منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا حيز التنفيذ وهو يشهد خروقات في مناطق عديدة تمثلت في محاولات اقتحام وقصف واشتباكات متقطعة من قبل قوات النظام مدعومة بقوات من إيران وميليشياتها مع قوات المعارضة، ومن جهة أخرى تفاجأت المعارضة بالفروق الجوهرية في كلام روسيا عن الاتفاق واكتشافها أن نسخة النظام تختلف عن النسخة التي وقعت عليها، في الوقت الذي تعول تركيا بشكل كبير على هذا الاتفاق وتكثف اتصالاتها مع روسيا وإيران لضمان نجاحه، فهل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار هذا؟
لماذا تحاول إيران إفشال الاتفاق؟
تكلم وزير الدفاع التركي فكري إيشق ما مفاده أن اتفاق وقف إطلاق النار لا يزال صامدًا ولم تقع خروق يمكن أن تخربه في عموم سوريا، وأضاف “نعلم أن بعض البلدان تقوم بأعمال خلف الستار من شأنها التسبب بانهيار الاتفاق” في إشارة إلى إيران التي تتجه الأصابع نحوها عن الخروقات التي حدثت بعد ساعات من سريان الاتفاق منتصف يوم 30 من ديسمبر/ كانون الأول الحالي.
تباحث كل من الزعيمين أردوغان وبوتين عشر مرات خلال عشرة أيام في اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا
وفي نفس السياق أمل وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن تمارس إيران تأثيرًا إيجابيًا على حزب الله والتنظيمات الشيعية والنظام السوري من أجل تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، كما أشار في تصريح له للصحفيين في ولاية أنطاليا أمس الجمعة وأضاف أن هناك مجموعات ودول غير راضية عن الاتفاق، وبالنظر للواقع الذي يجري على الأرض فإن كلًا من إيران والميليشيات الموالية لها كحزب الله لا تزال تخرق الاتفاق وتستغل هذا الجو لتحقيق مكاسب على الأرض.
تركيا وروسيا الطرفان الضامنان لوقف إطلاق النار تكثفان جهودهما لإنجاح الاتفاق وظهر هذا من خلال الاتصالات المكثفة على أعلى مستوى إذ تباحث كل من الزعيمين أردوغان وبوتين عشر مرات خلال عشرة أيام.
وكما سعت إيران من خلال ميليشياتها الشيعية في سوريا للعمل على عرقلة اتفاق وقف إطلاق النار في حلب الذي أفضى لإجلاء الآلاف من المدنيين وعناصر المعارضة المحاصرين في شرق المدينة، تحاول إيران مرة أخرى وهي طرف غير ضامن لإفشاله من خلال خرقه في عدة مناطق، علمًا أنها تدرك أن موقفها أصعب من قبل، وذلك لتثبت دورها وقدرتها على توسيع رقعة انتصارها بعد معركة حلب، إذ ظنت أن سقوط حلب يمكن توظيفه في حمل كثير من المناطق على الاستسلام سريعًا وهو ما تفعله الآن في وادي بردى، ومن جهة أخرى ترفض رفضًا قاطعًا لما ذهب به الروس والأتراك في تفاهماتهم والتي أقصت إيران وهمشت دورها.
خرق الاتفاق والنظام يترنح
واصلت قوات النظام السوري والمدعومة بميلشيا حزب الله محاولات اقتحامها لوادي بردى بريف دمشق الغربي خارقة بذلك الاتفاق، إذ اشتبكت بالرشاشات الثقيلة والمتوسطة تزامنًا مع قصف بالصواريخ على المنطقة أدى لمقتل 3 أشخاص بينهم طفل بسبب القصف والاشتباكات وقد تم توثيق ما يقرب من 30 غارة جوية، علمًا أنه اليوم العاشر على التوالي الذي تحاول فيه قوات النظام وميليشيا حزب الله اقتحام الوادي وتطبيق حصار خانق على الأهالي لإجبارهم على مصالحة النظام السوري وتطبيق ما حصل مؤخرًا في حلب الشرقية، وحتى الآن تمكنت قوات المعارضة في الوادي من صد كل محاولات الاقتحام وتكبيد القوات المقتحمة خسائر بشرية ومادية.
