ترجمة رامي عواد
كتب جاي سولومون وكارول إي. لي
سعت إيران للحصول على المال من الإدارات الأمريكية منذ عهد كارتر، فهل تشجعهم صفقة أوباما على المطالبة بالمزيد؟
عندما أسُقط شاه إيران عام 1979، جمدت الولايات المتحدة 400 مليون دولار على الأقل من المال الإيراني بداخل الصندوق الائتماني للبنتاغون، ولم تتوقف جمهورية إيران الإسلامية عن محاولة استعادته.
سعت طهران دون جدوى للحصول على الأموال من جيمي كارتر في مقابل الـ52 دبلوماسيًا الأمريكيين الذين اتُخذوا رهائن لمدة 444 يومًا، كما طلبت من إدارة ريغان الحصول على المال خلال المفاوضات التي أدت إلى فضيحة إيران كونترا، وجاءت هذه القضية مرة أخرى خلال المفاوضات مع إدارة جورج بوش.
لم توافق أي إدارة أمريكية على تسليم الأموال حتى 17 من يناير الماضي، بعد فترة وجيزة تم إطلاق سراح أربعة مواطنين أمريكيين من السجون الإيرانية في عملية تبادل للأسرى، ذلك عندما أقلعت طائرة حكومية إيرانية من طراز بوينج 737 من مطار كوانتران في جنيف، على متنها ما قيمته 400 مليون دولار من الفرنكات السويسرية سُلمت على منصات خشبية في وقت سابق من ذلك اليوم من قبل حكومة الولايات المتحدة.
تاريخ من الأموال المجمدة، استنادًا إلى مقابلات مع المسؤولين الإيرانيين والأوروبيين والأمريكيين – متضمنةً المفاوضات على مدى عقود – تُبين كيف أنها كانت نقطة خلاف مستمر بين البلدين منذ الثورة الإيرانية عام 1979، وأخيرًا تم إزالة نقطة الخلاف – وبما يتماشى مع نمط ما حدث لمدة أربعة عقود – واستبدالها بالعقوبات المالية والمزيد من المحتجزين الأمريكيين، مما يشير إلى أن أعمال درامية مماثلة قد تنتظرنا.
على مدى الأشهر الـ18 الماضية، احتجزت إيران على الأقل ثلاثة مواطنين أمريكيين بتهمة تهديد الأمن القومي للبلاد، فالرئيس الإيراني حسن روحاني يريد من الولايات المتحدة إعادة جزء آخر من الأموال الإيرانية المجمدة في عام 2009 في حساب سيتي بنك في نيويورك والبالغة 2 مليار دولار، واقترح صفقة مماثلة لتلك التي تنطوي على 400 مليون دولار لحل المشكلة.
أخبر السيد روحاني إن بي سي نيوز في سبتمبر: “هناك مسألتين يجري الحديث عنهما في الوقت نفسه على مسارات متوازية”، وتابع “ولعل هذه المباحثات تجري في وقت واحد من أجل تحرير مبالغ من الأموال التي ما زالت تدين لنا بها”.
وقالت إدارة أوباما عن دفع الـ400 مليون دولار، و1.3 مليار دولار الآخرى تدفع مع الفائدة، إنها لم تكن فدية ولكن كانت جزءًا من اتفاق لحل النزاع المستمر منذ فترة طويلة على الأصول المجمدة، والتي كان يسيطر عليها الشاه محمد رضا بهلوي، بما فيها التحويلات النقدية، إلى جانب حل الأزمة المالية، كما سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إبرام اتفاق نووي مع قادة إيران، وقال مسؤولون في البيت الأبيض إنهم يأملون أن تقود الاتفاقية إلى تعديل السياسات الإيرانية.
منتقدو سياسة الرئيس باراك أوباما مع إيران، ومن ضمنهم الرئيس المنتخب دونالد ترامب، يرون تحويل الأموال، فضلًا عن الاتفاق النووي المبرم مع إيران في نفس الوقت، بمكانة رشى إلى النظام الإسلامي الذي لم يبد أي ميل لتعديل سلوكه العدائي تجاه الولايات المتحدة، واتهم مسؤولون في البنتاغون طهران بدعمها للجماعات المتشددة في منطقة الشرق الأوسط منذ إبرام الصفقة، كما قدم عدد من النواب الأمريكيين ما يقرب من اثنا عشر من التشريعات التي تسعى على حد سواء إلى منع أية تحويلات نقدية مستقبلية لإيران وحظر الحكومة الأمريكية رسميًا من دفع أي فدية.
تحاول إدارة أوباما مواصلة تعزيز الاتفاق النووي قبل أن يغادر أوباما منصبه الشهر المقبل من خلال ضمان إتمام الشركات الأوروبية والأمريكية العقود مع إيران، والتي تقدر بمليارات الدولارات بما في ذلك مبيعات الطائرات، وقد تعهد السيد ترامب بإلغاء اتفاق إيران أو التفاوض عليه، ويقول إن طهران لن تلتزم.
في عهد الشاه، كانت إيران أكبر مشترٍ للأسلحة الأمريكية في العالم، نظرت واشنطن إلى طهران باعتبارها الركيزة الأساسية لاستراتيجيتها لتأمين منطقة الخليج الغنية بالنفط وإحباط الطموحات السوفيتية في الشرق الأوسط، فتم التعاقد مع العشرات من شركات الدفاع في الولايات المتحدة، بما في ذلك شركة بوينج، وستنجهاوس إليكتريك، روكويل الدولية، لتزويد القوات المسلحة في عهد الشاه بالأسلحة، وأودعت الحكومة الإيرانية مئات الملايين في الصندوق الائتماني للبنتاغون لضمان استمرار تدفق الأسلحة الأمريكية.
