تشهد موريتانيا حاليا حالة من الحراك الفكري بين تيارات إسلامية متشددة وبين مجموعات ليبرالية عدة.
ففي نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي أعربت جماعة تطلق على نفسها “أنصار تطبيق الشريعة” في بيان ” شجبها لما يسمى احتفالات رأس السنة الميلادية، وذلك لمخالفتها للكتاب والسنة، ولما يترتب عليها من الفواحش والمنكرات والمفاسد”، كما “هددت بمضايقة كل من يحتفل بهذه المناسبة في موريتانيا”.
كما نظمت حركة تسمى”لا للإباحية” الجمعة الماضي 10كانون الثاني/ يناير مسيرة حملت شعارات تطالب بمحاكمة شبكات “الإلحاد و الخلاعة”، حسب تعبير المتظاهرين، ودعت إلى “إنزال أقصى العقوبات بالشباكات “الإلحادية” وإنشاء “هيئة وطنية لحماية العقيدة و الأخلاق و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر”، ومحاكمة منتجي و معدي ما تطلق عليه “الأغاني الإباحية الخليعة” الرامية إلى “إفساد أخلاق الشباب”.
وتأتي هذه التحركات لتشكل إضافة لما سبق وبدأته بعض التيارات الدينية الأخرى، معضدة بمواقف بعض السياسيين من ذوي التوجهات الدينية على غرار عثمان ولد الشيخ أبو المعالي، زعيم حزب الفضيلة الإسلامي. وكان عثمان قد طالب خلال تجمع شبابي نظمته حركة تُطلق على نفسها “أنصار الشريعة” نهاية مايو/ أيار الماضي بتشكيل لجنة من العلماء لمراجعة النصوص القانونية وتنقيتها من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية. واقترح تشكيل هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحظر كل ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية، رافضا أن تكون موريتانيا دولة علمانية.
لكن الكثيرين في موريتانيا، وإن كانوا يقبلون مبدئيا بمنطق تطبيق الشريعة الإسلامية، إلا أن مواقفهم متباينة إزاء الرؤية السلفية لتحقيق ذلك في وقت تعددت فيه التفسيرات الدينية.
بموازاة ذلك بادرت مجموعة من الشباب الليبرالي في الأسابيع الماضية إلى جمع تواقيع الحقوقيين والناشطين والمثقفين لمواجهة ما يسمونه بـ”الفكر الظلامي”، حسب تعبيرهم.
السالك ولد مولود، وهو مصور تلفزيوني، يقول:”أنا ضد طرح السلفيين، لأن الدولة لا تحتاج لتطبيق الشريعة الإسلامية، فهي مسلمة. والتطبيق الذي يريده السلفيون غير عملي، ولا يحق لهم أن يفرضوا على الناس ما لا يرغبون فيه. وبالنسبة لمن يرغب في أن يجرب حظه، فعليه أن يتجه إلى صناديق الاقتراع”.
كذلك فإن دعوات التكفير، وما يوازيها من صرخات إلحادية في موريتانيا لا ترتقي إلى مستوى الحراك الفكري الحقيقي، حسب محمد المهدي ولد محمد البشير، الباحث في الحديث والتشريع الإسلامي.
يرى ولد محمد البشير بأن ما يجري حاليا مجرد إرهاصات “طفولية” اقرب إلى الفقاعات أو عمل “المراهقة الفكرية” ما دامت لم تحرك الساحة الثقافية من خلال تأليف كتب أو مقالات أو بحوث ترد على التكفيريين أو تبرهن على كفر خصومهم، حسب قناعته.
بعض المتابعين قدموا ظاهرة التكفير في موريتانيا على ضوء الحراك الاجتماعي والتاريخي الذي عايشته بعض الشعوب سابقا ويعايشه بعضها في الظرف الراهن دون ربط القضية بالدين في اغلب الأحيان، كما حدث في فرنسا والصين نهاية الستينات من القرن الماضي.
ولذا تقول نجوى منت الكتاب، أستاذة علم الاجتماع بجامعة نواكشوط إن “الفرق بين ما حصل في تلك الدول وما تعيشه موريتانيا الآن يكمن في اختلاف إدراك الناس لسبب مشاكلهم فقط” فالموريتانيون “يربطون مشاكلهم الاجتماعية والسياسية بالدين، والآخرون يربطونها بالاقتصاد، وبالتالي فإن الدولة مطالبة بفهم سبب رد فعل الناس على الدين، وكيف تسنى لبعض الشباب أن يبالغ في الخروج عليه وسب المقدسات، وعليها في المقابل أن تحقق التوازن في العدالة الاجتماعية”.