من جديد تحرّك أعضاء في الكونغرس الأمريكي للضغط على إدارة الرئيس جو بايدن وحثها على حجب 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة إلى مصر بسبب مخاوف متعلقة بحقوق الإنسان.
جاء تحرك المجموعة الثانية بعد نحو أسبوعين من رسالة وجهها 11 عضوًا في مجلس الشيوخ بقيادة السيناتور الديمقراطي البارز كريس ميرفي الذي يشغل منصب رئيس اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط التابعة للجنة العلاقات الخارجية.
New: US Sen. @ChrisMurphyCT and 10 other lawmakers urge the Biden administration to withhold $320 million of Egypt's annual $1.3 billion in military aid in line with FY22 Appropriations Act.
"For each political prisoner that has been released, Egypt has detained three more." pic.twitter.com/Dj1Pbtvk64
— Jared Szuba (@JM_Szuba) July 28, 2023
60 ألف سجين سياسي في مصر
السيناتور ميرفي -“ولاية كونيتيكت- يعد من أشد المنتقدين للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الكونغرس الأمريكي، وقد دافع عن مطالبته إدارة بايدن بحجب جزء من المساعدات عن مصر عدة مرات، إذ ردّ على أحد المعلقين على منصة “إكس” -تويتر سابقًا- اتهمه بأنه يريد برسالته دفع أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان نحو الانهيار الاقتصادي، فتساءل ميرفي في معرض رده: “300 مليون دولار من المعدات العسكرية الأمريكية تؤدي إلى انهيار اقتصاد قيمته 380 مليار دولار؟”.
a. $300m less U.S. military equipment is going to collapse a $380 billion economy?
b. There's nothing more Washington than a group called Foundation for Defense of Democracies arguing to keeping giving no strings weapons aid to a country with 60,000 political prisoners. https://t.co/lZvNOguxgl
— Chris Murphy 🟧 (@ChrisMurphyCT) July 30, 2023
وأشار إلى أن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات “مقرها واشنطن” تجادل في أنه ينبغي عدم تقديم مساعدات أسلحة إلى بلد به 60 ألف سجين سياسي”
أما الرسالة الأخيرة، فقد وجهها للإدارة الأمريكية يوم 11 أغسطس/آب الحالي، 11 عضوًا في مجلس النواب “الغرفة الأدنى للكونغرس” بقيادة النائب جريجوري ميكس كبير الديمقراطيين وعضو لجنة الشؤون الخارجية في المجلس.
اعترفت الرسالة بالعلاقة الثنائية المتجذرة والمتعددة الأوجه بين الولايات المتحدة ومصر بما في ذلك الأبعاد الأمنية والسياسية المهمة للمنطقة، لكنها استدركت أن الحكومة المصرية سجنت الآلاف وواصلت الانخراط في انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان داخل مصر وخارج الحدود الإقليمية للدولة.
كما استندت رسالة أعضاء مجلس النواب الأمريكي إلى طلبٍ آخرٍ قدمته هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ومشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط و20 مجموعة أخرى لحقوق الإنسان، دعت فيه تلك المنظمات الإدارة الأمريكية إلى عدم التصديق على الجزء المشروط بالحقوق من الأموال بشأن حقوق الإنسان “320 مليون دولار”، حيث وّثقت صحيفة نيويورك تايمز الانتهاكات، واستشهدت بتقرير منظمة مراسلون بلا حدود الذي أفاد بأن مصر واحدة من أكبر السجون في العالم بالنسبة للصحفيين، حيث أضحت البلاد بعيدة كل البعد عن آمال الحرية التي جاءت بها ثورة 2011.
وقال أعضاء مجلس النواب الأمريكي في رسالتهم “إننا نشعر بقلق شديد إزاء التقارير الواردة من وزارة الخارجية والعديد من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني ذات المصداقية حول الانتهاكات المستمرة والمستمرة لحقوق الإنسان في مصر.. لا يزال آلاف المصريين، من بينهم صحفيون ونشطاء سلميون في المجتمع المدني ومدافعون عن حقوق الإنسان وشخصيات سياسية، محتجزين بسبب اتهامات ذات دوافع سياسية وكثيرا ما يتعرضون لانتهاكات وسوء المعاملة والإهمال الطبي”.
