في إطار الحرب النفسية والإعلامية التي يشنها على خصومه، نشر تنظيم الدولة الإسلامية إصدارًا دعائيًا يظهر جانبًا من حياة “أشبال الخلافة” وطريقة تدربهم في معسكرات أعدت خصيصًا لاستقبال أبناء “المجاهدين” الذين قتلوا في المعارك التي يخوضها التنظيم.
الإصدار الذي روج له أنصار التنظيم بكثرة على شبكات التواصل الاجتماعي عبر بث الومضة الإشهارية “البرومو” طيلة ساعات من مساء الخميس، ما من شك أنه شكل صدمة لدى كل من شاهده وخاصة المختصين في تحليل الظاهرة الجهادية وتحليل مضمون دعاية الجهاديين.
إصدار مرئي دعائي يحمل عشرات الرسائل مضمونة الوصول إلى الدول المشاركة في التحالف الدولي إضافة إلى مختلف الجماعات التي تقاتل تنظيم الدولة في سوريا، أبرزها أن الحرب حرب أجيال وسنين طوال أعددنا لها أطفالاً جاهزين لتفجير أنفسهم والأخذ بثأر آبائهم وأمهاتهم متى ما سنحت لهم الفرصة.
فعندما يظهر التنظيم في دعايته عددًا من الأطفال الذين لم يدركوا بعد سنّ الحلم، يتوعدون من قتل آباءهم وأمهاتهم على جبهات القتال أو في منازلهم جراء قصف الطائرات، بالثأر واقتفاء سيرتهم، فلا شك أن تنظيم الدولة أصبح مقتنعًا تمام الاقتناع بأن الأجيال الحالية ستكون وقود المعركة في الخطوط الأمامية متى ما بدأت عمليات تحرير الرقة والتي من غير المستبعد أن تنطلق أوائل العام المقبل.
ليس هذا فحسب، فـ”أجيال الخلافة” الذين يوليهم التنظيم رعاية خاصة نظرًا لفقدان آبائهم إضافة إلى العمل بالنصوص الشرعية التي تحث على رعاية اليتيم والإحسان إليه، يبدو أنهم مستعدون للقتل والذبح والتفجير والتدمير منذ حداثة سنهم، فالاستمتاع بمشاهدة فيديوهات الذبح القاسية والتلذذ بقتل “عملاء” التحالف الدولي و”الجواسيس” أصبح أمرًا عاديًا واعتياديًا في نفس الوقت بالنسبة لهم.
من ناحية أخرى، أولى التنظيم اهتمامًا كبيرًا بالجانب العسكري خلال عمليّة تشكيل وتكوين شخصية “الجهادي الصغير”، فالقنص وتفكيك السلاح وتركيبه والاقتحام بالرصاص الحي والبحث عن “العملاء” لتصفيتهم دون رحمة ولا شفقة، شكل أبرز محاور تدريب هؤلاء الأطفال الذين لم يستطع بعضهم السيطرة على دموعهم جراء فقدان سندهم العائلي وتحمّلهم مسؤولية عائلاتهم رغم صغر سنهم.
إن تنظيم الدولة الإسلامية بهذا الإصدار الدعائي يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه لن يتنازل عن مدينة الرقة عاصمته السورية مهما اشتد الخناق عليه، حتى وإن كلفه الأمر الزج بـ”أشبال الخلافة” في الصفوف الأولى للمعارك، خاصة أن هؤلاء “الأشبال” قد تربوا وترعرعوا على نزع الخوف من قلوبهم والثأر لوالديهم والعمل بوصاياهم.
من ناحية أخرى، يعلم جيدًا تنظيم الدولة أن التدريب العسكري دون “إعداد إيماني” و”تكوين عقائدي” لا يكفي لتشكيل شخصية الجهادي الصغير، لهذا كان التركيز على دروس العقيدة خلال فترة وجودهم بالمعسكر أمرًا أساسيًا لا غنى عنه، حيث تم تلقين الأطفال أساسيات “الولاء والبراء” الذي يعد “أوثق عرى الإيمان” وفق أدبيات الجهاديين، وذلك عملاً بوصايا آبائهم الذين حثوهم على تعلم “العلم الشرعي” قبل مقتلهم.
كما أنه وفي إطار قراءتهم لوردهم اليومي من القرآن، أظهر الفيديو الدعائي “أشبال الخلافة” يقرأون آيات الجهاد والتثبيت على الرضاء بقدر الله على مقتل آبائهم {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، في إشارة إلى أن هذا الجيل تربى على القرآن وراضٍ بما قدّره الله لهم ولآبائهم.
ولكن في ذات السياق ورغم “الرضاء بالقدر”، أكد هؤلاء الأطفال أنهم سيثأرون لوالديهم، حيث ذكر الطفل عبد العزيز القرغيزي أن والده أوصاه بأن يكون مجاهدًا ويتعلم أن يصنع المتفجرات حتى يقتل كفارًا كثيرين، في حين قال طفل آخر “أنا أريد أن أتدرب كثيرًا حتى أكون انغماسي مثل أبي تقبله الله”، ليردف ثالث بالقول “كفار قتلوا أبي وأنا إن شاء الله سأقتل الكفار”.
وقبل نهاية الإصدار الدعائي، بث التنظيم رسالة جماعية لهؤلاء الأطفال المتدرّبين، جاء فيها “آباؤنا قتلوا وهم يدافعون عن الإسلام لكنهم زرعوا التوحيد في قلوبنا فهب مقارعة المشركين ودعوة المسلمين وتحريضهم، علمونا أن نحمل همًا لا يحمله كثيرًا من الذكور هم الدين ونصرة المستضعفين وسنكون بإذن الله سيف الأمة ودرعها، فيا أمة الكفر لسنا تنظيمًا ولا شعارات نحن أحفاد الصحابة وسنظل باقين إلى قيام الساعة وسنغزوكم في دياركم بإذن الله فانتظروا وتحسسوا رقابكم فإن الهزيمة لكم ورب محمد”، لتبدأ بعدها عملية اقتحام لبناية مهجورة، بمسدسات ولباس موحد أعقبتها عملية إعدام لـ6 رهائن عند التنظيم بينهم جنديين سوريين.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر، فإن أحد هؤلاء الأطفال الذين نفذوا عمليات التصفية، قام بقتل جندي من قوات النظام وبكى خلال تنفيذ الإعدام متذكرًا مقتل والده ووالدته، ومطلقًا أكثر من رصاصة، وهو ما يكشف عن كمية الحقد والغل التي يحملها “أشبال الخلافة” في قلوبهم تجاه الدول والجماعات التي تقاتل الدولة الإسلامية.
في الختام، يمكننا القول، إن إصدار “حدثني أبي” يعتبر أحد أخطر الفيديوهات التي نشرها تنظيم الدولة خلال الأشهر الأخيرة، من ناحية الأساليب التقنية والرسائل الضمنية التي أراد إيصالها، والتي مفادها أن الثأر مع التدريب العسكري والتكوين العقائدي جعل من “أشبال الخلافة” قنابل موقوتة ومشروع انتحاريين جاهزين لتفجير أنفسهم متى طُلب منهم ذلك.