منذ بداية الأزمة في سوريا، والجميع يعلم أن التحالف بين روسيا وإيران، عبارة عن تحالف مصالح هش، فرضته ظروف إقليمية ودولية، وشكلت حلب نقطته الأبرز، وهي الفرضية التي أكدتها ملامح الخلاف الأخيرة التي بدأت في الظهور على سطح الأحداث عقب سقوط المدينة، خصوصا عندما شعرت طهران أن موسكو بدأت بعقد اتفاقيات من وراء ظهرها تُخالف استراتيجيتها في سورية، وشكل نشر موسكو كتيبة عسكرية في شرق حلب، دافع لطهران لإعلان القائد العام للحرس الثوري إن جبهة حلب تعتبر الخط الأول للثورة الإيرانية.
“القوات الروسية بحلب”
تضارب مصالح
الأزمة بدأت إذن، وملامحها لن تخرج عن تضارب مصالح الحليفين – العدوين، في منطقة نفوذهما الجديد “سوريا”، فروسيا ترى الأمر استراتيجي في إطار رغبتها في الاحتفاظ بقواعدها البحرية والجوية في سوريا، ولا يهمها سقوط نظام الأسد من عدمه، والأهم هو بقاء النظام الموالي لها، وقد توافق بسهولة على أي فكرة للتقسيم، بعيدا عن مناطق نفوذها، في مقابل رغبة إيران في التسويق لنصرها المزعوم بحلب على أنه نصرا على الولايات المتحدة، وعلى غريمتها السعودية والسنة، كرؤية طائفية بحتة، مجددة رغبتها في نشر مشروع “الهلال الشيعي”، الذي يمتد من أفغانستان عبر العراق واليمن إلى حوض البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي فنظام الملالي يريد سوريا كلها له؛ كي لا ينقطع الطريق من إيران إلى البحر الأبيض المتوسط، ويريد لبشار الأسد البقاء في السلطة على ما يعطيهم إياه، لأن غيره لن يتمكن من إبقاء المنظومة الحالية في النظام، وبالتالي سيضيع عليهم كثير مما حصلوا عليه من وراء حمايتهم له.
“بلدتا كفريا والفوعة خزانا الميليشيات في إدلب تحكمهما إيران”
محاولة لتأزيم الموقف
هذه الخطوة أكدتها تحركات طهران لتعطيل الاتفاق التركي الروسي حول حلب، الذي يتيح للمدنيين ومقاتلي المعارضة الخروج من الأحياء التي لا كانت تحت سيطرة الأخيرة في حلب، من خلال مليشيات تشكّل أذرعاً عسكرية لطهران في سوريا، ووضعت هذه المليشيات شروطاً وصفتها مصادر في فصائل المعارضة وقتها بـ”الطائفية” من أجل إتمام الاتفاق، حينما ربطت تنفيذه بالسماح بخروج ما قالت إنهم مصابون في بلدتي كفريا والفوعة، بالقرب من مدينة إدلب، المحاصرتين من المعارضة،
سعيا منها بالاتفاق مع حليفها بشار الأسد للقضاء على من بقي من مقاتلي المعارضة في حلب؛ لترسيخ نصر عسكري وسياسي وإعلامي، يُثبّت أقدام إيران في شمال سورية، ويتيح لها التحوّل إلى لاعب إقليمي لا غنى عنه في أي تسويات مقبلة على مستقبل سورية والعراق معاً، ويبعد تركيا تماما عن أي دور متوقع لها خصوصا مدينة الباب.
سواء أكانت هناك عملية إعادة تقاسم للنفوذ، أو عملية نزاع على النفوذ بين المحتلين، لكن الأمر المؤكد هو أن الروس والإيرانيين يعتقدون أنهما حققا نصرا بحلب، وبدءا بمرحلة جني المكاسب، ما يسرع ببروز الخلافات بينهما ويحولهما من حليفين إلى خصمين.
مشروعات توسعية
في هذا السياق يرى المحلل السياسي المصري أسامة الهتيمي، أنه على الرغم من أن روسيا وإيران يلتقيان في الكثير من المصالح، إلا أنهما يفترقان حول حسابات إيران الإقليمية ومشاريعها التوسعية، وهو ما يدفع روسيا إلى البقاء حتى الآن في سوريا بل والسعي إلى تكثيف تواجد قواتها .
