في زمن انتشار السيارات الحديثة وبسعر مناسب تجد مواطنين يقتنون سيارات أثرية قديمة ذات حجم صغير وشكل غير معتاد وطريقة فتح أبواب بشكل عكسي وألوان ذات صبغة كلاسيكية، قد يعيدك هذا المشهد إلى أحداث فيلم قديم، أو صور من الأرشيف أو عرض في متحف للآثار، لما تحمله السيارة من طابع أثري يثير الفضول، ما الذي يميز السيارات القديمة لتجعل هؤلاء يقتنوها؟ هل هي الهواية والرغبة فقط أم ذكرى من عزيز راحل؟ أي رجل هذا الذي يحتفظ بالقديم ويرفض الحديث من السيارات؟
موقع نون بوست التقى بعضهم وأعد التقرير التالي للإجابة على تلك التساؤلات وغيرها، قال الأربعيني مهدي الشلح: “دفعتني الهواية إلى اقتناء سيارة من طراز (فلوكس واجن) موديل العام 1969م، ومن ثم أدخلت عليها تحسينات متنوعة، لأستخدمها لاحقًا في التنزه والخروج إلى السوق والزيارات”.
وعن التحسينات التي أدخلها على سيارته أضاف “بعد أن اشتريت السيارة من تاجر سيارات بملغ 2500 دولار أمريكي، قمت بتجديد كراسي سيارتي واستبدال الكشافات وتركيب محرك جديد ومبدل سرعات حديث “قير”، فجمعت بين قوة ومتانة الماضي وحداثة الحاضر، وأوضح أنه اشترى قطع الغيار من مصر، مشيرًا إلى ثمن تكلفة إخراجها بشكل جديد يزيد عن 13 ألف دولار.
الترخيص والصيانة
وتابع “بعد عملية التجديد التي استمرت لمدة عام تحت يد خبير فني ومتابعتي الشخصية، توجهت للحصول على أوراق ترخيص للمركبة، ودفعت مقابل ذلك ما يقارب من 7 آلاف شيكل متأخرات مستحقة عليها منذ 30 عامًا”.
ونوه قائلًا: “صيانتها رخيصة وغير مكلفة وقطع غيارها متوفرة بالسوق المحلية وعادة ما تتم صيانتها لدى ورشة فنية متخصصة بالسيارات القديمة”.
وقال ضمن حديثه مع نون بوست “أخرج بالسيارة للتنزه والزيارات وإلى السوق كأي سيارة عادية، وليس كسيارة أثرية”، مشيرًا إلى تلقيه نظرات استهجان من عامة الناس، فهم لم يعتادوا رؤية مثيلاتها إلا في الأفلام القديمة، وكثيرًا ما يرغبون بالتقاط صور لأنفسهم مع سيارته.
وتلقى الشلح عروضًا عديدة لبيعها وقابلها بالرفض فضلًا عن الخوض في تحديد سعر لبيعها، وقال: “لن أقبل بيعها فهي نتاج عام كامل من العمل ومتابعة الصيانة والتحديث”.
توريث وذكريات
السيد سليم حتحت (64 عامًا) صاحب سيارة زرقاء اللون، موديل عام 1955م من طراز فيت، قال إنه ورث سيارته الأثرية من – زكريا الغندور – والد زوجته، وأضاف “قبل وفاة عمي أوصاني بصيانتها والاحتفاظ بها، بعد أن أخفاها عن العيون لمدة تزيد على خمسين عامًا خوفًا أن تصادرها قوات الاحتلال الإسرائيلي في أثناء سيطرتها وحكمها للقطاع”.
وبدأ حتحت فعليًا صيانة سيارته عام 2007 م بعد استخراجها من الكراج، والبحث عن قطعها المتناثرة، ولم يجد بعضًا من قطع صيانتها في غزة فاضطر أن يسافر إلى مصر والأردن والضفة الغربية للحصول عليها.
وفي نفس السياق قال: “اضطررت للبحث عن أقدم ميكانيكي وسمكري في غزة لصيانتها وإعادة لونها وبريقها”، وأرجع السبب في ذلك لعدم خبرة الحاليين بصيانة السيارات القديمة، ولجأ أيضًا إلى خياط من عمر سيارته ليحيك له مقاعد السيارة لتصبح مريحة وأجمل شكلًا.
ولفت إلى تلقيه عرض بيع المركبة بمبلغ عشرة آلاف دولار، وواجهه بالرفض كونها ذكرى جميلة من الماضي وفضلها على اقتناء سيارة حديثة، وشدد على رغبته في توريثها إلى أولاده وأحفاده لتبقى ذكريات الماضي خالدة.
ويشارك حتحت في معارض كثيرة للسيارات القديمة، كما رفض فكرة إدارة الترخيص بغزة بدفع رسوم الترخيص مقابل الحصول على لوحة أرقام جديدة، مفضلًا البقاء على لوحة الأرقام القديمة الموجودة على السيارة، لإضفاء طابع أثرى عليها.
وفي إحصائية أعدتها وزارة النقل والمواصلات تبين أن عدد المركبات المصنعة منذ الستينيات والموجودة في غزة بلغ “106” مركبة، 46 منها يعود تاريخ صناعتها إلى قبل العقد الخامس من القرن المنصرم و3 إلى حقبة الخمسينيات، و57 إلى العقد السادس من نفس القرن.
وجدير بالذكر أن الإحصائية السابقة والتي حصل عليها “نون بوست” تشمل المركبات المرخصة فقط، وتشترط الوزارة أن تكون المركبة القديمة غير متهالكة للحصول على الترخيص والسير على الخط، وتدرس حاليًا الوزارة مقترحات عدة بشأن تلك المركبات ستكشف عنها في الفترة القادمة.