تم إعلان الهدنة بين روسيا وتركيا، والخاصة بإيقاف إطلاق النار الشامل المشروط في سوريا، والذي يهيأ فيها الحال إلى حل سياسي في مقتبل الشهر القادم، ويمكننا أن نصف هذا الإتفاق الموقع بين روسيا وتركيا، أنّه هدنة من نوع مختلف، ولكن ثمة آراء تقول بأنها ليست الهدنة التي من الممكن أن تغير واقعًا، ومع هذا فقد يعتقد البعض بأنّ هذه الهدنة من طراز “ليس بالإمكان أفضل مما كان”!
معاناة السوريون هل ستنتهي بالاتفاق
ولعل الذي مهد لهذا “الإجتماع المباشر” بين رموز المعارضة المسلحة وروسيا، هو اللقاء الذي تم بينهم برعاية أنقرة، قبيل اغتيال السفير الروسي بها، والذي تلاه الإجتماع بين وزراء الخارجية الثلاثي (تركيا-روسيا-إيران).
فالإختلاف الذي نشهده فيها هو الإجتماع الذي حصل بين رموز وقادة المعارضة العسكرية وبين روسيا، أي بين الأطراف الأساسيين في القضية السورية، وهذا قد يشعر البعض بنوع من الإرتياح بوجود جلسات مصارحة بينهما، وقد يجعل البعض الآخر يشعر بنوع من تأنيب الضمير؛ أي كيف يجلس هؤلاء مع الداعم الأول والرسمي للنظام الذي قام بالأفاعيل المشينة منذ سنوات في سوريا!! هذا ما لم يحصل في الهدنة الأمريكية_الروسية الأخيرة، وكذلك يمكن أن نقول إن الإختلاف الآخر هو وجود طرفان الأول يعد قطبًا دوليًا في القضية السورية (روسيا) يتحرك وفق مصالح لا تنظر لها المعارضة المسلحة بالأخلاقيةز
والثاني قطب إقليمي بقدر وداعم كذلك، وله مصالح استرتيجية وأخلاقية(تركيا)، فالإتفاق الأمريكي الروسي السابق كان بين قطبين لهما مصالح مفصلية في سوريا، فروسيا لا تريد التفريط بعمقها الإستراتيجي المهم في المنطقة، والولايات المتحدة الأمريكية التي لها الإهتمام الأكبر في نزع هذه الهيمنة الروسية عن سوريا، وليست العلاقة هذه التي تربط الهدنة الأخيرة بين روسيا وتركيا، وهذا الذي نعوّل عليه في نجاح الهدنة، إنْ رأينا إلتزمًا عمليًا من الأطراف المقابلة للطرف تركيا_المعارضة.
وعلى جميع الأحوال قد لا تكون الغاية من هذه الهدنة متحققة، ألا وهي قضية “المنع التام لإطلاق النار”، وهذا ما أشعرنا به المستشار القانوني للمعارضة المسلحة أسامة أبوزيد بقوله: «ستكون أيدينا على الزناد أثناء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار»، ووافقه الرئيس الروسي بوتين في ذلك بوصفه الهدنة بـ:«الاتفاق الهش»، ولكن هل من المفترض أن يكون الوقف التام لإطلاق النار في سوريا التي بها ما يمكن أن نصطلح عليه بـ “الحرب أهلية” التي فيها مصالح لأطراف دولية؟
نعم من ناحية أخلاقية، ولا من الواقعية وإلى حد اللحظة! ولكنها حتمًا بالمقارنة مع ما سبقها من الإتفاقات مختلفة عنها، ولقد مدت الكثير بروح “الإطمئنان الذي يكتنفه الريب” من نجاح وتحقيق أهدافها، ومع هذا الشعور يبرز لنا مجموعة من الأسئلة تبحث عن إجابة، فلم تم تحييد إيران من هذا الإتفاق؟ وهل تجعل روسيا إيران التي كانت الذراع البري لها إحتياطًا لأي أمر مستقبلي؟ أم أن إيران ما عادت نافعة، ولقد تم استهلاكها؟ وأن إيران فعلًا هي مقابل القوى الدولية ليست سوى الشرطي الجديد في المنطقة؟!
من الواضح أن إيران لو اشتركت في هذه الهدنة، لكانت عقبة في طريقها، أو لنقل إن السبب الذي يجعل من لا يثقون بهذا الإتفاق هو أن إيران ليس لهذا دور واضح في الهدنة يحيدها عن الصراع في سوريا، ولو شاركت فيه، لكانت وقعت في أحد الخيارين؛ الأول هو المساواة بينهما وبين كل غريب عن الأراضي السورية وبالتالي إنهاء دورها وهو ما لم يظهر في أي اتفاق سابق، والثاني أن تكون طرفًا في الهدنة، فيكون الفشل في هذه الهدنة أسرع مما لو لم تشترك به! ف
لا يمكن تجاهل دور إيران السلبي المهم في سوريا، فكيف سيحدد مصير هدنة بلا تحديد المواقف منها، وهذا ما يجعل الهدنة أيضًا نوع من “إرخاء الأعصاب” إلى أجل، ورفع الأصابع عن الزناد لبرهات من الزمن!! نعم فالتزام إيران بهذا الإتفاق هو ما سيحدد هذه النقطة.
فالمغزى الذي من الممكن استنتاجه من هذه الهدنة، أنها تعتبر تحويل القضية السورية إلى مرحلة انتقالية أخرى قد تكون سياسية فتهدّئ الأمور (كما قد أعربت الأطراف عن غاية هذه الهدنة)، أو عسكرية من نوع مختلف قد تستمر بها المذابح بشكل أسوأ، والثاني إلتقاط النفس، والتوصل إلى هدوء نسبي يرفع حالة الحرب للأطراف التي تشترك فيها بشكل مباشر، والثالث هو حفظ المكاسب التي وصل إليها كل من الأطراف المشاركة والداعمة، وحقن الدماء.
إن تخفيف القوات الروسية في سوريا كما صرّح به بوتين، لا يمكن أن نأخذه على محمل الجد، إلا إذا قرّر بوتين فعلًا اعتماد قرار أن روسيا لا يجب أن يتم استنزافها أكثر من ذلك، وهذا فعليًا صعب على روسيا التي تعيش حالة المد في عدم تركها لحصنها الوحيد في الشرق الأوسط، وجزر الإستنزاف، وهذه العقدة الروسية في الأزمة السورية حقيقةً!
وكذلك الدور التركي في هذه الهدنة، فهو يقع بين ضغط البعد الأخلاقي، ومكبس الحالة الأمنية في الدرجة الأولى، وما يتلوا ذلك من الناحية الإقتصادية التي تجعل تركيا البلد الأكثر استقبالًا لللآجئين السوريين في العالم.
ولا شك من صدقية إلتزام الطرف التركي في هذه الهدنة، ولكن الأطراف التي لكل منها مصلحته الخاصة (الروسية والإيرانية)، هي التي ستثبت استمرارية هذه الهدنة من عدمها.
وقد يكون من المبكر جدًّا تحديد نجاح هذه الهدنة من فشلها، ولكننا نَصِفُ الحالة المختلفة لهذه الهدنة، والتي قد تؤدي إلى نتائج مختلفة عن سابقها من الهدن.