واختتموا بقولهم “بينما نواصل الدفاع عن إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان الأساسية في سياستنا الخارجية، ندعو الإدارة إلى الالتزام بروح ونص القانون في ضمان إحراز تقدم في العلاقة بين الولايات المتحدة مصر.. ندعوكم إلى حجب 320 مليون دولار بالكامل من المساعدات العسكرية “FY22 FMF” حتى يتحسن سجل حقوق الإنسان في مصر بشكل كبير” بحسب ما ورد في رسالة أعضاء مجلس النواب.
خلافات سابقة بين الكونغرس وإدارة بايدن بشأن مصر
مجلة فورين بوليسي الأمريكية نشرت العام الماضي تقريرًا مطولًا يتحدث عن خلافٍ حادٍ بين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والكونغرس بشأن المساعدات العسكرية لمصر بسبب التعهدات التي قطعها الرئيس بايدن في حملته الانتخابية، بأن تكون حقوق الإنسان محور سياسته الخارجية.
وذكرت المجلة أن الخلاف سببه المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، وهي مخصصات سنوية بلغت عشرات المليارات من دولارات دافعي الضرائب الأمريكيين على مدى عقود، مشيرةً إلى أن الولايات المتحدة ترسل سنويًا 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية إلى مصر لدعم العلاقة الجيوسياسية المهمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل والمساعدة في استقرار العلاقات المضطربة بين مصر وأهم حليف لواشنطن في الشرق الأوسط، إسرائيل.
ولفتت “فورين بوليسي” إلى أنه في السنوات الأخيرة، وضع الكونغرس قاعدة مفادها أن جزءًا من هذا التمويل – حوالي 300 مليون دولار – يجب أن يكون مشروطًا بتأييد الحكومة المصرية لبعض شروط حقوق الإنسان الأساسية.
يلاحظ أنه في الأشهر الأولى لرئاسته لم يجر الرئيس بايدن أي نوع من التواصل مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، إلى أن اضطر لذلك بعد الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2021، ورد المقاومة بإطلاق الصواريخ.
فمنذ تولى بايدن منصبه في 20 يناير/كانون الثاني 2021، لم يجرِ أي اتصالات مع السيسي، ولم يحدث اتصال على مستوى وزاري بين البلدين، وحتى عندما أجرى الرئيس الأمريكي اتصالاته مع بعض الزعماء في الشرق الأوسط مثل الملك سلمان ونتنياهو، لم يكن السيسي واحدًا منهم إلى أن حدث الهجوم الإسرائيلي على غزة.
ذلك أن بايدن كان – في أثناء حملته الانتخابية – يشير الكيفية التي ستكون عليها علاقة إدارته بنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إذ كتب على تويتر في يوليو/تموز 2020: “لا مزيد من الشيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل”، في إشارة إلى العلاقة الخاصة التي جمعت الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالرئيس المصري الذي يواجه انتقادات دولية مستمرة بسبب سجل نظامه السيئ في مجال حقوق الإنسان.
Mohamed Amashah is finally home after 486 days in Egyptian prison for holding a protest sign. Arresting, torturing, and exiling activists like Sarah Hegazy and Mohamed Soltan or threatening their families is unacceptable. No more blank checks for Trump’s "favorite dictator." https://t.co/RtZkbGh6ik
— Joe Biden (@JoeBiden) July 12, 2020
خلال الفترة الماضية، أثمرت ضغوط الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس بايدن عن نتائج متواضعة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، مثل إفراج السلطات السعودية عن الناشطة لجين الهذلول التي عاقبتها محكمة في الرياض بالسجن خمس سنوات وثمانية أشهر بعدما أدانتها بالتحريض على “تغيير النظام وخدمة أطراف خارجية”.
حجب 10% فقط من المساعدات العسكرية لمصر في 2022
جاء قرار الإفراج عن لجين بعد مرور أقل من أسبوع على تصريح المتحدثة السابقة باسم البيت الأبيض جين ساكي التي قالت: “الولايات المتحدة بانتظار تحسين السعودية لسجلها في حقوق الإنسان، بما في ذلك الإفراج عن النشطاء المدافعين عن حقوق المرأة والسجناء السياسيين الآخرين”.
