أثار ما نشرته الصحافة العبرية اليوم حول تراجع أعداد المهاجرين اليهود إلى الكيان الإسرائيلي بنسبة 13% خلال 2016 مقارنة بالعام الذي قبله، عددًا من التساؤلات حول أسباب تراجع الهجرة، وما هي المعطيات الإقليمية والدولية التي أدت إلى هذه النتيجة التي تعني بالضرورة ضررًا على الكيان الإسرائيلي الذي لطالما تغنى بالدعاية لصورة دولة “إسرائيل” في العالم لجذب يهود الأرض إليه من كل حدب وصوب.
فوفقًا لإحصائيات أصدرتها وزارة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية، وصل “إسرائيل” العام الجاري قرابة 27 ألف مهاجر مقابل 31 ألفا وصلوا العام الماضي.
صحيفة هآرتس علقت على هذه الأرقام “أنه بدا واضحًا أن النسبة الكبرى في تراجع أعداد المهاجرين هي من يهود فرنسا الذين وصل منهم خمسة آلاف مهاجر في 2016 مقابل ثمانية آلاف عام 2015”.
يهود قادمين من أوربا للكيان الإسرائيلي
فمنذ عام 2008 ظهرت زيادة مطردة في أعداد المهاجرين إلى “إسرائيل” بحسب هآرتس، حيث وصل عددهم في ذلك العام 15 ألف مهاجر، وفي 2013 هاجر 19 ألفا، وفي 2014 بلغوا 27 ألفا. وفي بعض الإحصائيات التفصيلية بحسب الصحيفة نفسها، يظهر أن عدد المهاجرين من روسيا بلغ سبعة آلاف يهودي، ومن أوكرانيا 5500 يهودي، ومن الولايات المتحدة 2900.
وتشير المعطيات إلى أن أغلبية المهاجرين اليهود من صغار السن، في حين بلغ عدد كبار السن ممن زادوا على الستين عاما ثلاثة آلاف مهاجر، وتركزت إقامة هؤلاء المهاجرين في مدن رئيسية، مثل تل أبيب والقدس ونتانيا وحيفا وأسدود وبات يام ورعنانا وريشون ليتسيون وبئر السبع وعسقلان.
ما هي الأسباب التي تدعيها “إسرائيل”؟
المسؤول في رابطة اليهود المهاجرين من فرنسا أريئيل كندال قال إن تراجع المهاجرين من فرنسا يرجع إلى أسباب اقتصادية فيها. فيما أشار الباحث في معهد بروكدايل ميخائيل فيليفوف إلى أن “التراجع في أعداد المهاجرين مرتبط بسلسلة عوامل، أهمها أن الأوضاع الأمنية في أوكرانيا مستقرة هذا العام عقب توقف الحرب فيها، مما دفع اليهود هناك للبقاء”.
ارتفاع تكلفة المعيشة في” إسرائيل” والنقص في شققها السكنية يمنعان اليهود من الاستمرار بالهجرة إليها
وأضاف فيليفوف لصحيفة هآرتس أن “إسرائيل لم تعد مكانًا جذابًا للمهاجرين اليهود، فالبدء بحياة جديدة فيها عام 2016 ليس كما كان في التسعينيات بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة”.
وفيما قال رئيس الوكالة اليهودية للهجرة ناتان شيرانسكي إن زيادة أعداد المهاجرين تتطلب إيجاد حلول لمشاكلهم في الجوانب الاقتصادية والمعيشية، حيث ذكرت وزيرة الهجرة والاستيعاب صوفا لاندفر أن الحكومة تقوم بإعداد مشاريع جديدة في مجال تشغيل المهاجرين بمختلف مناطق البلاد”.
