لسنوات، كان بحر اليابان محاطًا بالغموض، لم يعرف أحد لماذا كانت العشرات من القوارب الخشبية المحطمة تبحر عبر هذا البحر، حمولتها الوحيدة هي جثث الصيادين الكوريين الشماليين اليائسين التي تحولت إلى هياكل عظمية جرفتها المياه لعدة أشهر على الشواطئ بشكل متكرر، ما أدَّى إلى إثارة جنون العظمة والتاريخ المتوتر بين اليابان وكوريا الشمالية، ودفع البعض إلى التكهن بأن هذه القوارب تحمل جواسيس أو لصوصًا أو حتى فيروسات وأمراض معدية.
لم تكن القصة محصورة في الجغرافيا السياسية، كان لها جانب إنساني مهم، فقد اختفى الكثير من الكوريين الشماليين في البحر خلال السنوات الأخيرة، لدرجة أن بعض مدن الموانئ الكورية الشمالية، بما في ذلك تشونغجين (ثالث أكبر مدن كوريا الشمالية) على طول الساحل الشرقي للبلاد، تسمى الآن “قرى الأرامل”، بسبب انهيار محاصيل بعض الحيوانات البحرية، وعلى رأسها الحبار.
على مدى العامين الماضيين، وصلت أكثر من 50 جثة لكوريين شماليين إلى الشواطئ اليابانية، وفقًا لخفر السواحل الياباني، وفي عام 2019، انجرفت أكثر من 150 من هذه القوارب إلى شواطئ اليابان، وكان هناك أكثر من 500 سفينة في السنوات الخمسة الماضية.
الارتفاع المطرد لما يسميه اليابانيون “قوارب الأشباح” التي تصل إلى الشاطئ كان يحيِّر الشرطة اليابانية، التي عزت الأمر إلى أن هؤلاء الكوريين مجرد صيادين ضعيفي التجهيز يتحملون المخاطر، ويغامرون بعيدًا عن الشاطئ بحثًا عن الحبار المتناقص أعداده، وقد دفعهم تغير المناخ بعيدًا عن دولتهم المعزولة، إلى مسافات خطيرة من شواطئ اليابان، حيث تقطعت بهم السبل بسبب عطل في المحرك، أو لقوا حتفهم بعد تعرضهم للأعاصير، وجرفهم تيار تسوشيما الذي يمتد شمال شرق الساحل الغربي لليابان.
لكن التفسير الأكثر ترجيحًا الذي توصَّل إليه الباحثون البحريون استنادًا إلى تحقيق أجرته شبكة “CBS” الأمريكية أن الصين ترسل أسطولًا خفيًا من القوارب الصناعية للصيد بطريقة غير قانونية في مياه كوريا الشمالية، وينتهك أيضًا عقوبات الأمم المتحدة التي تحظر الصيد الأجنبي في مياه كوريا الشمالية، التي وقعت عليها الدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما في ذلك الصين.
أزاحت القوارب الصينية بعنف القوارب الكورية الشمالية الأصغر والأكثر تهالكًا، وجمعت الكثير من الحبار، ما أدى إلى انخفاض مخزونات الصيد التي كانت وفيرة في السابق بأكثر من 70%، وهو ما تصفه مجموعة “Global Fishing Watch” التي تراقب النشاط البشري في المياه لحماية البحار والمحيطات، بـ”أكبر حالة معروفة للصيد غير المشروع قام به أسطول صناعي واحد يعمل في مياه دولة أخرى”.
بعد استنفاد ثروات البحار القريبة من مياه الصين المحلية، توسعت عمليات صيد الأسماك في المياه البعيدة، التي تحدث في أعالي البحار وفي المياه الساحلية لبلدان أخرى دون قيود
يلقي هذا الكشف الضوء على الدور الخفي لأسطول الصيد الصيني غير القانوني في انتهاك العقوبات الدولية وقتل الصيادين المحليين وإلحاق الخسائر باقتصادهم المحلي، وكذلك استنزاف مخزون الحبار، وتهديد مصايد الأسماك العالمية، ويثير أسئلة شائكة بشأن النقص الحاد في إدارة محيطات العالم وعواقب دور الصين المتزايد في البحر وارتباطه بتطلعاتها الجيوسياسية.
مهمة نهب الأسماك
تختفي أنواع كثيرة من الأسماك والكائنات البحرية، في جميع أنحاء العالم، بمعدل نمو غير مستدام بسبب تغير المناخ والصيد الجائر وغير القانوني بواسطة الأساطيل الصناعية، ومع تقلص مخزونات الصيد هذه، تتزايد المنافسة وتصبح الاشتباكات البحرية بين دول الصيد أكثر شيوعًا، فالبلدان المحبة للمأكولات البحرية مثل اليابان وكوريا الجنوبية تقصيها الأساطيل المتنامية من تايوان وفيتنام، والأهم من ذلك كله، الصين.
