ساعات قليلة ويسدل الستار عن عام 2016 الذي كان مليئًا بكل مظاهر وأشكال “القتل والتعذيب والتشريد” للفلسطينيين الموجودين داخل الأراضي السورية، فكان هذا العام بالنسبة لهم “جحيمًا” لن تُمحى أثاره القاسية على مدار سنوات قادمة.
فذاق فلسطينيو سوريا في هذا العام، على يد العصابات المسلحة والنظام السوري الحاكم، أشد أنواع العذاب والحرمان، فتكاد لم تسلم عائلة فلسطينية إلا وأصابها ما أصابها من يد الحقد والكره التي بطشت بهم وجعلت عامهم حزينًا عنوانه الرئيسي”الألم والجراح”.
أخطر التقارير والإحصائيات التي صدرت نهاية هذا العام، أشارت إلى أن الأجهزة الأمنية السورية تخفي وتحتجز جثامين أكثر من 456 لاجئًا فلسطينيًا استشهدوا تحت التعذيب في المعتقلات”.
قتل وتعذيب وسرقة للأعضاء
وتوضح مجموعة “العمل من أجل فلسطيني سوريا”، أن فريق التوثيق التابع لها استطاع رصد 456 لاجئًا فلسطينيًا استشهدوا تحت التعذيب، فيما يرجح أن تكون أعداد ضحايا التعذيب أكبر مما تم الإعلان عنه، وذلك بسبب غياب أي إحصاءات رسمية صادرة عن النظام السوري.
وأشارت إلى تخوف بعض أهالي المعتقلين والضحايا من الإفصاح عن تلك الحالات خوفًا من ردة فعل الأجهزة الأمنية في سورية.
حقوقيون وناشطون فلسطينيون، أشاروا إلى قضية إخفاء جثامين الضحايا الفلسطينيين في السجون السورية، معتبرين ذلك جريمة تضاف إلى جرائم النظام وأجهزته الأمنية، فلم يكتفِ بممارسة انتهاكاته بحق المعتقلين وقتلهم في سجونه، بل تعدى ذلك إلى إخفائه جثث الضحايا بشكل كامل والتكتم عليهم.
وشددوا على أن القوانين الدولية تمنع احتجاز أي جثمان إلا في حالة الخشية من السلب وسوء المعاملة، كما تنص اتفاقية “جنيف” الرابعة واتفاقية لاهاي ونظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية على اعتبار الاعتداء على كرامة الأحياء والأموات جريمة حرب.
وطالبوا بتدويل القضية ورفعها إلى المحاكم والمؤسسات الدولية والحقوقية وإجبار النظام على الكشف عن مصير المعتقلين الفلسطينيين في سجونه وتسليم جثامين من قضى منهم تحت التعذيب وإطلاق سراح المعتقلين.
ولعل الأخطر الذي عاشه فلسطينو سوريا هو ما كشف عنه نشطاء وحقوقيون، حين أكدوا وجود شهادات لمعتقلين مفرج عنهم وعناصر أمنية منشقة عن النظام، أن عناصر أمنية سورية وضباط في أفرع النظام ترتبط بشبكات لبيع “الأعضاء البشرية”.
وأفادوا أنه “يتم نقل جثث الفلسطينيين من الفرع 215 في المربع الأمني بكفر سوسة في دمشق، إلى مستشفى الأسد الجامعي، ويتم سرقة أعضاء من الذين تم تصفيتهم أو من ماتوا تحت التعذيب، ومن ثم تعود الجثث إلى مستشفى 601 العسكري في المزة لتُلقى في بركة مليئة بـ”الأسيد” أنشأها النظام في إحدى أقبية المستشفى”.
وهنا يؤكد الباحث والكاتب الفلسطيني السوري طارق حمود، وجود شبهات عن قيام جهات في النظام السوري بسرقة أعضاء الجثامين المحتجزة منذ 4 سنوات، إلا أن هذه المعلومات ما زالت غير مؤكدة.
