وصلنا إلى نهاية هذا العام وها قد بدأت تتشكل تضاريس خريطة حفل الأوسكار لشهر آذار/ مارس القادم، وهي في مجملها أعمال الثلاثية الأخيرة كما جرت العادة، ما يجعل حفل الأوسكار أسوأ مرآة للسنة السينمائية، ولحسن الحظ أن هناك مهرجانات عريقة على مدار العام تحتفي بالسينما على مستوى عالمي، في هذا المقال سنقتفي أثر المحطات السينمائية المهمة في هذا العام والعناوين التي ملأت الدنيا والأسماء التي شغلت الناس.
حفل الأوسكار 2016 وبقعة الضوء على ليوناردو دي كابريو
مع بداية السنة، شهد العالم حملة إنترنت ضخمة مساندة للممثل ليوناردو دي كابريو Leo Dicaprio كي يحصل لأول مرة على أوسكار أفضل أداء في دور رجالي، وجاء تألق ليو بفضل تعامله مع الثنائي الذهبي المخرج إنيارتو Alejandro Inarritu والسينماتوغرافي إمانويل لوبسكي Emmanuel Lubezki في فيلم العائد The revenant، واللذين حصدا أيضًا أوسكاريْ فئتيهما.
ولكن الضوء سلط على فريق توم مكارثي Tom McCarthy مخرج فيلم Spotlight الفائز بأوسكارين منهما جائزة أفضل فيلم لهذا العام، ويتناول فضيحة الكنيسة الكاثوليكية في بوسطن بخصوص التعتيم على جرائم استغلال جنسي للأطفال اقترفها قساوسة، أما بطل السهرة فكان فيلم ماكس المجنون: طريق الغضب Mad Max : fury road لجورج ميلر، الذي حصر ستة أوسكارات بفضل مشاهد الحركة المذهلة والمؤثرات الرائعة.
ولم يكن ليو الوحيدَ الذي توج بالأوسكار لأول مرة بعد تاريخ سينمائي حافل، بل قد لا يعتبر إنجازه شيئًا يذكر بالمقارنة مع تتويج الموسيقار العظيم إنيو موريكوني Ennio Morricone بأوسكار أفضل عمل موسيقي عن تأليفه موسيقى فيلم كوينتن تارانتينو الأخير المكروهون الثمانية The Hateful Eight.
محمد بن عطية مخرج فيلم “نحبك هادي”
البرليناله 2016 بمذاق تونسي
كانت مفاجأة بداية هذه السنة مع تتويج الفيلم التونسي “نحبك هادي” للمخرج محمد بن عطية في مهرجان برلين العريق، وهو أحد المهرجانات الثلاثة الكبرى في العالم، وحصل الفيلم من خلال بطله مجد مستورة على جائزة أفضل ممثل، بينما حصل المخرج محمد بن عطية على جائزة أفضل عمل أول لمخرج.
أما الدب الذهبي لهذه الدورة فكان من نصيب الفيلم الوثائقي الإيطالي نار في البحر Fuoccomare ويصور معاناة المهاجرين الأفارقة عبر البحر المتوسط في اتجاه الجزيرة الصقلية لامبيدوسا.
من فيلم “البائع” الإيراني
كان 2016.. عودة ألمودوفار والمفاجأة الألمانية
في شهر أيار/ مايو كان الموعد مع مدينة كان Cannes الفرنسية حيث أحد أهم المهرجانات العالمية، وكانت دورة هذا العام متميزة بمشاركة أسماء كبيرة جدًا من قبيل بول فرهوفن Paul Verhoeven بفيلمه “هي” Elle، والكوري الجنوبي تشان ووك بارك Chan Wook Park بدراما ملؤها الإثارة والاستفزاز والغموض بعنوان “المعينة” Ag-ha-ssi، وفتى كندا الذهبي كزافيي دولان Xavier Dolan بالدراما العائلية “ليست إلا نهاية العالم” C’est juste la fin du monde، والأمريكي جيم جارموش من خلال الفيلم الشاعري الجميل باترسون Paterson، والمخرج الإيراني أصغر فرهادي من خلال تحفته الجديدة “البائع” (فروشنده)، والأخوين داردين Dardenne وأخيرًا المخرج البريطاني العجوز كين لوتش Ken Loach بفيلمه الرائع “أنا، دانييل بلايك” I, Daniel Blake والذي توج في النهاية بالسعفة الذهبية.
