ساعات قليلة ويلملم العام الحاليّ أوراقه معلنًا الرحيل بعدما أثقل كاهل المصريين بالأحمال التي لا قبل لهم بها، ما بين ضغوط اقتصادية وتهديدات أمنية وغياب للعدالة الاجتماعية وفوضى في الحياة السياسية والحقوقية، حتى بات العام الأسوأ في تاريخ المصريين منذ عقود طويلة بحسب وصف الكثير – مواطنون كانوا أو متخصصون -.
ويأتي العام الجديد الذي يستقبله المصريون بحالة من الفصام والازدواجية، ففريق يمني نفسه بأن القادم أفضل، وأن ما حدث في 2016 من الصعب تكراره أو الاستمرار عليه، بينما يترقب فريق آخر الأيام القادمة بمزيد من القلق والريبة، انطلاقًا من القاعدة المنطقية التي تفيد بأن نفس المقدمات تقود حتمًا إلى نفس النتائج، خاصة أن الإطلالة الأولى للعام الجديد تشهد حدثين كلاهما مر، ما بين مساعي التفريط في بعض تراب الوطن، وحزمة جديدة من ارتفاع الأسعار ورفع الدعم عن الخدمات المقدمة.
2016.. الأسوأ في حياة المصريين
لم يشهد المجتمع المصري حالة من الكآبة واليأس على وجوه المواطنين كما شهدها في هذا العام، فرغم ما تعزف عليه الآلة الإعلامية الموالية للنظام الحاكم من دعوة للتفاؤل والأمل، ليل نهار، وتمجيد لبعض المشروعات والخطوات كونها إنجازات غير مسبوقة تحمل الخير لمصر والمصريين، فالواقع كان أبلغ تأثيرًا وأثرًا على حياة المواطنين.
فحين يستيقظ المواطن فجأة ودون مقدمات ما بين الحين والآخر على قفزات جنونية في أسعار السلع والخدمات، والتي بلغت قيمة الزيادة في كثير منها 300% في الوقت الذي أصيبت فيه دخول المواطنين بالشلل النصفي والكلي، وفقدت القيمة السوقية للعملة المحلية ما يزيد على 150% من قيمتها الحقيقية، مما تسبب في إرهاق الملايين من متوسطي الدخول، وفقدانهم القدرة على توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة، مما دفع كثيرًا منهم إلى التخلص من هذه الحياة المؤلمة إما عن طريق الانتحار أو التخلي عما عليه من التزامات تجاه أهلهم وذويهم، وتركهم فريسة للمارة في الشوارع والطرقات.
وتسببت السياسات الخاطئة للحكومة المصرية في رفع وتيرة الغضب والاحتقان لدى المواطنين، لا سيما قرار تحرير سعر صرف العملة المحلية (تعويم الجنيه) وما تبعه من كوارث اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، كذلك فرض المزيد من الضغوط على المواطنين عبر عدة قوانين تم تمريرها عن طريق البرلمان الذي قدم نفسه راعيًا رسميًا لكل مصالح الحكومة والنظام، ومنها قانون الخدمة المدنية، وقوانين فرض الضرائب ورفع الرسوم على الخدمات المقدمة، وهو ما دفع الشارع إلى تصعيد التمرد على الواقع عبر لغة الاحتجاجات والمطالب الفئوية، وهو ما كشف عنه التقرير الختامي للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
تسببت السياسات الخاطئة للحكومة المصرية في رفع وتيرة الغضب والاحتقان لدى المواطنين، لا سيما قرار تحرير سعر صرف العملة المحلية، وما تبعه من كوارث اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة
التقرير رصد خلال العام 2016، ما يقرب من 1736 وقفة احتجاجية، بزيادة قدرها 30% عن العام 2015 والذي وصل عدد الاحتجاجات به 1400 وقفة، وتصدرت الوقفات الاحتجاجية العمالية القائمة بإجمالي 726 وقفة، تلتها الاحتجاجات الاجتماعية بإجمالي 633 وقفة، ثم الاقتصادية في المركز الثالث بعدد 377 وقفة.
كما تعرض العمال أيضًا لانتكاسة غير مسبوقة في تاريخهم، وهو ما جسدته الأرقام الصادمة الصادرة في التقرير السنوي لدار الخدمات النقابية والعمالية، والتي كشفت النقاب عن 271 حالة فصل تعسفي في 2016، فيما تم تسريح أكثر من 900 عامل، وخضوع 66 عامل لمحاكمات من بينهم 30 قيادة عمالية، إضافة إلى محاكمة 9 نقابيين، وصدور أحكام بحق 3 منهم، بخلاف 26 عاملاً آخرين تعرضوا لمحاكمة عسكرية، فيما لا يزال 28 عاملاً ونقابيًا، قيد التحقيق أمام النيابة، وأشار التقرير، إلى صدور قرارات فصل تعسفي بحق 261 عاملاً و10 نقابيين، فيما تم إيقاف 9 عن العمل ونقل 4 بينهم اثنين نقابيين من العمل، وإنهاء انتداب عامل، فضلاً عن السلاح الجديد الذي تستخدمه الإدارات للضغط على العمال وإرهاب قياداتهم حال المطالبة بحقوقهم، والمتمثل في الفصل والتشريد والحبس ودفع الكفالات والإجبار على الاستقالة.
