تظهر عديد المؤشرات في المغرب إلى إمكانية عدم بقاء، الأمين العام لحزب الاستقلال حمدي شباط، في منصبه إلى غاية مؤتمر الحزب في ربيع السنة القادمة، خاصة بعد الأزمة الحادة التي أحدثتها تصريحاته الأخيرة بشأن موريتانيا.
إمكانية الإطاحة بشباط
تسعى مجموعة من قيادات الصف الأول لحزب الاستقلال المغربي، الإطاحة بالأمين العام للحزب حميد شباط، إثر التصريحات التي تحدثت عن أن “موريتانيا أرض مغربية”، والتي عدتها هذه القيادات تصريحات ” “شخصية” و”غير مسؤولة” ولا تمثل التوجه العام للحزب.
وأشارت المجموعة في بيان لها أمس، إلى أن تصريحات شباط “أدت إلى أزمة كادت تعصف بكل ما بذله المغرب وموريتانيا عبر تاريخهما لتسود روح الأخوة الصادقة وبناء مستقبل البلدين”، قبل أن تشير إلى أن هذه التصريحات “تلزمنا اليوم كاستقلاليين الوقوف مع الذات والقيام بنقد ذاتي علني وصريح من أجل إرجاع الأمور إلى نصابها وعودة الحزب إلى مساره الحقيقي”.
وقالت المجموعة التي تضم نحو 40 من الأعضاء القياديين في اللجنة التنفيذية للحزب، إن شباط “أثبت أنه غير مؤهل ولا قادر على مواصلة تحمل مسؤولية الأمانة العامة لحزب الاستقلال”. وتضم المجموعة التي وقعت على البيان، الأمينين العامين السابقان للحزب امحمد بوستة وعباس الفاسي، ونحو 40 من الأعضاء القياديين من اللجنة التنفيذية السابقين والحاليين ومسؤولين حزبيين آخرين.
قالت القيادية في الحزب، ياسمينة بادو، إن شباط لطخ صورة حزب الاستقلال من خلال التصريحات التي هاجم من خلالها موريتانيا
من جهته قال، كريم غلاب، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، تعقيبا على تصريحات شباط، “حميد شباط كان مستفزا في تصريحاته أمام مجلس الاتحاد العام للشغالين بالمغرب”. وأضاف غلاب، في تصريح لموقع “أحداث أنفو”: “اللغة التي استعملها شباط كانت واضحة بما يدل على أنه كان يقصد حدود الجمهورية الإسلامية الموريتانية حاليا، على عكس ما تم الترويج له من كون الخطاب كان سياقا تاريخيا”. وزاد غلاب قائلا: “الصورة التي رسمها الأمين العام لحزب الاستقلال توحي بأن له حنين ونزعة توسعية على حساب دولة شقيقة وجارة”.
بدورها، قالت القيادية في الحزب، ياسمينة بادو، إن شباط لطخ صورة حزب الاستقلال من خلال التصريحات التي هاجم من خلالها موريتانيا. وأضافت بادو، في تصريح صحافي، “لا نتضامن معه.. والساعات القادمة ستبرز المبادرات التي سيتم اتخاذها كي يعود الاستقلال حزبا رصيا ومعتدلا”.
قدم حزب الاستقلال اعتذارا رسميا لموريتانيا، على تصريحات زعيمه، حميد شباط، قال فيها إن موريتانيا كانت مغربية
في مقابل ذلك، قرّر حزب الاستقلال عقد دورة استثنائية، يوم غد السبت لمتابعة تداعيات، تصريحات شباط. وأفادت تقارير اعلامية، اتجاه الأمين العام للحزب حميد شباط، نحو طرد كل من توفيق حجيرة، وكريم غلاب، وياسمينة بادو، من الحزب الاستقلال، من خلال إقالة الأول من رئاسة المجلس الوطني للحزب، وتجريد الآخرين من عضوية اللجنة التنفيذية، وذلك بعد خروجهم لانتقاد تصريحاته حول الوحدة الترابية لموريتانيا بعد أن وافقوا على مضمون بلاغه للرد على وزارة الخارجية.
في سياق أخر، قدم حزب الاستقلال اعتذارا رسميا لموريتانيا، على تصريحات زعيمه، حميد شباط، قال فيها إن موريتانيا كانت مغربية. وأوضح الاعتذار أن «الأمين العام للحزب كان بصدد الحديث عن سياق تاريخي مضى وولى، وموقف حزب الاستقلال من موريتانيا الشقيقة هو بالضبط ما أكده العاهل المغربي محمد السادس للرئيس الموريتاني محمد عبد العزيز في الاتصال الأخير بينهما». وقال حميد شباط يوم السبت الماضي إن «الانفصال الذي وقع عام 1959 خلق مشاكل للمغرب، ومن ذلك تأسيس دولة موريتانيا، رغم أن هذه الأراضي تبقى مغربية، وأن كل المؤرخين يؤكدون على ذلك».