هذه الدولة الآسيوية الأكبر سكانًا في العالم ليست فقط أكبر الدول المصدرة للمأكولات البحرية وثالث أكبر مستورد في العالم، بل إن سكانها لديهم شهية لا تشبع للأسماك، ويمثلون أيضًا أكثر من ثلث إجمالي استهلاك الأسماك في جميع أنحاء العالم.
في المقابل، وبعد استنفاد ثروات البحار القريبة من مياهها المحلية، توسعت عمليات صيد الأسماك في المياه البعيدة، التي تحدث في أعالي البحار وفي المياه الساحلية لبلدان أخرى دون قيود منذ أن أبحر الأسطول الأول المكون من 13 سفينة إلى غرب إفريقيا في عام 1985.
وبحلول نهاية الخطة الخمسية الثانية عشرة في عام 2015، قامت 164 شركة صينية بتشغيل أسطول صيد في أعالي البحر يبلغ عدد سفنه 2512، وهو الأكبر في العالم وفقًا للتقديرات، وبلغ الإنتاج الإجمالي الرسمي 2.2 مليون طن بقيمة 21 مليار يوان في عام 2015، مع حدوث عمليات صيد في المياه الإقليمية التابعة لما يقرب من 40 دولة في 4 قارات.
في السنوات الأخيرة، كان أسطول الصيد الصيني يبحر إلى أماكن أبعد لاستغلال مياه البلدان الأخرى، بما في ذلك تلك الموجودة في إفريقيا وشرق آسيا وأمريكا اللاتينية، حيث يميل تطبيق القانون إلى أن يكون أضعف في هذه البلدان، لأن الحكومات المحلية تفتقر إلى الموارد أو الرغبة في مراقبة مياهها.
تدعي الصين أنها “تعاقب باستمرار” الصيد غير القانوني، إلا أنها لم تعترف أو تنكر إرسال قواربها إلى مياه الدول الأخرى، ففي مارس/آذار 2020، اشتكت دولتان مجهولتان في تقرير إلى الأمم المتحدة بشأن انتهاكات الصين للعقوبات التي فُرضت في عام 2017 ردًا على التجارب النووية، وتهدف إلى معاقبة كوريا الشمالية من خلال عدم السماح لها ببيع حقوق الصيد في مياهها مقابل عملات أجنبية، وقدمت الدولتان أدلةً على هذه الجرائم، بما في ذلك صور الأقمار الصناعية للسفن الصينية التي تصطاد في مياه كوريا الشمالية وشهادة طاقم صيد صيني قالوا إنهم أبلغوا حكومتهم بخطط الصيد في هذه الدولة التي عزلتها العقوبات.
وفي سبتمبر/أيلول 2020، توصل تقرير يستند إلى تحليل البيانات إلى أن أسطول صيد ضخم يضم 340 سفينة صينية قبالة جزر غالاباغوس في الإكوادور سجل 73 ألف ساعة من الصيد خلال شهر واحد فقط، وذكر أن الأسطول العملاق كان يصطاد في المقام الأول الحبار الضروري للنظام الغذائي لفقمة الفراء الفريدة وأسماك قرش المطرقة المهددة بالانقراض، وأنواع الأسماك التجارية مثل التونة وسمك الخرمان التي تساهم في الاقتصاد المحلي.
وفقًا لتحليل أجرته مجموعة “أوشيانا” (Oceana) للمحافظة على البيئة البحرية، استحوذت ما يقرب من 300 سفينة صينية على 99% من عمليات الصيد المرئية خارج مياه الأرخبيل – الذي ألهم نظرية التطور لتشارلز داروين – بين 13 يوليو/تموز و13 أغسطس/آب من عام 2020، ما أثار الجدل والغضب في الإكوادور وخارجها.
وفقًا لمؤشر نشره عام 2019 خبراء الصيد والجريمة العالميين، صُنفت الصين كأسوأ دولة في العالم عندما يتعلق الأمر بالصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم
تهدد الجهود الهائلة والمستمرة لأسطول الصين جزر غالاباغوس المعروفة بسلاحفها العملاقة وزواحف الإغوانا، وهي أيضًا موطن الأنواع النادرة وواحة للتنوع البيولوجي للمحيطات، وتنفرد بأكثر من 20% من أنواعها البحرية غير الموجودة في أي مكان آخر على وجه الأرض، وتعد محميتها البحرية أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، وتغطي أكثر من 133 ألف كيلومتر مربع حول الأرخبيل.
