وقع تفجير في 17 من ديسمبر 2016 في وولاية قيصرية وسط تركيا بسيارة مفخخة، وكان قد وقع تفجيران ليل السبت 10 من ديسمبر 2017 بالقرب من استاد نادي بيشكتاش وسط مدينة إسطنبول، مما أسفرا عن مقتل 44 شخصًا، بينهم 30 من أفراد الشرطة، وأعلن تنظيم يسمى “صقور حرية كردستان” مسؤوليته عن التفجيرين السابقين، كما جاء في إعلان التنظيم، ففي بيان على موقعها الإلكتروني قالت الجماعة التي أعلنت مسؤوليتها عن هجمات أخرى في تركيا في العام الحالي إنها نفذت الهجومين اللذين وقعا وأحدثا صدمة في بلد ما زال يحاول التعافي من محاولة انقلاب فاشلة وتفجيرات عدة منذ بداية العام.
ولكن تفجير17 من ديسمبر 2016 فلم تتبن فعله أي جهة حتى تاريخه، ولكن المسؤولين الأتراك ذكروا في تصريحاتهم أن تفجير (اليوم) يشبه تفجير يوم 2016/12/10، وفي السياق نفسه، قال نعمان قورتولموش نائب رئيس الوزراء التركي إن المواد المستخدمة في الهجوم بسيارة ملغومة على حافلة تقل جنودًا خارج نوبة عملهم في قيصرية بوسط البلاد مشابهة لتلك التي استخدمت في تفجيري إسطنبول الأسبوع الماضي، وأدلى قورتولموش بهذا التصريح خلال مقابلة مع محطة إن. تي. في التليفزيونية، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها على الفور عن الهجوم الذي قتل 13 شخصًا وأصاب 55، من جهته، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن حزب العمال الكردستاني مسؤول عن الهجوم، وأوضح أردوغان في بيان أن “تنظيمًا إرهابيًا انفصاليًا” مسؤول عن الهجوم، مشيرًا إلى ارتباط مثل هذه الهجمات بالتطورات في العراق وسوريا، ويستخدم الرئيس التركي عبارة “تنظيم إرهابي انفصالي” مرارًا للإشارة إلى حزب العمال الكردستاني الذي تدرجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا في قائمة المنظمات الإرهابية.
بعد أن أعلن جميل بايك في 2014/12/20 “إن التخلّي عن السلاح يُعد بمثابة الموت بالنسبة لهم”، فقد شرع حزب العمال الكردستاني بزعامة بايك بالتشدد إلى أن بلغت الذروة في 2015/07/12
وعليه فإن الراجح بالنسبة لمن قام بتفجير يوم 17 من ديسمبر وتفجيري 10 من ديسمبر هو الفاعل نفسه أي صقور حرية كردستان أو ما يسمى “TAK”.
أما خلفية هذا التنظيم وواقعه، فسنبينه بعد بيان تطورات التغيير في حزب العمال الكردستاني بعد اعتقال مؤسسه أوجلان.
عقب اعتقال أوجلان في العاصمة الكينية نيروبي عام 1999 تشكلت لجنة سداسية لقيادة منظومة المجتمع الكردستاني، وهذه المنظومة تتميز بتركيبة معقدة مقارنة بالأحزاب الكردية في باقي أجزاء كردستان، فالمنظومة عمليًا تتألف من أربعة أحزاب كبرى تضم في إطارها عشرات المنظمات الشبابية والطلابية والنسائية والاجتماعية واللجان الخدمية والأمنية، وهذه الأحزاب هي حزب العمال الكردستاني في تركيا، وحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، وحزب الحل الديمقراطي في العراق، وحزب الحياة الحرة في إيران “بيجاك”، ولكل حزب من هذه الأحزاب قيادته وتنظيمه الخاص، ولكنه في النهاية ينضوي في إطار منظومة المجتمع الكردستاني التي يرأسها منذ ذلك الوقت “1999م” مراد قره يلان.
لقد غلب على حزب العمال الكردستاني خلال ولاية مراد قره يلان تليين مواقفه من تركيا، فمنذ القبض على عبد الله أوجلان تقلصت أهداف حزب العمال الكردستاني من المطالبة بالاستقلال التام لكردستان إلى نيل الحقوق الثقافية وشكل من أشكال الحكم الذاتي يقتصر على الأكراد الأتراك وذلك بعد التفاهمات التي تمت بين الحكومة التركية وأوجلان بتخطيط من أمريكا.