وشهدت الديون الخارجية لمصر ارتفاعًا كبيرًا منذ بداية العام المالي الحاليّ 2015/2016، إذ ارتفعت بنحو 53.4 مليار دولار في ستة أشهر فقط، علاوة على الدين المحلى المتصاعد نتيجة لرفع نسب الفائدة والذي تجاوز الـ2 مليار جنيه، وأصبح في الوقت الحالي يهدد خطط التنمية وتمويل القطاعات الاستراتيجية في الدولة مثل الصحة والتعليم والبحث العلمي وباقي الخدمات الأخرى، وهو ما دفع النظام إلى اعتماد سياسة الاقتراض دون النظر لأبعاد هذه السياسة مستقبلاً.
ارتفاع سعر الدولار أبرز أسباب زيادة معدلات التضخم
2017.. الأمور قد تتحسن
فريق من المصريين أبدى تفاؤله حيال الوضع العام خلال العام الجديد، استنادًا إلى أن ما حدث في 2016 من الصعب أن يتكرر، فقد عانت مصر مما لم تعان منه طيلة الأربعين عامًا الأخيرة، واتخذ النظام قرارات هي الأصعب، ومن ثم فقد آن الأوان لحصد ثمار هذه القرارات، وتخفيف العبء عن المصريين.
أنصار هذا الفريق أكدوا أنه خلال الستة أشهر القادمة – وهي الفترة التي طلب الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي من الشعب تحملها – سيلاحظ المواطن انفراجة كبيرة في العديد من الأمور، حيث من المقرر أن تحصل القاهرة على بعض القروض الدولية التي من شأنها تخفيف الضغط على العملات الأجنبية ومن ثم تراجع أسعارها، مما يخفف من وطأة التضخم وارتفاع الأسعار.
هذا الفريق يأمل أيضًا في أن القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة الحالية سيكون لها أثر جيد على تشجيع الاستثمار الأجنبي وهو ما يتطلب من المصريين مزيدًا من الصبر والتحمل لعبور الستة أشهر التي طلبها السيسي
كما أشاروا أيضًا إلى أن عدد من المشروعات التي أقدمت عليها الدولة مؤخرًا ستلعب دورًا محوريًا في تحسين المستوى المعيشي، في ظل الإجراءات المتخذة لوقف استيراد بعض السلع غير الضرورية، وتقديم المنتج الوطني كبديل، مما يمكن أن يسهم في إحداث حالة من الحراك الاقتصادي داخل أوساط المجتمع.
هذا الفريق يأمل أيضًا في أن القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة الحالية وفي مقدمتها “تعويم الجنيه” سيكون لها أثر جيد على تشجيع الاستثمار الأجنبي، فضلاً عن زيادة معدلات السياحة الخارجية، وهو ما يتطلب من المصريين مزيدًا من الصبر والتحمل لعبور الستة أشهر التي طلبها السيسي.
السيسي خلال لقائه بكريستين لاجارد مدير عام صندوق النقد الدولي
قلق وترقب
وفي المقابل يرى فريق آخر، وهو الغالبية العظمى من الشعب المصري، أن نفس المقدمات تقود إلى نفس النتائج، مستنكرين دعوات التفاؤل والأمل في ظل السير على نفس النهج دون تغيير، فضلاً عن افتقاد النظام الحالي وحكومته لأي رؤية اقتصادية للنهوض من تلك الكبوة التي استفحلت بصورة غير متوقعة.
العديد من التساؤلات التي تقدم بها أنصار هذا الفريق تصب معظمها في انحسار مصادر موارد الحكومة الحالية في الاقتراض الخارجي من جانب، والتقشف والضغط على المواطن من جانب آخر، في غيبة تامة عن البرامج الإنمائية والمشروعات الاقتصادية التي يمكن أن تنقذ الوضع وتحسنه، وهو ما يجعل الحديث عن تحسن أو انفراجة خيالاً يداعب عقول الحالمين، ويمكن حصر عدد من تخوفات المواطنين من العام الجديد فيما يلي:
أولاً: رفع الأسعار: التخوف الأول الذي يهدد بيوت المصريين يتمثل في قفزات جديدة في أسعار السلع والخدمات، فرغم موجات الارتفاع التي شهدها العام الحاليّ، هناك حالة من القلق والترقب لدفعات جديدة مع بداية العام الجديد، وهو ما أعلنت عنه الحكومة مؤخرًا بشأن رفع الدعم عن الوقود مرة أخرى، فضلاً عن التراجع المخيف للجنيه المصري أمام العملات الأجنبية ما ينبئ بموجة غلاء جديدة، فضلاً عن زيادة نسبة التضخم والتي وصلت إلى 16.4% في أغسطس الماضي، وهو أعلى معدل منذ ديسمبر 2008، حسبما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة.