#Ecuador has sounded the alarm about a huge fishing fleet of mostly Chinese-flagged vessels near the #Galápagos Islands protection zone. “This fleet’s size & aggressiveness against marine species is a big threat to the balance of species in the Galápagos.”https://t.co/AWnKq56Ryr
— U.S. Southern Command (@Southcom) July 28, 2020
القيادة الجنوبية الأمريكية تحذر من مخاطر أسطول الصيد الصيني على جزر غالاباغوس
يثير الوضع في جزر غالاباغوس أسئلة ومخاوف جدية بشأن تأثير أسطول الصيد الصيني الضخم على الحياة البحرية في المياه التي يبحر بها، فغالبًا ما تستهدف العديد من السفن الصينية التي تمشِّط مياه أمريكا اللاتينية أسماك العلف (أسماك الفرائس أو أسماك الطعم)، وهي مكمل غذائي غني بالبروتين لأسماك الاستزراع المائي، وتركز أيضًا على الروبيان وأسماك التوتوبا المهددة بالانقراض، التي تحظى بتقدير كبير في آسيا بسبب خصائصها الطبية المزعومة.
لا يوجد مكان في البحر تهيمن فيه الصين أكثر من صيد الحبار، حيث يفرط أسطولها العملاق في صيده بعيدًا عن أنظار العالم، ويمثل ما بين 50 إلى 70% من الحبار الذي يتم اصطياده في أعالي البحار في السنوات الأخيرة، وفقًا لتقدير الحكومة الصينية، ما يؤثر بشكل فعَّال على الإمدادات العالمية من المأكولات البحرية الشعبية.
ففي عامي 2017 و2018، اصطادت القوارب الصينية غير القانونية، التي عادة ما تكون أكبر بنحو 10 مرات من القوارب الكورية الشمالية، قدرًا كبيرًا من الحبار يساوي ما تصطاده اليابان وكوريا الجنوبية مجتمعتين، ويقدر بنحو 160 ألف طن، بقيمة تزيد على 440 مليون دولار سنويًا، وفقًا لبحث نشرته مجلة “Science Advances”.
تستخدم العديد من قوارب الصيد الصينية أضواءً قويةً للغاية لجذب فرائسها بالقرب من سطح المحيط، ما يجعل صيد الحبار أسهل، وغالبًا ما تحتوي سفن صيد الحبار الصينية الخاصة على ما بين 180 إلى 700 مصباح كهربائي، على النقيض من ذلك، فإن سفن الإضاءة – في دول مثل كوريا الشمالية – مجهزة عادة بـ5 إلى 20 مصباحًا كهربائيًا.
إلى جانب القدرة المفرطة لسفن الصيد غير القانوني، يتورط أسطولها بانتظام في الصيد الجائر واستهداف أنواع أسماك القرش المهددة بالانقراض والتدخل غير القانوني والتراخيص المزيفة والعمل القسري، ويقول دعاة الحفاظ على البيئة إن الأسطول الصيني السبب الرئيسي وراء الانخفاض الحاد للأسماك في المحيطات بسرعة، لأنه يصطاد الحبار قبل أن يكبر بما يكفي للتكاثر.
لصيد الحبار، عادة ما يستخدم الصينيون ممارسات ينتقدها على نطاق واسع دعاة الحفاظ على البيئة لأنها تؤدي إلى نفوق الكثير من الأسماك، وتطغى على سفن دول أخرى في مناطق تكاثر الحبار الرئيسية، وقد انعكس ذلك على اقتصادات دول مثل كوريا الجنوبية.
كما يتهم النقاد الصين بالاحتفاظ بالحبار عالي الجودة للاستهلاك المحلي وتصدير منتجات منخفضة الجودة بأسعار أعلى، حيث يتم تصدير ما لا يقل عن نصف الحبار الذي يجمعه الصيادون الصينيون من المياه الدولية إلى أوروبا والولايات المتحدة وشمال آسيا.
معظم السفن الصينية في أعالي البحار كبيرة جدًا لدرجة أنها تجمع من الأسماك في أسبوع واحد ما قد تجمعه القوارب المحلية من السنغال أو المكسيك في غضون عام
وفقًا لتحليل أجرته شركة الأبحاث البحرية “C4ADS”، غالبًا ما تصطاد هذه القوارب بشكل غير قانوني في مياه الدول الأخرى، ففي منطقة المحيطين الهندي والهادئ، على سبيل المثال، الصين مسؤولة عن 95% من جميع عمليات الصيد غير المشروع، هذه الممارسات دفعت العام الماضي، قادة من أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة إلى إطلاق مبادرة تهدف إلى استخدام تكنولوجيا الأقمار الصناعية لتطوير نظام تتبع للسفن الصينية المشتبه في قيامها بالصيد غير القانوني.