من هو حميد شباط؟
يعتبر حميد شباط (1947) من الشخصيات السياسية والنقابية الجدلية في المغرب المعاصر لخرجاته الاعلامية المثيرة وطريقة إدارته لحزبه، ويشغل، شباط، منصب الأمين العام لـ حزب الاستقلال المحافظ المنبثق عن الحركة الوطنية المغربية، منذ سنة 2012. وكاتب عام لنقابة الاتحاد العام للشغالين في المغرب، الجناح النقابي للحزب منذ سنة2009.
ولد شباط في منطقة قروية بقبيلة البرانس، في ضواحي مدينة تازة (وسط شرق المغرب. ونشأ في وسط قروي بسيط، لأب كان من أنصار حزب الاستقلال في المنطقة، ومنه تشبع بخط الحزب وتعرف على سيرة زعاماته، وبدأ نشاطه النقابي عام 1974، في مصنع لإنتاج الأسلحة تحول إلى صناعة الدراجات النارية، بعد أن التحقت به عقب حصوله على دبلوم من معهد فني.
يصوّره خصومه السياسيون كمثال للفساد السياسي، وكسياسي شعبوي متقلب المواقف
شغل وظائف حزبية ونقابية وبرلمانية وتمثيلية عديدة. انتخب عمدة لمدينة فاس يوم 23 سبتمبر 2003، وظل محتفظا بالمنصب حتى هزيمته في انتخابات سبتمبر2015. وحافظ على مقعده كبرلماني عن فاس منذ انتخابه أول مرة عام 1997، مرورا بـ 2002، ثم 2007 وصولا إلى الولاية الراهنة التي بدأت عام 2011.
يصوّره خصومه السياسيون كمثال للفساد السياسي، وكسياسي شعبوي متقلب المواقف، ذي تاريخ مشبوه بخوض حروب بالوكالة لصالح المخزن المغربي، على شاكلة الانقلاب الداخلي الذي قاده داخل نقابة الاتحاد العام للشغالين وحروبه السياسية، الظرفية، ضد حزبي العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي. في هذا الشأن يقول أنس بن ظريف في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ” شباط بطل لقصة فرانكنشتاين فاس. صنعته الدولة العميقة وجعلت منه مسخا سياسيا ووظفته لقتل كل شيئ جميل في السياسة. هذا المسخ السياسي اصبح غولا يهدد من صنعه. كقصة فرانكنشتاين شباط ينتحر سياسيا. ونهاية الدولة العميقة رهين بزيادة جرعة المطالبة بالاصلاحات واهما الان هي المحافظة على إستقلالية الأحزاب.”
ويراه أنصاره مثال للشخص “العصامي الناجح”. وترعرع شباط، تحت علال الفاسي، كغيره من الاستقلاليين، الذين لا يعترفون في مغلبهم باستقلال موريتانيا ولا بانتماء تندوف للجزائر. ونشر في هذا الصّدد محمد الخميسي صورة يؤكّد فيها دعمه لحمدي شباط.
تأثير تصريحات شباط على مشاورات الحكومة
تصريحات حميد شباط المثيرة، تلقفها معارضوها بسرعة مستغلينها في مشاوراتهم الحكومية مع حزب العدالة والتنمية. ويرى خبراء، أن تصريحات شباط وضعت بنكيران في موقف محرج، من ناحية “إقناع حزب الأحرار وبقية الأحزاب المعنية بالمشاورات، بإشراك حزب الاستقلال في التشكيلة الوزارية المقبلة”.
وأبدى بنكيران في الجولة الأولى للمشاورات تمسكه الشديد بحزب الاستقلال في تشكيلة الحكومة، في الوقت الذي يشترط فيه حزب التجمع الوطني للأحرار ألا يكون الاستقلال في الحكومة ليشارك فيها، وهو الموقف الذي سانده فيه حزب الحركة الشعبية.
وصرح زعيم حزب الأحرار عزيز أخنوش، عقب لقائه الثلاثاء الماضي بنكيران في إطار جولة جديدة من المفاوضات، بـ”أن بعض التصريحات تسيء إلى العلاقة بين المغرب وجيرانه”، في إشارة إلى تصريحات شباط. وعاد ليؤكد أن “أمثال هؤلاء لا يمكن العمل معهم داخل حكومة واحدة”.
زادت تصريحات شباط حول موريتانيا، قوت موقع عزيز أخنوش، الرئيس الجديد لحزب التجمع الوطني للأحرار
في نفس السياق انتقدت، الأمانة الدائمة للاتحاد العام للشغالين في المغرب التابعة لحزب الاستقلال بيان وزارة الخارجية المغربية في خصوص تصريحات الأمين العام لحزبهم، معتبرين أن البيان يمثّل هجوما “غير لائق” على شباط، ويدخل في سياق الضغوط التي تمارس على بن كيران لاستبعاد حزب الاستقلال من الحكومة التي يسعى لتشكيلها، منذ العاشر من اكتوبر الماضي.
وزادت تصريحات شباط حول موريتانيا، قوت موقع عزيز أخنوش، الرئيس الجديد لحزب التجمع الوطني للأحرار، التي وجدها فرصة سانحة للإبقاء على موقفه المتصلب من مشاركة الاستقلال. وتضع هذه التصريحات حزب العدالة والتنمية في موقف حرج في مشاوراته لتشكيل الحكومة الجديدة.