“تركيا .. هل حان وقت البراجماتية؟”
اجتماع الآستانة
ويرى الهتيمي أن حدة الافتراق الروسي الإيراني من عدمه، ستتكشف أيضا بعد إعلان نتائج الاجتماعات المرتقبة في عاصمة كازاختسان “الآستانة”، والتي ستستضيف حوارا بين الأطراف السورية المتنازعة “النظام من ناحية، وممثلي المعارضة السورية من ناحية أخرى”، إذ لو تم الإبقاء على دور سياسي لبشار الأسد في المرحلة المقبلة، فإن هذا يعني بقاء التقارب الروسي الإيراني، أما في حال تم إبعاد الأسد كما تسعى لذلك المعارضة السورية، وبعض الأطراف الإقليمية كالمملكة العربية السعودية، وتركيا، فإن هذا يعني تباين في وجهات النظر بين كل من روسيا وإيران.
“روسيا استغلت الانتخابات الأمريكية للتفرد بالوضع في سوريا”
صفيح ساخن
وبناء عليه يؤكد المحلل السياسي المصري أنه وحتى اللحظة لا يمكن القول بأن مرحلة تقسيم الغنائم قد أتت، فلا زالت الأوضاع في سوريا على صفيح ساخن، وتجدد اشتعال النيران وارد في أي لحظة، الأمر الذي أكدته تصريحات العميد حسين سلامي، نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني، والذي قال إن تحرير حلب لا يعني نهاية الحرب، بل يشكل منطلقا مهما لاستمرار القتال، إذا لم تتوصل الأطراف المتنازعة إلى حل سياسي يضمن وحدة وقوة سوريا، فضلا عن أن روسيا، ورغم ما رأته أن ما حدث في حلب يعد انتصارا على الأرض، تحاول استرضاء الأطراف المناوئة لبشار الأسد.
فها هي تدخل في حوارات مفتوحة مع تركيا، باعتبارها طرف فاعل في الملف السوري، كما أنها حرصت على أن يكون الجنود المنتمين للكتيبة التي نشرت أفرادها في حلب من المسلمين السنة “شيشانيين”، وكأنها رسالة ذات مغزى للسوريين في حلب ولفصائل المعارضة، بأن هؤلاء لا علاقة لهم بالمليشيات الشيعية التي تقاتل في سوريا .
تسيير الأوضاع واختلافات المعارضة
وترتيبا على ما سبق – وفقا للهتيمي – فإن مرحلة الخلاف حول النفوذ وتوزيع الأدوار، لم تحل بعد؛ كون أن إيران ومعها بشار يدركان جيدا أنهما ما زالا في حاجة إلى الدور الروسي، وأنه ليس من المصلحة الدخول معه في صراع على هذا النفوذ، أو فرض إرادتهما، وإن كانا سيسعيان بطرق مختلفة بالطبع إلى تسيير الأوضاع، وتطورات التفاوض في سياق ما يسعيان له، إذ من المرجح أن يلعبان على التباين بين فصائل المعارضة السورية، كون جميع الفصائل ليست مندرجة تحت لواء تحالفها، وهو ما يمكن أن يغير في الترتيبات الروسية التركية.
“من يواجه التفرد الروسي بالمنطقة ؟”
الخلاصة
سواء كان الأمر تقسيم غنائم أونزاع عليها، لكن بطبيعة الحال يبدو من المشهد بشكل عام بالمنطقة وخاصة سوريا بأنه مبني على نظرية الفوضى الخلاقة، التي تحقق في النهاية المكاسب لمروجيها، وبعد سقوط حلب، وبالتالي الثورة السورية أو معظمها، بدأت بالفعل مرحلة اقتسام المكاسب، فروسيا حفظت موطئ قدم في المياه الدافئة في المتوسط، وها هي اليوم بدأت بنشر كتيبة من الشرطة العسكرية الروسية في حلب، وإيران أبعدت خصومها العسكريين من حلب، التي اعتبروها الجبهة الأمامية للثورة الإيرانية – وفق التصريحات الأخيرة -,وسوقوا معركة حلب كانتصار هم في أشد الحاجة إليه،
بعد النكبات المتوالية التي تعرضوا لها على أيدي المقاومة، أما تركيا فبدأت بالتوجه نحو مدينة الباب الاستراتيجية؛ لمنع إقامة دويلة كردية، مهما كان الثمن، بعد أن تخلت عنها الولايات المتحدة وأوروبا، واكتفاء دول الخليج خاصة السعودية وقطر بالدعم المعنوي في مواجهة عواصف المنطقة.