نتيجة لهذه الممارسات أيضًا، ووفقًا لمؤشر آخر نشره عام 2019 خبراء الصيد والجريمة العالميين، تم تصنيف الصين كأسوأ دولة – من بين 152 دولة ساحلية تم تقييمها في جميع أنحاء العالم – عندما يتعلق الأمر بالصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم، ومن بين أكبر 10 شركات تعمل في الصيد غير القانوني على مستوى العالم، هناك 8 شركات صينية.
هذا النوع من الصيد له آثار سلبية على سبل العيش والأرصدة السمكية والبيئة، وقد يرتبط بأنشطة أخرى غير مشروعة مثل الاتجار بالمخدرات والأسلحة والاتجار بالبشر وانتهاكات العمل وحتى العبودية، كما يهدد الصيد غير القانوني التقدم المحرز في تحقيق الإدارة المستدامة لمصايد الأسماك التي تعد أحد أهداف التنمية المستدامة.
ويخشى الباحثون البحريون من أن يتسبب أسطول الصيد الصيني في انهيار كامل للحياة البحرية، ما يؤثر على حياة الملايين، حيث يعتمد نحو 10% من سكان العالم بشكل مباشر على مصايد الأسماك لكسب عيشهم، وبالنسبة للعديد من البلدان النامية، تعتبر الأسماك أكثر المنتجات الغذائية تداولًا، وتوفر مصايد الأسماك أيضًا فرص عمل للشباب والنساء، لكن استدامة هذا القطاع الاجتماعي والاقتصادي المهم مهددة بشدة بسبب الصيد غير القانوني.
وتقدر منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) أن الصيد غير القانوني يؤثر على سمكة من بين كل خمس أسماك يتم صيدها، بتكلفة سنوية تصل إلى 23 مليار دولار، وتقدر أن ما يقرب من 60 مليون شخص عملوا في صيد الأسماك أو تربية الأحياء المائية في عام 2016، 85% منهم في آسيا.
هذه مجرد قمة جبل الجليد عندما يتعلق الأمر بتأثير أسطول الصيد الصيني الضخم في المياه البعيدة على محيطاتنا، فمعظم السفن الصينية في أعالي البحار كبيرة جدًا لدرجة أنها تجمع من الأسماك في أسبوع واحد ما قد تجمعه القوارب المحلية من السنغال أو المكسيك في غضون عام.
السر وراء أسطول الصين الخفي
تدعي الصين دائمًا أن لوائحها تتضمن عقوبات شديدة على الشركات والقباطنة المتورطين في الصيد غير القانوني، لكن بعيدًا عن هذا الإعلان الأحادي الجانب، تظل المشكلة كما هي، حيث تعمل هذه القوارب دون وجود مراقبين على متنها، ولا يعودون إلى الميناء، بل ينقلون صيدهم إلى السفن الأم، التي تجمع المحصول في الموانئ، وهذا يعني باختصار أنهم يصطادون طوال الوقت.
في عام 2018، استحوذت الصين على نحو 15% من إجمالي عمليات صيد الأسماك العالمية، أي أكثر من إجمالي ما اصطادته الدول التي احتلت المرتبة الثانية والثالثة مجتمعة
الأسطول الصيني عبارة عن شبكة واسعة ومعقدة، فمن بين مئات السفن، هناك مزودو الوقود وقوارب الصيد وقوارب النقل المبرَّدة وقوارب الإمداد وبعضها قوارب تمويه غير مسجلة، تقضي العديد من السفن فترات طويلة في البحر حيث تم الإبلاغ عن انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان.
تختلف تقديرات الحجم الإجمالي لأسطول الصيد العالمي في الصين بشكل كبير، ووفق بعض التقديرات، تمتلك الصين ما يتراوح بين 200 ألف و800 ألف قارب صيد، وهو ما يمثل ما يقرب من نصف نشاط الصيد في العالم، وتقول الحكومة الصينية إن أسطول الصيد في أعالي البحار، أو تلك السفن التي تسافر بعيدًا عن ساحل الصين، يبلغ عددها نحو 2600، لكن بحث أعده مكتب “معهد التنمية لما وراء البحار” (ODI)، وجد أن الأسطول الصيني يضم ما يقرب من 17 ألف سفينة، مع كون العديد من هذه السفن غير مرئية مثل تلك التي اكتشفتها بيانات الأقمار الصناعية في مياه كوريا الشمالية، وعلى النقيض من ذلك، يتكون أسطول الصيد في المياه البعيدة للولايات المتحدة من 300 سفينة.