استمرت العلاقة بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية في عهد مراد قرة يلان بشيء من الهدوء وفق ما رسمته أمريكا من خطوات لتهدئة الأوضاع بين الحكومة التركية والأكراد، ومن ثم توالت وسائل التهدئة بين الطرفين، وخاصة اعتبارًا من أواخر 2012، قام رئيس هيئة الاستخبارات التركية هاكان فيدان بزيارة جزيرة إيمرالي والتقى هناك عبد الله أوجلان، وأعلن رجب طيب أردوغان على قناة trt الحكومية عقد لقاءات مع أوجلان.
وفي 21 من مارس 2013 تمّت قراءة رسالة عبد الله أوجلان أمام الحشود المجتمعة من أجل إحياء عيد النيروز، حيث دعا خلالها إلى التخلي عن السلاح وبدء الكفاح السياسي، وقال حينها أوجلان العبارة التالية: “حان وقت التخلي عن السلاح وانسحاب العناصر المسلحة إلى خارج الأراضي التركية، وهذا لا يعني نهاية الصراع، إنما يعني بداية كفاح من نوع آخر”.
رحبت الولايات المتحدة بدعوة زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان أمس متمردي الحزب إلى إلقاء السلاح، ووصفتها بأنها “خطوة إيجابية”، كما رحبت بها الحكومة التركية، بينما أثارت استياء القوميين الأتراك، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية فكتوريا نولاند: “إعلان أوجلان وقف إطلاق النار يمكن أن يساعد في إنهاء العنف المأساوي المستمر منذ أكثر من ثلاثة عقود في تركيا”.
4 من أبريل 2013: تمّ تشكيل لجنة الحكماء المؤلفة من 63 شخصًا، وبدأوا بالتجول في أنحاء تركيا للتحاور من أجل حلّ القضية الكردية حلًا متفقًا عليه.
25 من أبريل 2013: أعلن مراد قارايلان أحد قادة جبل قنديل أمام مئات الصحفيين بأنّ التنظيم سيبدأ عملية الانسحاب من الأراضي التركية اعتبارًا من 8 من أيار/ مايو عام 2013.
استمرت هذه التهدئة وهذا اللين طول ولاية مراد قرة يلان ثم أصبحت الأمور تميل إلى الشدة بعد ذلك اعتبارًا من ولاية بايك بعد عقد المؤتمر التاسع لحزب العمال الكردستاني وانتخاب بايك خلفًا لمراد في مؤتمر التاسع لحزب العمال الكردستاني، في شهري يونيه ويوليو الماضيين، في قنديل.
لقد غلب على حزب العمال الكردستاني خلال ولاية مراد قره يلان تليين مواقفه من تركيا، فمنذ القبض على عبد الله أوجلان تقلصت أهداف حزب العمال الكردستاني من المطالبة بالاستقلال التام لكردستان إلى نيل الحقوق الثقافية وشكل من أشكال الحكم الذاتي يقتصر على الأكراد الأتراك
إن التغيير الذي طال رئاسة اللجنة شكل في نظر بعض الأوساط الكردية والتركية انقلابًا سياسيًا على المرحلة السابقة، حيث تم انتخاب لجنة قيادية جديدة بالكامل مؤلفة من ستة أشخاص (ثلاثة رجال وثلاث نساء) برئاسة القيادي جميل بايك ومعه بيسي هوزارط لرئاسة اتحاد المجتمعات الكردية k KC، ويمكن القول إن التغيير الذي طال قيادة الحزب خلال المؤتمر شكل منعطفًا جديدًا في استراتيجية الحزب، سواء على مستوى انتخاب قيادة جديدة بالكامل، أو على مستوى السياسة التي ينبغي اتباعها في المرحلة المقبلة، والأحداث اللاحقة تدل على تلك السياسة:
31 من يوليو عام 2013: أدلى جميل باييك بتصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية bbc، أكّد فيها بأنّ التنظيم سيوقف عملية الانسحاب في حال لم تقم الحكومة التركية بخطوات ملموسة حتّى تاريخ 1 يوليو القادم، ولم يكتف بهذا بل وجّه إنذارًا يتضمّن عودة العناصر التي انسحبت مجدّدًا إلى الأراضي التركية.