العديد من التساؤلات التي تقدم بها أنصار هذا الفريق تصب معظمها في انحسار مصادر موارد الحكومة الحالية في الاقتراض الخارجي من جانب، والتقشف والضغط على المواطن من جانب آخر، في غيبة تامة عن البرامج الإنمائية والمشروعات الاقتصادية
ثانيًا: مزيد من انتهاكات حقوق المواطن: لا زال المواطن وحدة من يدفع فاتورة فشل الأنظمة والحكومات على مر التاريخ والأزمان، فهو المطالب أن يتحمل، وأن يخرج ما في جيبه لأجل الوطن، وإلا كان خائنًا وعميلاً، أما غيره من أغنياء الوطن وعليته، فهم خارج حسابات الدولة، خاصة إن كانوا يمتلكون نوافذ إعلامية تدافع عن النظام وسياساته بشتى السبل.
العديد من أراء الخبراء والمحللين، تحذر من موجات جديدة من انتهاكات حقوق المواطنين لا سيما العمال، خاصة في ظل استمرار سياسة غلق المصانع والشركات المتعثرة، وما يترتب عليها من تشريد لملايين العمال، مما قد يدفعهم إلى التعبير عن رأيهم، والمطالبة بحقوقهم، في صورة احتجاجات أو إضرابات، وهو ما يعرضهم للتنكيل والحبس والعقاب، كما كشف التقرير الختامي لدار الخدمات النقابية والعمالية.
ثالثًا: التفريط في تراب الوطن: ثم تأتي الطامة الكبرى التي أصابت المواطنين بصدمة غير متوقعة، فبعد أحكام القضاء التي أقرت مصرية جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين بشبه جزيرة سيناء، رافضة الطعون المقدمة من الحكومة بشأن نقل سيادتهما للمملكة العربية السعودية كأحد بنود اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والمملكة، إلا أنه وقبيل نهاية العام الحالي صدقت الحكومة على موافقتها على الاتفاقية وأحالتها للبرلمان لإقرارها، دون اعتبار لأحكام القضاء أو رغبة الشعب الرافض تمامًا للتنازل عن متر واحد من أرضه مهما كان الثمن.
تظاهرات تندد بالتنازل عن تيران وصنافير
رابعًا: تراجع دور مصر الإقليمي: افتقاد القاهرة لدبلوماسيتها المعهودة، وفتح جبهات حرب جديدة مع بعض الدول الشقيقة، فضلاً عن تزايد وتيرة الأزمات الداخلية، وسحب البساط من تحت أقدامها فيما يتعلق بالتأثير الإقليمي في الملفات السياسية والأمنية المحورية، وليس أدل على ذلك من غيابها التام عن المشهد السوري واليمني، لصالح قوى جديدة في مقدمتها إيران، ومع استمرار السياسة الخارجية المصرية التي تنجح كل يوم في كسب عدو جديد، بدءًا بقطر وتركيا، مرورًا بالسعودية والإمارات، وصولاً إلى إثيوبيا والصومال، من المتوقع أن ينحسر الدور المصري الشرق أوسطي بصورة أكبر.
خامسًا: الصدام مع فئات المجتمع المختلفة: قد يتصور البعض أن فشل الدبلوماسية المصرية خارجيًا لا بد أن يقابله نجاح على المستوى الداخلي، إلا أن الواقع عكس ذلك تمامًا، حيث نجحت الحكومة في استعداء فئات عدة من المجتمع المدني، بدءًا من المحامين، مرورًا بالأطباء، وصولاً إلى الصحفيين، فضلاً عن فئات العمال والفلاحين وغيرهم، حيث دخلت الدولة مؤخرًا في سجال مع نقابة الصحفيين المصرية، فضلاً عن نقابة الأطباء، من المرجح أن يستمر خلال العام الجديد، وهو ما قد يحمل مخاطر عدة تهدد النسيج المجتمعي، في ظل زيادة حالة الاحتقان لدى هذه الفئات ضد سياسات النظام التي فشلت في احتواء الجميع.
حالة من الترقب والقلق تنتاب المواطن المصري وهو يستقبل العام الجديد، فما عاناه وعايشه خلال العام الحاليّ والذي سبقه، كفيل أن يضفي عليه سحائب اليأس والقنوط من قادم أفضل حالاً، خاصة بعد سقوط صروح الأمل التي بناها الإعلام في خيالات المواطنين طيلة السنوات الماضية، مما دفع بعضهم إلى التساؤل عما لم ينجز في عامين ونصف بأي حال من الأحوال أن ينجز في ستة أشهر مع بقاء الوضع على ما هو عليه، وفي المقابل هناك من يؤمل نفسه بأن القادم يحمل الكثير والكثير من الخير لهذا الشعب الذي تحمًل كثيرًا، وأن حصد ثمار السنوات العجاف الماضية قد آن وقته، فماذا يخبئ العام الجديد للمصريين؟