ترجمة وتحرير نون بوست
تعتبر عدة أطراف دولية معنية بمستقبل سوريا، إذ نجد الأوروبيين على الخط والروس في التنسيق بمشاركة حليفها الإيراني وبمساعدة تركية، لكن أين العرب؟ إنهم غائبون تمامًا.
إن العالم العربي على دراية كاملة بكل الأسباب التي أنتجت الأزمة السورية، لكن على الرغم من ذلك اختار عدم التدخل والحفاظ على مبدأ البقاء خارج اللعبة، والجدير بالذكر أنه خلال الأسبوع السابق اجتمع في موسكو، كل من الروس وحلفائهم الإيرانيين، والأتراك بغية تحديد ملامح المستقبل السوري، وجاء الاجتماع عشية استعادة النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين، لمدينة حلب.
وبالنسبة لروسيا، فهي تدرك جيدًا مدى أهمية هذا الانتصار العسكري وتأثيره على موازين القوى داخل المنطقة كلها، لذلك، قرر الكرملين اعتماد أسلوب “الطرق على الحديد وهو ساخن” من خلال جعل العالم الغربي خارج اللعبة نهائيًا، خاصة بعد رحيل باراك أوباما، الذي ستتبعه مواجهة تيريزا ماي لمخلفات خروج بريطانيا من اللتحاد الأوروبي.
أما الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، فأيامه أصبحت معدودة في قصر الإليزيه، من جهة أخرى تستعد أنجيلا ميركل لخوض غمار انتخابات تبدو صعبة عليها، وعمومًا، فإن هذه المؤشرات تؤكد أن الغرب خارج اللعبة الشرق أوسطية وروسيا سيدتها.
النظام “البوتيني” الجديد
ما النظام البوتيني الجديد الذي يريد الرئيس الروسي ترسيخه مستغلاً الصراع السوري الذي أصبح شبيهًا بالحرب العالمية الأولى من ناحية مدى تأثيره على دول الجوار؟
لقد أصبحت سوريا عبارة عن ساحة معركة كبرى ستعيد فرز الأوراق من جديد وستقلب الطاولة على عدة قوى إقليمية ودولية، وفي هذا السياق، علق وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، متحدثًا عن الخارطة الجيوسياسية الجديدة، في كلمة ألقاها يوم 20 من كانون الأول/ ديسمبر الماضي أمام وزراء الشؤون الخارجية ووزراء دفاع كل من روسيا وإيران وتركيا، قائلاً: “أفضل تصميم ترونه، هو الذي أمامكم الآن”.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاجتماع شهد حضور روسيا وإيران كمنتصرين وتركيا الباحثة عن حفظ ماء الوجه، مع غياب تام لأي ممثل أو مسؤول عربي حتى من نظام بشار الأسد.
من جانب آخر، يبدو العالم العربي على أبواب تقسيمات جيوسياسية جديدة، مما يؤكد أن معاهدة سايكس بيكو ستنقلب رأسًا على عقب، وتجدر الإشارة إلى أنه سبق وأن خططت تلك المعاهدة لتقسيم “الكعكة العربية” بين كل من باريس ولندن سنة 1916، أما روسيا فقد استبعدت نهائيًا بعد الثورة البلشفية.
ويجب الإشارة إلى أن إيران هي الوحيدة تقريبًا التي تشارك بقوات برية على ساحة المعركة في سوريا، لذلك فهي تعدّ حليفة مهمة جدًا وضرورية للنظام السوري من أجل استعادة الأحياء الشرقية لمدينة حلب، وتتكون القوات الإيرانية من ميليشيات شيعية من فيلق القدس والحرس الثوري وقوات النخبة ومسلحين شيعة قدموا من كل من العراق وأفغانستان وباكستان، وقع انتدابهم وتدريبهم في إيران، مع مشاركة فعالة من حزب الله الشيعي اللبناني الذي يقدم نفسه ككتيبة عربية منظمة عسكريًا.
من جهة أخرى، اتسمت العلاقة بين طهران والرياض بالتوتر في الفترة الأخيرة، كما هو الحال بالنسبة لحزب الله، بسبب إعدام المملكة لعالم الدين الشيعي نمر النمر منذ سنة تقريبًا وهو ما جعل من استدعاء الرياض إلى طاولة المفاوضات أمرًا مستبعدًا، لكن في الحقيقة، استدعاء السعودية للمفاوضات في إيران ليست هي المشكلة، بل تتلخص المشكلة أساسًا في مدى عدائية إيران للسنة وللعروبة ومدى تعصبها للقومية الفارسية وللمذهب الشيعي.
والجدير بالذكر أن إيران ترغب في استبعاد الرياض من المفاوضات كرسالة ضمنية للسعوديين بأن إيران لم تتأثر بالعقوبات الاقتصادية ولا بالعزلة الدولية التي فرضت عليها من قبل الأمريكيين والأوروبيين بسبب برنامجها النووي.
وفي المقابل، تطمح روسيا إلى تنظيم حوار مفتوح مع السعودية مستغلة مدى تأثيرها في السوق النفطية، رغم انتشار الأفكار الوهابية في منطقة القوقاز.
لكن بالنسبة لإيران، فإن الحوار مع العرب يعني الحوار مع الطوائف الشيعية فقط، بالإضافة إلى ذلك، تعلم إيران أن العداء السني ضدها ارتفع بعد تدخلها في حلب، خاصة أن حركة حماس أدارت ظهرها لإيران منذ بداية الحرب السورية.
اتفاق روسي تركي بعيدًا عن إيران
يحتاج بوتين لحليف سني قوي بعيدًا عن إيران الشيعية، لذلك قرر التقرب من تركيا باعتبارها قوة إقليمية وعسكرية وعضو في منظمة حلف الشمال الأطلسي، ومن جهتها، دعت تركيا لتأسيس منطقة آمنة داخل سوريا بهدف جمع اللاجئين فيها، مع العلم أن تركيا تستقبل قرابة 2.5 مليون لاجئ، ويتمثل هدف تركيا من خلال تركيز هذه المنطقة في قطع الطريق عن الطموحات الكردية لإعلان دولة مستقلة داخل سوريا مستغلة الوضع الحالي.
من جهته، ساهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بطريقة سرية في سقوط حلب في يد النظام، حينما أمر بإيقاف تمويل المعارضة بالأسلحة على أمل أن تتحول نسبة كبيرة منهم نحو المنطقة الآمنة التي يريد إنشاءها في سوريا، وبذلك، سيضمن لروسيا انسحاب جميع كتائب المعارضة المسلحة من حلب نهائيًا، والجدير بالذكر أن هذا الاتفاق التركي الروسي تم بعيدًا عن تدخل إيران.
وفي نفس السياق، تريد تركيا الحفاظ على النفس السني داخل الحرب السورية من خلال دعم المعارضة، والظهور في صورة الحليف الذي تمنحه موسكو الثقة، خاصة بعد حادثة مقتل السفير الروسي في أنقرة على يد شرطي تركي، ومن جهتها، ترى موسكو في تركيا حليفًا سنيًا جديًا في منطقة الشرق الأوسط بعيدًا عن الدول العربية.
وتأكيدًا لنواياه الحسنة تجاه التحالف مع تركيا السنية، لم يرفع بوتين “الفيتو” في وجه قرار الأمم المتحدة القاضي بإدانة سياسة الاستيطان الإسرائيلي التي اعتمدها ناتنياهو ضد الفلسطينيين.
المصدر: لوموند