ولكن أقلام النقاد وتصفيق الجماهير تركز أساسًا على الفيلم الألماني طوني إغدمان Toni Erdmann للمخرجة ماغن آده Maren Ade، وبدا أن هناك شبه إجماع على أنه حرم من سعفة يستحقها باعتباره أيضًا أفضل فيلم لهذا العام كله.
وقد سجل المهرجان حضورًا عربيًا لا بأس به خصوصًا عبر مغاربة الجيل الثالث في فرنسا، فقدحصلت هدى بنيامينة على القُمرة الذهبية (Caméra d’or) لأفضل عمل أول لمخرج عن فيلمها “إلاهية” Divines، كما شارك الفيلم التونسي الفرنسي شوف Chouf في العروض الخاصة خارج المسابقات مع تنويه لا بأس به من النقاد، وشارك الفيلم المصري “اشتباك” للمخرج محمد دياب في مسابقة “نظرة ما” Un certain regard، وهو الفيلم الذي سيذكره الجمهور العربي طويلاً فيما يبدو.
جائزة الأسد الذهبي من نصيب فيلم “المرأة التي رحلت”
محطة البندقية
في نهاية شهر آب، كان موعدنا مع موسترا السينما بالبندقية أعرق مهرجان سينمائي في العالم، ولم يشهد المهرجان حضورًا عربيًا كبيرًا، فلم يعرض سوى الفيلم التونسي “آخر واحد فينا” لعلاء الدين سليم وذلك ضمن أسبوع النقاد الدولي لا ضمن المسابقات الرسمية.
ولكن المهرجان شهد بداية موسم الأعمال الأمريكية التي سنراها فيما بعد حاضرة في الأوسكار، فاحتضن البندقية العرض الأول لفيلم الخيال العلمي “المجيء” Arrival للمخرج الكندي دنيس فيلنوف Denis Villeneuve، كما احتفى المهرجان بالعرض الأول للفيلم الموسيقي “أرض الأنغام” (أحاول أن أجد ترجمة غير سخفية كما ترون) La la land لداميان شازيل.
وتوج المهرجان فيلمًا فيلبينيًا عنوانه “المرأة التي رحلت” (Ang Babaeng Humayo) بالأسد الذهبي وهي جائزته الكبرى، وفاز بجائزة لجنة التحكيم الفيلم الأمريكيُ حيوانات ليلية Noctural Animals لتوم فورد Tom Ford.
من فيلم الفرقة الانتحارية Suicide Squad
خيبات هذا العام
عرفت السنة خيبات أكبر من النجاحات، وقد بدا أن أغلب هذه الخيبات كان يتعلق بأعمال الميزانيات الضخمة، ويبدو كأن اهتمام المنتجين بجودة منتجاتهم السينمائية لم يعد مهمًا كثيرًا أو أن أزمة الأفكار لا تزال في تصاعد مستمر.
ستُذكر 2016 على أنها سنة الأبطال الخارقين، ومع المنافسة الشرسة بين مارفل ودي سي كومكس بدا أن المشاهد صار ضحية للرداءة وربطه بأجزاء متوالية لا تروي شيئًا يذكر، إنني لا أكاد أذكر شيئًا من الفيلم الذي يفترض أن يكون حدثًا “باتمان ضد سوبرمان”، والأكيد أن الأجزاء القادمة التي اجتهد المخرج في التمهيد لها (ونسيان قصة الفيلم الرئيسية) لن تقدم أكثر، أما المنتج الثاني الذي راهنت عليه الـDC Comics فهو الفرقة الانتحارية Suicide Squad وكان أكثر سخافة بكثير من سابقه، وبدا أن كل الإعلانات والإغراءات التي أمطرونا بها طول سنة كاملة لم تكن سوى إعلانات كاذبة، وحتى شخصية هارلي كوين Harley Quinn التي انتظرها الجميع في شغف، بدت كلاسيكية ومملة إلى حد كبير.