#الصين أكبر مستهلك و منتج للأسماك في العالم. تملك الصين 200 الف قارب صيد تجوب المحيطات. في 2018, حصلت الصين حصريا" على حقوق الصيد في المياه البحرية ل #الصومال, في صفقة أنتقدها البعض و أشاد بها اخرون بحجة أن الثروة السمكية للصومال 300$ مليون كانت تنهب لعدم قدرة الدولة على حمايتها. pic.twitter.com/wEy6oduOCb
— Amro Zakaria Abdu (@aswagalmal) July 9, 2020
لم يتطور أسطول الصيد الصيني الضخم إلى ما هو عليه الآن من تلقاء نفسه، فقد دعمت الحكومة هذه الصناعة بقوة بعد انهيار العديد من مخزونات الصيد الأقرب إلى شواطئها بسبب الصيد الجائر والتصنيع، وأنفقت المليارات سنويًا على صياديها الذين يبحرون حول العالم بحثًا عن مناطق جديدة لاستنزاف مخزونها البحري.
وكان هذا التوسع مدفوعًا بالسياسات التفضيلية، بما في ذلك الإعفاءات الضريبية على واردات سفن الصيد والمعدات المشتراة من الخارج والدخل والإنتاج في الخارج، وتظهر الأبحاث أن الحكومة الصينية تدعم الصيد بشكل كبير من خلال الإعفاءات الضريبية، ومعظمها على الوقود، بقيمة 16.6 مليار دولار سنويًا، أو 47% من إجمالي دعم الصيد العالمي، وقد زاد دعم وقود الديزل بمقدار عشرة أضعاف بين عامي 2006 و2011، ولأكثر من عقد من الزمان، ساعدت الحكومة الصينية في دفع تكاليف بناء سفن صيد أكبر وأكثر تقدمًا، حتى إنها أرسلت سفنًا طبيةً إلى مناطق الصيد لتمكين الأسطول من البقاء في البحر لفترة أطول.
تدعم الحكومة الصينية أيضًا أسطول صيد الحبار على وجه الخصوص من خلال تزويده بتوقعات عن مكان العثور على المخزون الأكثر ربحًا، وذلك باستخدام البيانات المستقاة من الأقمار الصناعية وسفن الأبحاث.
وفي خططها الرسمية – مثل “الخطة الرئيسية 2001-2010 لتطوير صناعة صيد الأسماك في المياه البعيدة في الصين، والخطط الخمسية الحادية عشر والثانية عشر لمصايد الأسماك الوطنية – تستهدف الحكومة الصينية توسيع حجم الأسطول وإجمالي المصيد، لكنها توقفت لاحقًا عن الدعوة إلى توسيع أسطول الصيد في المياه البعيدة، واتخذت نبرة مختلفة، ففي الخطة الخمسية الثالثة عشرة لمصايد الأسماك، ولأول مرة لم يكن الهدف الأساسي توسيع أسطول الصيد في المياه البعيدة.
في عام 2017، كجزء من خطتها لمصايد الأسماك، أعلنت الحكومة الصينية خطة مدتها خمس سنوات لتقليل العدد الإجمالي لسفن الصيد البحري إلى أقل من 3000 بحلول عام 2021، لم تحدد هدفًا لتوسيع عدد السفن، لكنها حددت حجم الصيد المستهدف عند 2.3 مليون طن، وهو رقم يتجاوز بقليل الكمية التي تم الوصول إليها في عام 2015.
رأى البعض حينها أن الحكومة الصينية جادة في رغبتها في تقييد أسطولها من المياه البعيدة، غير أن المحاولات الأخرى لكبح جماح أسطول الصيد الصيني كانت بطيئة، إذ يصعب فرض الإصلاحات والرقابة عليها، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تراخي القوانين، وكثير من القوى العاملة على متن السفن أميون، والعديد من السفن غير مرخصة أو تفتقر إلى أسماء فريدة أو أرقام التعريف اللازمة للتتبع، وغالبًا ما ترفض مؤسسات البحوث السمكية في البلاد مشاركة المعلومات محليًا أو في الخارج.