وأشار حمود إلى أن التخوفات ازدادت منذ انتشار قصة الفتاة السورية التي تفاجأت بالتعرف على جثة أخيها في مختبر كلية الطب في أثناء محاضرة التشريح مؤخرًا.
صور تنقل بشاعة الجرائم
معاناة فلسطيني سوريا وما يجري لهم داخل السجون السورية، كُشفت على الملأ وفضحت النظام السوري، بعد نشر الأمم المتحدة لآلاف الصور المسرّبة لضحايا اعتُقلوا منذ اندلاع الانتفاضة السورية، وسقطوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري، مارس/ آذار 2015، فرصة للأهالي للتعرف على ذويهم المختطفين منذ فترات طويلة.
ووثّقت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” أسماء 39 لاجئًا ولاجئة تم التعرف على جثامينهم من خلال تلك الصور المسرّبة بعد التدقيق من ذويهم.
تجدر الإشارة إلى أن من بين ضحايا التعذيب من الفلسطينيين في السجون السورية، نساء وأطفال وكبار في السن، وتم التعرف على 77 ضحية من خلال الصور المسربة لضحايا التعذيب في السجون والمعروفة بصور “قيصر”.
ويعود مصدر الصور إلى مصوِّر انشق عن الشرطة العسكرية أُطلق عليه لقب (القيصر) لدواعٍ أمنية، وقام بتسريبها إلى الأمم المتحدة.
وهنا تؤدي مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصًا صفحات الفيسبوك، دورًا مهمًا في توفير حلقة وصل بين أهالي المخطوفين ومعتقلين أفرج عنهم حديثًا، إذ يحاول المعتقلون المفرج عنهم حديثًا، وهم قلة، نشر أسماء ومعلومات كل من التقوا بهم داخل السجون، بهدف إيصال رسائل تطمينية لذويهم في الخارج.
وتشير آخر الإحصائيات الموثقة بالأسماء إلى استشهاد 3275 فلسطينيًا منذ بداية الأحداث في سوريا وحتى نهاية يونيو/ حزيران 2016، قضى ثلثهم في الحصار الذي فرض على مخيم اليرموك عام 2013.
ووفق إحصاء لمجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، فقد قضى 184 من سكان مخيم اليرموك نتيجة الحصار حتى نهاية عام 2015، من بينهم 21 طفلًا، وبلغ عدد إجمالي ضحايا المخيم 1055 حتى أبريل/ نيسان 2015، وذلك بين قصف وقنص وإعدام.
كما تشير إحصائيات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، إلى أن 238 ألف لاجئ من أصل 530 ألفًا نزحوا من منازلهم داخل وخارج سوريا.
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا 620 ألف فلسطيني، موزعين على نحو 10 مخيمات، ويوجد داخل مخيم “اليرموك” الذي أنشئ عام 1957، على مساحة تقدر بـ2.11 كم، نحو 7 آلاف لاجئ فلسطيني من أصل 160 ألفًا غادروا في مرحلة سابقة، وكثيرًا ما تعرضت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا لهجمات دامية، منذ بدء الصراع هناك، وهو ما أدى إلى استشهاد الآلاف منهم، وفرار أعداد كبيرة إلى دول الجوار في مخيمات للإيواء أقيمت في تركيا ولبنان والأردن، وتمكن عدد من هؤلاء اللاجئين من الوصول بطريقة صعبة إلى قطاع غزة، بعد وصولهم إلى مصر.
وتمنع معظم البلدان المجاورة لسوريا اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا من الدخول إليها بشكل نظامي، حيث يمنع الأردن بشكل رسمي دخول اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا إليه، كما توقفت تركيا عن إصدار تأشيرات الدخول للاجئين الفلسطينيين، وكذلك بدأ لبنان بممارسة سياسة غير معلنة بمنع دخول الفلسطينيين إليه.