أما فيما يتعلق بمصر، فقد قررت إدارة بايدن العام الماضي حجب 130 مليون دولار من الدعم الأجنبي العسكري السنوي المخصص لمصر “1.3 مليار دولار”، واشترطت للإفراج عنه تحقيق مصر مجموعة من المطالب المتعلقة بحقوق الإنسان.
بحسب التقارير الصحافية فإن هذه المطالب كانت تضم الإفراج عن 16 شخصًا وإغلاق التحقيق الذي يجري منذ سنوات على عمل المنظمات غير الحكومية التي تعرف بالحالة 173، لكنّ المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس رفض تقديم تفاصيل عن المطالب قائلًا: “لا أرغب في الكشف عن أحاديث خاصة مع مصر”، وتساءلت صحيفة واشنطن بوست وقتها: لماذا كل هذه السرية؟ وما رد مصر على هذه المطالب؟
الملفت للنظر أن ما حجبته إدارة بايدن من المساعدات العسكرية السنوية لمصر لا يشكل إلا نسبة ضئيلة “10%” من حجم المساعدة التي ظلت الولايات المتحدة تقدمها للقاهرة منذ الثمانينيات.
لكنّ صحيفة “واشنطن بوست”، اعتبرت في افتتاحية لها أن قرار حجب 130 مليون دولار من المساعدات الأمريكية لمصر تطور مهم، واستدركت الصحيفة بأن قرار الرئيس بايدن حجب جزء من الدعم الأجنبي العسكري المخصص لمصر واشتراط الإفراج عنه بتحقيق مجموعة من المطالب المتعلقة بحقوق الإنسان، لن ينهي الانتهاكات الفظيعة والمستمرة لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن الرسالة كانت ستكون أقوى لو تم حجب كامل المبلغ المتعلق باشتراطات حقوق الإنسان.
“نون بوست” سأل الباحث في العلاقات الدولية أحمد زمراوي عن مغزى رسالة أعضاء مجلس النواب وقبلها رسالة أعضاء في مجلس الشيوخ لإدارة بايدن ومطالبتهم بحجب ال300 مليون دولار من المساعدة، فأجاب بقوله إن هذا التحرك يُقرأ في سياق التوتر القديم بين الديمقراطيين ومصر منذ عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي لم تكن العلاقات في عهده “سمن على عسل” مع مصر والسعودية.
وأضاف أن أوباما دعم الرئيس الراحل محمد مرسي المنتخب ديمقراطيًا، وعندما وقع الانقلاب عليه أمر الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بمراجعة المعونات الأمريكية إلى مصر، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة بقيادة الديمقراطيين -آنذاك- لم تتعامل مع السيسي بعد الانقلاب إلا بعد فترة، وتابع “يمكن القول إن إدارة بايدن الحالية هي امتداد لإدارة أوباما والنواب الديمقراطيون يتحركون من هذا المنطلق”.
كما لفت زمراوي في حديثه ل”نون بوست” إلى أن هناك اتجاه داخل الكونغرس للمطالبة بإيقاف المساعدات العسكرية إلى مصر، وذكر أن عددًا من المشرعين الأمريكيين يعتقدون أن القاهرة تتعامل بابتزاز مع الولايات المتحدة، وأن مصر لم تعد بنفس الثقل الدولي القديم عندما تم توقيع اتفاقية كامب ديفيد، مضيفًا “دول الخليج أصبحت تنافس مصر في الثقل السياسي”.
وعن توقعاته بكيفية استجابة الإدارة الأمريكية للرسالتين الموجهتين من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، توقّع زمراوي ألا تقوم إدارة بايدن بحجب كامل ال300 مليون دولار كما طلب الأعضاء الديمقراطيون، ورجّح بأن يتم حجب جزء من هذه ال300 كما حدث العام الماضي، مضيفًا أن إدارة بايدن يتوقع أن تتخذ قرارًا في هذا الشأن في أو قبل ال30 من سبتمبر/أيلول القادم.