أصبح التحذير من خطر الجلوس على الكراسي هو أحد التيمات الأساسية في أفلام الديستوبيا والخيال العلمي التي تحذر من المستقبل المظلم للجنس البشري، ودائما ما يرسم الفيلم صورة البشر بدناء جالسين على الكراسي غير قادرين على الحركة يعانون من الامراض والآلام المختلفة، وهذا ما أصبح متحققًا كثيرا في العصر الحالي، فمنذ بضعة عقود كانت غالبية الأعمال تتطلب مجهودًا بدنيًا، ونسبة قليلة هي الاعمال الي لا تتطلب مجهودًا كبيرًا، أما في الوقت الحاضر أصبح أكثر من ثلثي الأعمال لا يتطلب منك أكثر من الجلوس على الكرسي وتحريك أصابعك، وأغلب الأعمال الشاقة التي كان يقوم بها الإنسان أصبحت تقوم بها الآلة. أما الوقت الذي لا يمارس فيه الإنسان عمله فإنه يقضيه في الجلوس أمام التلفزيون أو الكومبيوتر. ولكن هل الأمر حقًا بهذا السوء؟
“لو جعلت رجل كهف يجلس على كرسي لمدة ثمان ساعات يوميًا فأنت تقريبا تقتله.”
مخاطر الجلوس على الكرسي
كل شيء في الجزء البشري إن لم تستخدمه فإنه يبدأ في الضعف في الضمور، فعلى سبيل المثال لو لم تتحرك على قدميك لفترة طويلة فتشعر بمرور الوقت أنك غير على الحركة أو ستواجه صعوبة في الأمر، وكذلك الامر عند الجلوس على الكرسي لفترة طويلة، فهؤلاء الذين يجلسون كل يوم في العمل على الكرسي لساعات طويلة يبدؤون في الشعور بآلام عديدة في الظهر والرقبة والأكتاف وغيرها، وهذا لأن العضلات لا يتم استخدامها بالشكل الكافي الذي يبقيها على حيويتها، ولكن في نفس الوقت انت تتحرك بالمقدار الكافي فقط لكي لا يسمح للخلايا بالضمور (أو الموت!) كما أن الجلوس الطويل على الكرسي يزيد من الإحساس بالإرهاق، وستلاحظ الفرق لو قمت ببعض التمرينات الخفيفة بين فترات جلوسك وستجد أن إحساسك بالإرهاق أصبح أقل.
بالإضافة لمشاكل الظهر والرقبة وآلام المفاصل فإن الأبحاث والدراسات العلمية أظهرت وجود علاقة بين الجلوس لفترات طويلة على الكرسي والاصابة بأمراض مثل السمنة والسكر والسرطان! فعند الجلوس لفترات طويلة فإن الدورة الدموية تصبح أبطأ وتحرق العضلات سعرات حرارية أقل مما يردي لتراكم الدهون حول القلب، فهؤلاء الذين يجلسون أكثر من عشر ساعات في اليوم عرضة للإصابة بالأزمات القلبية أكثر من هؤلاء الذين يجلسون خمسة ساعات أو أقل. أيضا تتأثر قدرة جسدك على الاستجابة للأنسولين فيقوم البنكرياس بإنتاج كميات متضاعفة من الأنسولين مما يؤدي للإصابة بمرض السكر. كما أن الدماغ يحصل على كميات أقل من الأكسجين والدم النقي، مما يؤدي إلى التباطؤ في عمل المخ. كل هذا بجانب مشاكل الهضم وآلام الظهر والرقبة والاكتاف والأقدام وغيرها من الآلام التي تصيب الجسد عند الجلوس لفترات طويلة.
كيف أتخلص من كل ذلك؟
التمرينات يجب أن تكون جزء أساسي من نظام حياة الانسان اليومي وجميع الخبراء والأطباء ينصحون بممارسة العديد من التمرينات الرياضية مثل المشي والجري أو العديد من التمرينات الحركية الأخرى ولكن التمرينات وحدها ليست كافية لعكس التأثير السلبي للجلوس فترات طويلة على الكرسي، وأظهرت الدراسات أن التمرين لمدة 20 دقيقة مفيد بنفس المقدار الذي يعادل ضرر الجلوس على كرسي لمدة ساعتين، أي أنك قد لا تستطيع التمرين فترة كافية لعكس تأثير الجلوس فترات طويلة.
أول خطوة هي التقليل من فترات جلوسك الطويلة على الكرسي، وأن تدخل بعض الأعمال التي تتطلب الحركة في روتينك اليومي، فإن كان عملك يتطلب منك الجلوس فحاول أن تدخل بعض التغييرات في عملك ستحدث فارقًا، على سبيل المثال أن تستخدم السلم بدلًا من المصعد، أن تغادر مكتبك وتسير قليلا للتحدث مع زميلك في العمل بدلًا من إرسال إيميل له، قم بركن سيارتك بعيدًا عن مدخل الشركة كي تضطر للمشي قليلًا.
يمكنك إعادة تنسيق مكتبك بشكل يتطلب منك الحركة بعض الشيء، أو لتحتاج للوقوف كي تصل إلى بعض الملفات، أو الهاتف، أو الطابعة، لا تجعل كل شيء في متناول يدك وأنت جالس. كما عليك أن تذكر نفسك بالمشي 10 دقائق كل ساعة، والحركة قليلا حول المكتب.
كما أن الجلوس في حد ذاته يجب أن يراعي فيه الإنسان الجلوس بطريقة صحيحة، فيجب أن يجلس بشكل مستقيم بحيث تكون رأسه ورقبته بمحاذاة كتفه، وألا ينحني كثيرًا للأمام، ولا يثني ظهره، وهناك العديد من الأوضاع التي تسمح للإنسان بالجلوس بشكل مريح لتجم ألام الظهر والرقبة والمفاصل، وهناك أيضا بعض الكراسي التي تسمح للإنسان بالجلوس بوضعية مريحة، ولكنها تكون في المعتاد أغلى من الكراسي العادية، إلا أن الامر يستحق ثمنه.
وبالنهاية تذكر دومًا أن الجلوس يجب أن يكون خيارك الأخير، طالما أنه لا يوجد لديك داعي للجلوس فلتحرص على الوقوف أو الحركة، فلتنخرط في بعض النشاطات اليومية إن لم تجد ما يشغل وقتك غير الجلوس، وتذكر دومًا أن الجلوس ساكنًا ليست هي الطريقة الصحيحة للحياة.