19 من أغسطس عام 2013: أفاد جميل باييك بأنه في حال تمّ إفشال مسيرة المصالحة الوطنية، فإنّ الأوضاع الأمنية داخل تركيا ستتدهور أكثر من ذي قبل، وفي 9 من سبتمبر عام 2013: أعلن اتحاد المجتمعات التركية KCK أنّ انسحاب عناصر تنظيم حزب العمال الكردستاني من الأراضي التركية، قد توقف بشكل كامل.
3 من ديسمبر عام 2013: ألقى جميل باييك خطابًا عن آخر التطورات في تركيا، قال فيه: “إذا استمر الوضع على هذا المنوال، فلا بدّ من نشوب حرب في تركيا، لقد أمهلنا الحكومة التركية فرصة لتحقيق مطالبنا حتّى الربيع القادم، فإن تمّ تحقيق هذه المطالب من قِبل الحكومة التركية فإن المشكلة سوف يتم حلها عن طريق المصالحة، وإن لم يتم قبول شروطنا فإننا لا يُمكننا الاستمرار بهذا الشكل مع الأتراك”.
12 من يوليو 2015 أعلنت منظومة المجتمع الكردستاني (KCK، أن وقف إطلاق النار المبرم مع تركيا منذ عام 2012 قد انتهى، مبررة ذلك ببناء الدولة التركية للسدود والمواقع العسكرية.
يتبين مما سبق أن حزب العمال الكردستاني في عهد مراد كان أقرب إلى الخط الأمريكي بتنفيذ الاتفاق الأمريكي للتهدئة بين حزب العمال والحكومة التركية وأن تلك المرحلة قد توجت بعقد اتفاقية السلام بينهما في مارس 2013، وخلال تلك الفترة كان تذمر من بعض الأكراد أدى إلى انشقاقات واعتراضات.
لقد أغضبت أجواء التهدئة في عهد مراد قرة يلان (1999-2013) بعض الأكراد لأنهم رأوا فيها بعض التنازلات.
في هذه الأجواء كان انشقاق تنظيم صقور حرية كردستان أو ما يسمى TAK عن حزب العمال الكردستاني في 2004 حيث كان منذ تأسيسه في 1993 مرتبطًا بحزب العمال الكردستاني، ويعمل الآن بشكل مستقل كما يقول، ويشدد تنظيم “تاك”، على أن تنظيمهم مستقل ولا علاقة لهم بأي أحد، وهم يعرّفون أنفسهم بأنهم “قوات فدائية”، من الناحية الهيكلية، وهدفهم الأساسي هو ضرب البنية العسكرية للجيش التركي وتخريب قطاع السياحة.
وقد كانت أولى عمليات الصقور في 2005، استهداف حافلة للسياح ما أدى إلى مقتل 5 أشخاص وإصابة 20، وعلى غرار تركيا، فإنه اعتبارًا من عام 2008، تم اعتبار تنظيم الـ “تاك”، تنظيمًا إرهابيًا من قبل خارجية الولايات المتحدة، ودخل قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية، ويعتبره الاتحاد الأوروبي كذلك حزبًا إرهابيًا.
وبعد التغيير الذي حدث في انتخابات المؤتمر التاسع ومجيء ولاية بايك أصبح حزب العمال يميل إلى الخط المؤيد للعنف مستهدفًا أردوغان وحكومته بأعمال مادية من تفجيرات وغيره، وانعكس ذلك بقوة على أعمال الصقور وبخاصة خلال السنة الحالية، فقد كانت الأجواء مساعدة لتنظيم صقور حرية كردستان لمضاعفة أعمالهم ضد قوات الأمن التركية، وعليه فقد تصاعدت أعمال الصقور في هذه الفترة، حيث ازدادت سخونة حتى كانت عملية 2016/12/17 يمكننا ملاحظة هذا الأمر بوضوح:
ديسمبر 2015: استهداف مطار صبيحة كوكجن بإسطنبول بالصوايخ أدى الهجوم إلى مقتل موظفة.
فبراير 2016: تفجير سيارة مفخخة بأنقرة أدى الهجوم إلى مقتل 28 شخصًا معظمهم جنود.
مارس 2016: تفجير سيارة مفخخة في أنقرة أدت إلى مقتل وإصابة العشرات.