لم يمر الكثير حتى تبين عدم جدوى هذه الخطة، وفي عام 2018، استحوذت الصين على نحو 15% من إجمالي عمليات صيد الأسماك العالمية، أي أكثر من إجمالي ما اصطادته الدول التي احتلت المرتبة الثانية والثالثة مجتمعة، وفقًا لوكالة مصايد الأسماك التابعة للأمم المتحدة، لكن الافتقار إلى الشفافية يعني أنه من المستحيل معرفة مقدار المأكولات البحرية التي يأخذها البشر من المحيط حقًا وسط انخفاض مقلق في الحياة البحرية في نصف القرن الماضي.
رغم هذه التحذيرات، فإن معظم سفن الأسطول عبارة عن سفن صيد محظورة داخل المياه الإقليمية للصين، وتشتهر بتدمير النظم البيئية من خلال استخدام ما يسمى بـ”الجر الثنائي” أو شباك الجر الممتدة بين سفينتين متجاورين مع شبكة مدمجة بينهما تمشط البحار، التي يسهل تتبعها بواسطة الأقمار الصناعية نظرًا لأنهما يسافران معًا، وتستخدم القوارب الأخرى الشائعة الخيوط الطويلة لصيد الأسماك الكبيرة مثل التونة أو سمك القرش، والحبار، التي تعمل عادة في المياه العميقة.
باستخدام أداة رسم الخرائط التي ابتكرتها المنظمة غير الحكومية “Global Fishing Watch” بالشراكة مع “جوجل” ومنظمة “SkyTruth” البيئية، وثقت “أوشيانا” السفن الصينية التي عطلت على ما يبدو أجهزة التعقب الخاصة بها، منتهكةً قواعد المنظمة الإقليمية لإدارة مصايد الأسماك، وبالتالي توفير معلومات متضاربة لتحديد هوية السفن، ما يظهر مدى صعوبة أن تقف الدول الصغيرة في وجه أسطول الصين.
ونظرًا لأن السلطات الصينية لا تعلن عن تراخيص الصيد الخاصة بها، قالت منظمة “Global Fishing Watch” إنه لا توجد طريقة للتحقق من أن جميع السفن التي تدخل المياه الدولية مرخصة من الحكومة الصينية، ومع ذلك، أكدت أن السفن كانت من أصل صيني من خلال مصادر معلومات أخرى مختلفة.
في إفريقيا، على سبيل المثال، ليس من السهل دائمًا تحديد المالك المستفيد لسفن الصيد غير القانوني، رغم أن غالبية هذه السفن صينية، ففي عام 2022، وجد تقرير صادر عن تحالف الشفافية المالية أن ما يقرب من نصف سفن الصيد المتورطة في الصيد غير القانوني تعمل في إفريقيا، وتكلِّف القارة ما يصل إلى 11.49 مليار دولار سنويًا.
وتجتذب منطقة غرب إفريقيا على وجه الخصوص، مركز العالم للصيد غير القانوني، نحو 40% من سفن الصيد غير القانونية في العالم، ووجد تقرير صدر عام 2018 عن مؤسسة العدالة البيئية أن ما يصل إلى 90-95% من أسطول السفن المسجلة التي ترفع علم غانا مملوكة لشركات صينية، لكنها مسجلة على الورق فقط على أنها غانية، رغم أن قانون المصايد الغاني لعام 2002، لا يسمح للدول الأجنبية بالمشاركة في قطاع الصيد الصناعي في غانا عن طريق المشاريع المشتركة.
تعمل الشركات الصينية من خلال شركات “الواجهة” الغانية على الحصول على ترخيص للصيد وإنشاء هياكل مؤسسية غير شفافة للتحايل على القانون ومساعدة أصحاب السفن في تفادي الرسوم المالية واللوائح الأخرى، كما تستخدم ما يسمى “أعلام الملاءمة” (علم ترفعه السفن في أثناء ملاحتها للإشارة إلى البلد الذي جرى فيه تسجيل السفينة)، وهذا يعني أن الشركات الصينية تنتهك الضوابط المحلية لإدخال سفن الصيد المملوكة لها وتشغلها في المياه المحلية، والنتيجة هي الافتقار التام للشفافية فيما يتعلق بالطبيعة الحقيقية لملكية سفن الصيد بشباك الجر العاملة في غانا.
أهداف جيوسياسية تتجاوز حدود الصيد
رغم الحديث عن الاهتمام الصيني بصيد الحبار دون غيره، يعتبر صيد الحبار في المياه البعيدة بحد ذاته عملًا خاسرًا للمال، فوفقًا لبحث أجراه إنريك سالا، مؤسس ورئيس مشروع البحار النقية لجمعية ناشيونال جيوغرافيك، عن “اقتصاديات الصيد في أعالي البحار”، فإن سعر بيع الحبار في أعالي البحار عادة لا يقترب من تغطية تكلفة الوقود اللازم لصيد الأسماك.
