الولايات لديها قوانين أو أحكام دستورية على غرار قانون “استعادة الحرية الدينية”، فإن بعض الولايات، بما في ذلك ولاية إنديانا، حاولت وضع تدابير أقوى خلال السنوات القليلة الماضية. في المقابل، يستعد اتحاد الحريات المدنية لمعارضة هذه التدابير ودعم حملة إعلامية طويلة الأمد مع دورات تدريبية للصحفيين.
بدأ الكونغرس في النظر في مشاريع القوانين المتعلقة بالحرية الدينية لسنة 2017. وتتركز بعض هذه المشاريع على إرساء إعفاءات دينية لبعض القوانين الحالية
وفي الواقع، أبدى دعاة القانون، على جميع مستويات الحكومة، مخاوف من أن تكون مبادرات حماية بعض الفئات على حساب حماية حقوق فئات أخرى. ففي الخمس سنوات الماضية، اقترحت بعض الولايات قوانين مناهضة للشريعة، وذلك لمنع القضاة من النظر في قانون الشريعة عند اتخاذهم لقرارات، الأمر الذي تحدثت عنه خيرا قائلة إنهم “يستخدمون حجة وهمية، عندما يتحدثون عن الإسلام وعن الشريعة كتهديد، فهم يحاولون نشر فكرة أن السماح للمسلمين بممارسة ديانتهم يشكل تهديدا.”
من جهته، أعلن اتحاد الحريات المدنية الأمريكي أن المسيحيين الذين يعارضون زواج المثليين يمثلون تهديدا لحقوق المثليين والمتحولين جنسيا، حيث قالت ميلينج إنه “سيكون أمرا مهما أن تقاوم مثل هذه الحقوق سيكون أمرا مهما أن تقاوم التغييرات، وأن يتحدث الناس عن سبب أهميتها، كما سيكون أمرا مهما أيضا إن خسرنا في كل من الكونغرس، وعلى المستوى التنظيمي.”
بشكل عام، يبدو أن اتحاد الحريات المدنية أصبح يتخذ موقفا دفاعيا، فقد قالت ميلينج “سنراقب كل مرحلة، وسنتخذ إجراءات لنقول إن هذه الخطوة سيئة أو مؤذية، وسنقاوم التغيير، ونقيم فرصنا في التقاضي”. وتتوقع خيرا أيضا أن يكون هناك معارك مقبلة، حيث قالت “نحن ندخل مرحلة جديدة وصل فيها التعصب الديني إلى أسوأ مراحله، أعتقد أنه من الصعب بالنسبة لنا أن نتوقع الاقتراحات الغير معقولة والمناهضة للديمقراطية التي قد يفكر فيها البعض”.
في المقابل، ترى شاكلفورد أن التغييرات المحتملة يمكن أن تكون فرصة إيجابية. ففي عهد أوباما على سبيل المثال، مُنع المشغلون الذين رفضوا تشغيل مثليين جنسيين من التعاقد مع الحكومة، الأمر الذي قالت شاكلفورد إنها تريده أن يتغير.
المصدر: صحيفة الأتلانتيك