أما مراسلة موقع ويلا الإخباري ميخال ريشف فنقلت عن الباحث الديمغرافي الإسرائيلي البروفيسور سيرغيو ديلا فيرغولا قوله إن “العمليات المسلحة التي تحصل في أوروبا لا تشكل دافعًا بما فيه الكفاية لهجرة المزيد من اليهود إلى إسرائيل رغم أن الوضع الاقتصادي الإسرائيلي أفضل من بعض دول غرب أوروبا”. وأضاف فيرغولا أنه يعتبر أن ارتفاع تكلفة المعيشة في إسرائيل والنقص في شققها السكنية يمنعان اليهود من الاستمرار بالهجرة إليها.
لكن ماذا عن وضع “إسرائيل” نفسها؟
بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 2014، نشرت تقرير كثيرة تتحدث عن معلومات تفيد بأن هجرة عكسية حدثت في “إسرائيل”، فبعد أن طالت صواريخ المقاومة الفلسطينية العمق الإسرائيلي، لتوقع خسائر مادية وعسكرية كبيرة، علت أصوات كثيرة بين الشباب في التجمع الاستيطاني اليهودي، مطالبة بالهجرة إلى خارج فلسطين المحتلة بحسب ما نشرت الكثير من المواقع العبرية حينها، ما يؤكد عدم تمسك الجيل اليهودي الجديد بالأرض الفلسطينية المحتلة التي أنشئت عليها “إسرائيل”، وفق أكاذيب معروفة في الخامس عشر من مايو/أيار من عام 1948، وثمة دلالات ومؤشرات أكدت أن المجتمع الإسرائيلي هش، وحساس لقضية استقرار الأمن من عدمه، حيث يعتبر العامل الجاذب وكذلك الطارد الأهم لليهود من فلسطين المحتلة وإليها.
30% من اليهود يفكرون بهجرة البلاد عند وجود فرصة مواتية
فقد أفادت نتائج استطلاعات للرأي، أجرتها وسائل إعلام عبرية خلال العام الماضي، بأن 30% من اليهود يفكرون بهجرة البلاد عند وجود فرصة مواتية، لفقدانهم الأمان، ولتردي الأوضاع الأمنية والمخاوف من تصعيد عسكري ثانٍ مع الفلسطينيين، بالإشارة إلى العدوان الإسرائيلي على غزة الذي استمر واحداً وخمسين يوماً في 2014. ودلت معطيات استطلاع نشرته القناة الثانية حينها، على أن 56% فقط من الإسرائيليين لا يفكرون في الهجرة، إذ ينظر 36% ممن شملهم الاستطلاع نظرة سلبية حيال من قرر الهجرة، بينما تتعامل البقية بإيجابية، أو بلا مبالاة، تجاه من يفكر بمغادرة البلاد.
وكانت أعلنت وزارة الهجرة الاسرائيلية منتصف العام الماضي أن عدد المهاجرين من اليهود الفرنسيين الذين وصلوا إلى “إسرائيل” تراجع أيضًا بنسبة 15,1% منذ بداية العام 2015 مقارنة بالفترة نفسها من العام 2014.
وأوضحت الوزارة أنه خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2015، أقام 1398 يهوديا فرنسيًا في “إسرائيل” مقابل 1647 في العام 2014.
يذكر أنه في 2014، وللمرة الاولى منذ قيام الكيان الإسرائيلي في عام 1948، احتلت فرنسا المرتبة الاولى بين دول الهجرة إلى “إسرائيل” بمعدل تجاوز ستة آلاف مهاجر.
يهود فرنسا
ويقدر عدد يهود فرنسا بين 500 ألف و600 ألف شخص. ويشكل هؤلاء أول مجموعة يهودية في أوروبا والثالثة في العالم بعد “إسرائيل” والولايات المتحدة.
ويقول الإسرائيليون أن هجرة يهود فرنسا باتت أولوية بالنسبة إلى السلطات الإسرائيلية، وذلك على وقع القلق من تصاعد معاداة السامية في أوروبا، وخصوصًا بعد الاعتداء الذي استهدف متجرا يهوديًا في باريس في كانون الثاني/يناير من عام 2015، كما أن الوضع الأمني لأوربا بات يتراجع بعد شن التنظيمات الجهادية عدة هجمات في أوربا خلال آخر عامين.