يعني هذا أن هناك ما هو أبعد من المأكولات البحرية بالنظر إلى الحجم الحاليّ وطموح أسطول الصيد الصيني، حيث يتمتع بسمعة مخيفة بسبب الصيد غير القانوني والتكتيكات العدوانية عند مواجهة منافسيها أو سفن الدوريات الأجنبية وفقًا لمسؤولي البحرية الأمريكية والمتخصصين في الأمن البحري.
أصبحت غارات سفن الصيد الصينية أكثر تواترًا وعدوانية، وغالبًا ما تكون محمية ومسلحة، حتى في أعالي البحار أو في المياه الوطنية لدول أخرى
في شرق آسيا، قد تعمل سفن الصيد كجزء من التطلعات الجيوسياسية العدوانية الأكبر للصين، التي تهدف إلى تأكيد المطالبات الإقليمية، وغالبًا ما يعمل الصيادون التجاريون في البلاد كأفراد شبه عسكريين يمكن للحكومة الصينية أن تصوغ مهامهم على أنها إجراءات خاصة.
تحت ستار مدني، يساعد هذا الأسطول الخاص ظاهريًا في تأكيد الهيمنة الإقليمية، لا سيما في صد الصيادين أو الحكومات التي تتحدى مزاعم السيادة الصينية التي تشمل جميع بحر الصين الجنوبي تقريبًا.
سعت الصين إلى توسيع نطاق وصولها البحري من خلال المزيد من الوسائل التقليدية أيضًا، وقامت الحكومة، على سبيل المثال، بتوسيع قوتها البحرية بشكل أسرع من أي دولة أخرى، مع ما لا يقل عن ثلاثة أساطيل من السفن البحرية التي يُعتقد أنها قيد الإنشاء، بينما أرسلت أيضًا ما لا يقل عن 12 سفينة أبحاث متقدمة للتنقيب عن المعادن والنفط وغيرها من الموارد الطبيعية، لكن الوجود الأكثر عدوانية وانتشارًا على مستوى العالم هو أسطول الصيد الصيني، الذي يصنفه المحللون العسكريون الغربيون على أنه طليعة “ميليشيا مدنية تعمل كقوة غير رسمية وغير مهنية بدون تدريب مناسب وخارج أطر القانون البحري الدولي أو قواعد الاشتباك العسكرية أو الآليات المتعددة الأطراف التي تم إنشاؤها لمنع الحوادث غير الآمنة في البحر”، كما كتب جريج بولينج في مجلة “فورين بوليسي”.
لا يوجد مكان يوجد فيه أسطول الصيد الصيني أكثر من بحر الصين الجنوبي، الذي يعد من أكثر المناطق المتنازع عليها بشدة في العالم، حيث تتصاعد المطالبات التاريخية والإقليمية وحتى الأخلاقية بين الصين وفيتنام والفلبين وماليزيا وبروناي وتايوان وإندونيسيا.
بصرف النظر عن حقوق الصيد، تنبع المصالح في هذه المياه من مستنقع متشابك من الكبرياء الوطني ورواسب النفط والغاز المربحة تحت سطح البحر والرغبة السياسية في السيطرة على منطقة يتدفق من خلالها ثلث التجارة البحرية العالمية، وتزعم الصين أن معظم بحر الصين الجنوبي يعتمد على ما تقول إنه نشاطها التاريخي، لكن دول جنوب شرق آسيا، بدعم من الولايات المتحدة ومعظم دول العالم، تقول إن مثل هذه الادعاءات ليس لها أساس قانوني.
مع مرور الوقت، أصبحت غارات سفن الصيد الصينية أكثر تواترًا وعدوانية، وغالبًا ما تكون محمية ومسلحة، حتى في أعالي البحار أو في المياه الوطنية لدول أخرى، من سفن خفر السواحل الصينية المسلحة.
في بحر الصين الجنوبي، جذبت جزر سبراتلي (بين كل من فيتنام والفلبين والصين وبروناي وماليزيا) معظم الاهتمام، حيث شرعت الحكومة الصينية في بناء جزر اصطناعية على الشعاب المرجانية والمياه الضحلة، وعسكرة ممرات الطائرات والموانئ ومرافق الرادار.
تعزز قوارب الصيد الصينية هذا الجهد من خلال اجتياح المنطقة، ومزاحمة وترهيب المنافسين المحتملين، كما فعلوا في عام 2018، وأرسلت فجأة أكثر من 90 سفينة صيد على بعد عدة أميال من جزيرة ثيتو التي تسيطر عليها الفلبين مباشرة بعد أن بدأت الحكومة الفلبينية عمليات تطوير محدودة للبنية التحتية للجزيرة.