وعلى الرغم من النجاح الكبير الذي حققته أفلام مارفل خصوصًا ديدبول Deadpool وكابتن أمريكا الحرب الأهلية Captain America : civil war، فإن الحديث عن السينما ظل صعبًا مع أفلام تكرر أشياء كثيرة وتستعيد أبطالها مرارًا وتكرارًا، وربما لذلك برز فيلم ديدبول باعتباره شيء جديد في مستويات عدة، وكذلك ظهور بطل مارفل جديد عبر فيلمه “الدكتور سترانج” Dr Strange، ولكن هل يمكن أن ننتظر شيئًا ما من الأجزاء اللاحقة المنتظرة؟
وبعيدًا عن أبطال القصص المصورة، فقد خاب الأمل في أعمال كثيرة أخرى متعلقة بالأبطال الخارقين والقصص العجائبية، منها “آلهة مصر” Gods of Egypt، ومنها الجزء الثالث من سلسلة دايفرجنت المسمى “المخلص” Allegiant، والتكملة الفاشلة للفيلم الشهير يوم الاستقلال Independence day وأيضا المعارضة (remake) التافهة لفيلم بن حور Ben-hur الشهير.
الفيلم الأردني “الذيب” المرشح للأوسكار
السينما العربية في 2016
كان للسينما العربية حضور لا بأس به في الساحة العالمية هذا العام، فقد مثل ترشح الفيلم الأردني ذيب لأوسكار الفيلم الأجنبي نجاحًا معتبرًا رغم عدم الفوز بالجائزة، وعزز فيلم “نحبك هادي” التتويجات العربية بفوزه بجائزتين في برلين، إضافة إلى مشاركة الفيلم التونسي “شوف”، والفيلم المصري “اشتباك” والفيلم السعودي “بركة يقابل بركة” في مختلف المهرجانات الكبرى العالمية.
ويعتبر عرض بركة يقابل بركة للمخرج السعودي محمود الصباغ في مهرجاني تورونتو وبرلين حدثًا فنيًا بارزًا ويروي قصة حب بين بركة عاشق المسرح وبركة الجميلة المهتمة بالموضة، وتفاصيل مواجهتهما للتقاليد في مجتمع لا يرحم.
لكن وجب التنويه بشكل خاص بالسينما المصرية التي قدمت ثلاثة أعمال أثارت اهتمام الجمهور العربي أكثر من غيرها، وبعضها أثار جدلاً واسعًا في ظل ما يشهده العالم العربي من أحداث مربكة، ونعني هنا أساسًا فيلم اشتباك لمحمد دياب الذي حاول بشكل فني مبتكر أن يعيد رسم ملامح المجتمع المصري إبان أحداث حزيران/ يونيو 2013، كما شهد فيلم هيبتا نجاحًا تجاريًا كبيرا خصوصًا لطابعه الرومانسي الدرامي ولشكله الفني المبتكر، ويمكن أن نضيف للقائمة فيلم “من 30 سنة” للمخرج عمرو عرفة وفيلم يسري نصر الله، الماء والخضرة والوجه الحسن الذي أثار عرضه جدلاً واسعًا في مصر.
ولم يتخلف المبدعون الفلسطينيون عن الركب فقدمت مي المصري الفيلم الفلسطيني الأردني “3000 ليلة” في عدة مهرجانات عالمية وعربية أهمها تورونتو.
الفنان المصري الراحل محمود عبد العزيز
الراحلون في 2016
فجع العالم بشكل خاص في الرابع من تموز بوفاة المخرج الإيراني الكبير عباس كيارستمي وعمره 76 عامًا، وعباس كيارستمي ليس من عمالقة السينما الإيرانية فحسب، بل إن أعماله تعتبر تراثًا فنيًا عالميًا، وأعماله من قبيل “عبر شجر الزيتون” (زیر درختان زیتون) و”لقطة مقربة” (close-up) وخصوصًا “طعم الكرز” (طعم گيلاس) غدت أيقونات سينمائية تدرس.
وكانت نهاية هذا الشهر درامية برحيل الممثلة الأمريكية كاري فيشر Carrie Fisher التي عرفها العالم في دور الأميرة ليا Princess Leia في حرب النجوم، ثم وبعد يوم واحد، لحاق أمها بها، وهي الممثلة الأمريكية ديبي رينولدز Debbie Reynolds رفيقة جين كيلي في الفيلم الشهير “الغناء تحت المطر” Singin’ in the rain.
كما عرف العام رحيل ممثلين مصريين كثر، لعل أبرزهم الساحر محمود عبد العزيز، بطل الكيت كات والكيف والعار، دون أن ننسى بطولته للملحمة التليفزيونية الشهيرة رأفت الهجان، وقد لحق محمود عبد العزيز بزميله ممدوح عبد العليم الذي شاركه فيلم العذراء والشعر الأبيض، واشتهر خصوصًا بدوره في المسلسل التليفزيوني الشهير ليالي الحلمية.