وعن قصف النظام السوري لنبع عين الفيجة في وادي بردى يرى مراقبون أن هذه الخطوة تعكس الدرجة من اليأس التي وصل إليها النظام السوري، ورسالة مفادها أنه ليس طرفًا في اتفاق وقف إطلاق النار، وأنه يلجأ لأوراق خطيرة لا تزال بحوزته منها قطع مياه الشرب عن حاضنته الرئيسية في دمشق، وفي ظل فشل محاولات اقتحامها وإلحاق خسائر متتابعة لقواته هناك فإنه من غير المستبعد أن يستخدم أسلحة محرمة دوليًا على منطقة الوادي، تعبيرًا عن إخفاقه المستمر في إرضاخ المنقطة لسيطرته.
ومن ريف دمشق الغربي إلى ريف دمشق الشرقي، حاول النظام ومن معه من قوات حزب الله بعد منتصف ليل الجمعة لاقتحام دوما، وحدثت اشتباكات بين المعارضة وقوات النظام في الغوطة الشرقية على جبهة المبدعاني أدت لمقتل عنصر من المعارضة السورية وشخص آخر في منطقة المرج تزامن هذا مع قصف مدفعي على أطراف المدينة، وبينما فشلت القوات من تحقيق الهدف من الاقتحام أكد جيش الإسلام من قتله 16عنصرًا من قوات النظام ومن معها على الجبهات المذكورة بعد صد 3 محاولات للاقتحام في محيط مدينة دوما.
وقصفت قوات النظام أيضًا بالمدفعية والصواريخ ريف حماة الشمالي قابلتها المعارضة السورية بالرد على مواقع النظام في ريف حماة الغربي، وحصل الأمر ذاته في الجنوب السوري حيث حاول النظام التقدم على محور درعا البلد تصدى فيها الجيش الحر لتلك المحاولات وأدت لمقتل شخص من أفراد الجيش الحر هناك.
تحذير من مجزرة وإنهاء الاتفاق
على صعيد آخر فلا يزال الاختلاف قائمًا بشأن شمول جبهة فتح الشام أو عدمه في اتفاق وقف إطلاق النار القائم، حيث يقول الجيش الحر إن موسكو عمدت إلى تقديم ورقة للنظام غير الورقة التي وقعت عليها المعارضة، وأخرجت الفصائل بيان أكدت فيه النسخة المقدمة للنظام مختلفة عن النسخة التي وقعتها المعارضة، حيث تم حذف عدة نقاط رئيسية وجوهرية، وأكدت أنها غير معنية بأي اتفاق لم توقع عليه.
قصف النظام السوري لنبع عين الفيجة دليل على ترنحه ويأسه
واعتبرت الفصائل الاتفاق “لاغيًا” بسبب استمرار خروقات النظام وقصفه ومحاولات اقتحامه لمناطق عديدة من سيطرة المعارضة، وحذر في الوقت نفسه من مجزرة يحضر لها النظام وحزب الله في منطقة وادي بردى، ستؤدي إلى إنهاء الاتفاق فورًا على حد زعمه، وحمل البيان روسيا الضامنة للاتفاق المسؤولية واعتبر الفصائل أن الاستثناءات الواردة في الاتفاقية تعد إخلالاً بما تم الاتفاق عليه.
ومن الفروق التي تكلم عنها الجيش الحر بين الوثيقة التي وقعها النظام والوثيقة التي وقعتها المعارضة، ما يتعلق بتشكيل الوفود المشاركة في مفاوضات الحل السياسي، إذ تشير الوثيقة التي وقع عليها النظام أن الحل السياسي يعتمد على قرارات مجلس الأمن دون ذكر لإعلان جنيف 1، في حين أن الوثيقة التي وقعت عليها المعارضة تحدثت عن إعلان جنيف باعتباره مرجعية للمفاوضات إلى جانب قرارات مجلس الأمن.