كما ازدادت التوترات بين سيول وبكين في عام 2016 بعد أن أغرقت سفينة صينية، كانت تصطاد بشكل غير قانوني في مياه كوريا الجنوبية، زروقًا تابعًا لخفر السواحل في كوريا الجنوبية، كان زورق الدورية يحاول إيقاف سفينة صيد صينية في المياه الكورية الجنوبية يُزعم أنها تصطاد بطريقة غير مشروعة عندما حطمتها سفينة صينية أخرى.
في تبرير حقوقها في المنطقة، تقدم بكين عادة ما يسمى بحجة “خط القطاعات التسعة” الذي يشير إلى خط الترسيم غير المحدد بدقة وتستخدمه الصين، ليعبر عن نزاعها بالجزء الأكبر من بحر الصين الجنوبي، لكن دول جنوب شرق آسيا، بدعم من الولايات المتحدة ومعظم دول العالم، تقول إن مثل هذه الادعاءات ليس لها أساس بموجب القانون الدولي، وقد ثبت أنها غير صالحة في حكم محكمة دولية عام 2016.
لا يتطلب الأمر عملًا خياليًا لتصور كيف يمكن لصدام مدني على ما يبدو أن يتصاعد بسرعة إلى صراع عسكري أكبر، ففي بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه بشدة، أرسلت إندونيسيا طائرات مقاتلة من طراز “F-16” إلى جانب البحرية وخفر السواحل وقوارب الصيد لصد 63 قارب صيد صيني وأربع سفن لخفر السواحل من مياهها في يناير/كانون الثاني عام 2020.
بدأت المواجهة في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2019 عندما دخلت سفينة حرس السواحل الصينية، ترافق قوارب الصيد الصينية، المياه قبالة ساحل جزر ناتونا الشمالية بإندونيسيا، ما دفع جاكرتا لاستدعاء سفير بكين، وأدت هذه القضية إلى توتر علاقات إندونيسيا الودية بشكل عام مع الصين، أكبر شريك تجاري لها ومستثمر رئيسي في أكبر دولة في جنوب شرق آسيا.
الاشتباكات بشأن مناطق الصيد التي يشارك فيها الصينيون لا تقتصر على بحر الصين الجنوبي، هناك خلاف بين اليابان والصين على جزر سينكاكو، المعروفة بالصينية باسم جزر دياويو أو “جزر الصيد”.
تقع مناطق الصيد في بحر اليابان، المعروفة في الكوريتين بالبحر الشرقي، بين الكوريتين واليابان وروسيا، وتشمل بعضًا من المياه الأكثر إثارة للجدل وضعيفة المراقبة في العالم، حيث لا تعترف الدول المجاورة بالحدود البحرية لبعضها، وحتى الآن، كان توغل الصينيين في هذه المنطقة مخفيًا إلى حد كبير، لأن قباطنتهم يتبعون أسلوبهم المعتاد في جعلها غير مرئية للسلطات البرية.
غالبًا ما تصور وسائل الإعلام الصينية الاشتباكات البحرية للبلاد مع الدول الآسيوية الأخرى المجاورة على أنها امتداد لحقبة “الممالك الثلاث” التي قامت فعليًا عام 221، وخاضت معركة ثلاثية شرسة من أجل السيادة.
في مكان آخر، في مياه المحيط الأطلسي، أطلقت سفينة خفر السواحل الأرجنتينية طلقة تحذيرية لوقف هروب سفينة صينية كانت تصطاد دون تصريح في منطقة اقتصادية مخصصة حصرًا للأرجنتين، عندما ردت السفينة الصينية، لو يان يوان يو، بمحاولة الاصطدام بالسفينة الأرجنتينية، انقلبت سفينة خفر السواحل، وهرب بعض أفراد الطاقم الصينيين إلى سفن صينية أخرى، بينما أنقذ خفر السواحل آخرين.
تثير مثل هذه المواجهات أيضًا مخاوف إنسانية من أن يصبح الصيادون أثارًا جانبيةً، وتثير الأسئلة البيئية عن سياسات الحكومة الصينية التي تعجِّل بنضوب المحيطات، لكن قبل كل شيء، فإن طموحات الصين في البحر تسلط الضوء من جديد على أن السعر الحقيقي للأسماك نادرًا ما يظهر في قائمة الطعام المعروضة على الطاولات أمام الزبائن.