يونيو 2016: تفجير سيارة مفخخة في حي فزنجيلار بإسطنبول، 11 قتيلاً وإصابة 35 معظمهم شرطة.
أكتوبر 2016: تفجير دراجة نارية في حي يني بوسنا بإسطنبول، إصابة 10.
نوفمبر 2016: تفجير سيارة مفخخة عند بوابة مبنى ولاية أضنة جنوب تركيا، مقتل مدنيين وإصابة العشرات.
وبدراسة كل ما سبق يتبين لنا الخلفية السياسية لصقور حرية كردستان وهي على النحو التالي:
بعد أن أعلن جميل بايك في 2014/12/20 “إن التخلّي عن السلاح يُعد بمثابة الموت بالنسبة لهم”، فقد شرع حزب العمال الكردستاني بزعامة بايك بالتشدد إلى أن بلغت الذروة في 2015/07/12 حيث أعلنت منظومة المجتمع الكردستاني KCK بقيادة بايك انتهاء وقف إطلاق النار مع حكومة أردوغان، وفي خط مواز نشط تنظيم الصقور TAK في الأعمال المادية ضد المصالح الحيوية للحكومة التركية وخاصة الأمنية حتى كانت العمليتان في 2016/12/10 و2016/12/17.
كان انشقاق تنظيم صقور حرية كردستان أو ما يسمى TAK عن حزب العمال الكردستاني في 2004 حيث كان منذ تأسيسه في 1993 مرتبطًا بحزب العمال الكردستاني، ويعمل الآن بشكل مستقل كما يقول
وهذا يعني أن الراجح في خلفية الصقور أنهم يتناغمون مع خط بايك ضد حكم أردوغان المتحالف مع أمريكا.
ويؤكد ذلك أن جميل بايك أحد مؤسسي حزب العمال الكردستاني قال في 15 من مارس 2016م في تصريحات لصحيفة التايمز البريطانية: “نريد إسقاط أردوغان وحزب العدالة والتنمية، لأنه طالما لم يسقط أردوغان وحزبه فلن يكون هناك ديموقراطية في هذا البلد”.
قال رئيس حزب الشعب الجمهوري كليجدار أوغلو أمام المؤتمر الـ 72 للجمعية العامة لاتحاد الغرف والبورصات التركية، (TOBB) في العاصمة أنقرة “ما هو هذا النظام الرئاسي؟ سيتكلّم شخص واحد وتصمت تركيا، هذا النظام الرئاسي لا يمكن تطبيقه في هذا البلد دون إراقة الدماء”.
عقب اعتقال أوجلان في العاصمة الكينية نيروبي عام 1999 تشكلت لجنة سداسية لقيادة منظومة المجتمع الكردستاني، وهذه المنظومة تتميز بتركيبة معقدة مقارنة بالأحزاب الكردية في باقي أجزاء كردستان
إيجاد حالة من عدم الاستقرار للنظام المتحالف مع أمريكا في تركيا استمرارًا لذيول محاولة الانقلاب الذي قام به عملاء أوروبا، فهم ولا شك يدركون أنه ليس من السهل تغيير هذا النظام في تركيا لأن أردوغان أوجد ركائز قوية لأمريكا في تركيا، ولكن يمكن أن يؤثروا في الاضطراب وعدم الاستقرار الذي إذا تكرر فقد يوهن ركائز النظام.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن النظام البرلماني في تركيا أسسته إنجلترا بيد مصطفى كمال، مما يعني أن بريطانيا هي الأب الروحي للنظام البرلماني في تركيا، ولذلك يريد أردوغان ومن ورائه أمريكا إغلاق هذا الباب إلى الأبد بتغيير النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي وإعطاء رئيس الجمهورية أكثر صلاحيات، وأما بريطانيا فلا تريد هذا النظام الرئاسي.
والخلاصة هي أن أوروبا تؤيد أعمال القتل والتفجيرات التي يقوم بها الموالون لها ومنهم صقور حرية كردستان، التي تريد أن تصطاد عصفورين بحجر: إيجاد عدم الاستقرار في النظام التركي الحليف لأمريكا، وفي الوقت نفسه الوقوف بقوة في وجه محاولة أردوغان لإعلان النظام الرئاسي مكان النظام البرلماني، وأما ما يُظن منه أن هذه الأعمال ستقود إلى منطقة حكم ذاتي، فهذا الأمر مستبعد على الأقل في المدى المنظور.