الإطاحة بالشاه من قبل أنصار آية الله الخميني حطم التحالف العسكري بين الولايات المتحدة وإيران، فألغت وزارة الدفاع الأمريكية مليارات الدولارات من عقود الدفاع، وقُطعت العلاقات بين الولايات المتحدة رسميًا مع إيران بعد الاحتجاجات الطلابية بشأن دعم الولايات المتحدة لنظام الشاه، أسُر الدبلوماسيين الأمريكيين كرهائن في السفارة في طهران من نوفمبر عام 1979.
في يناير 1981، أطلقت إيران سراح الرهائن بعد 444 يومًا، ولكن فقط بعد أن بدأت إدارة كارتر في نقل 12 مليار دولار من المال الإيراني إلى حكام إيران الجدد، يقول مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون شاركوا في عملية إيران الدبلوماسية التي مُيزت بأنها الأولى من نوعها، وجادل بعض المشرعين أنها تعتبر نوع من الابتزاز أو فدية.
لم تشمل التحويلات الأموال المودعة في الصندوق الائتماني للبنتاغون، وهي مسألة حساسة لحكومة طهران الثورية.
من الواضح، في نظر إيران أن “احتجاز الرهائن والإكراه هو النفوذ الوحيد الذي يملكه النظام ضد قوة عظمى”، كما يقول باتريك كلاوسون، الخبير في الشؤون الإيرانية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الذي نصح الأسر التي رفعت دعوى ضد إيران.
وافقت الولايات المتحدة وإيران في عام 1981 على إنشاء محكمة في مدينة لاهاي الهولندية لتسوية النزاعات المالية المتبقية من عهد الشاه، جلس ثلاثة قضاة إيرانيون وثلاثة أمريكيون مع ثلاثة من بلدان أخرى، في نهاية الأمر كان هناك ما يقرب من 4000 حالة تم النظر إليها منذ بدأت لجنة التحكيم في عام 1982.
تم التوصل إلى تسويات على العديد من الأمور سواء بين الحكومتين أو في النزاعات الخاصة، ولكن قضية أموال وزارة الدفاع الأمريكية والعديد من صفقات الأسلحة لم تكن من ضمنها، وفقًا لمحامي الولايات المتحدة والإيرانيين الذين شاركوا في المداولات.
شكك محامو الحكومة الأمريكية فيما إذا كانت الولايات المتحدة ملزمة قانونًا بتعويض لحكومة الثورة الإيرانية، وقالوا أيضًا إن الاستيلاء على السفارة خرق شروط صفقات دفاعية.
“الخلافات على الأسلحة تم تجنيبها أو تجاهلها”، كما يقول كوروش العاملي المحكم الإيراني والذي عمل في محكمة لاهاي حتى عام 2009، “كانت الحجج القانونية والأطراف السياسية يكاد يكون من المستحيل الفصل بينهم”.
واجهت إدارة ريغان قضية المال في صندوق البنتاغون عندما فتح قناة سرية لطهران خلال منتصف الثمانينات، مما أدى إلى فضيحة إيران كونترا.
عقد مسؤولون أمريكيون عشرات الاجتماعات مع ممثلي السيد الخميني في عام 1985 وعام 1986 في محاولة لتحسين العلاقات بين البلدين، على طاولة المفاوضات، سعت الولايات المتحدة لمساعدة إيران في تأمين إطلاق سراح الأمريكيين المختطفين في لبنان، وفي المقابل، عرضت الولايات المتحدة على إيران صواريخ مضادة للدبابات للمساعدة في حربها ضد الديكتاتور العراقي صدام حسين.
ولكن الإيرانيين يريدون أكثر من ذلك، وفقًا للمشاركين في الاجتماعات، فقد طالبوا بكل المال الموجود في الصندوق الائتماني للبنتاغون أو الأسلحة التي يعتقد أنه تم شرائها بالفعل، ولكن رفضت الولايات المتحدة.
وأضاف أنهم يعرضون الأمر في كل لقاء، كما يقول أوليفر نورث الرئيس السابق للبحرية الذي أشرف على ترتيبات إيران كونترا، مشيرًا إلى المال البنتاغون: “لقد كان بمثابة هاجس”.
باعت الولايات المتحدة لإيران المئات من الصواريخ سرًا، واستخدمت العائدات لتمويل ثوار الكونترا لمحاربة الحكومة الماركسية في نيكاراغوا، ولكن ادعى الإيرانيون أن الصواريخ معيبة وأدت في نهاية المطاف المعاملات السرية إلى اتهامات جنائية ضد كبار المسؤولين في إدارة ريغان، بما في ذلك عقيد المنطقة الشمالية.
خلال فترة رئاسة جورج بوش عمل المحامين الأمريكيين في لاهاي على تسوية جميع المطالبات المعلقة، في محاولة لتحسين العلاقات مع إيران في ظل حكم الرئيس هاشمي رفسنجاني، في عام 1990، أعيد 200 مليون دولار لإيران من الصندوق الائتماني للبنتاغون، كما تم التوصل إلى تسوية أخرى للحصول على صفقة أسلحة فاشلة في عام 1991.
كما أفرج عن الرهائن الأمريكيين الذين تحتجزهم الميليشيات المدعومة من إيران في لبنان بعد فترة وجيزة مما أثار اتهامات في الكونجرس بأن فدية قد دفعت، ونفت إدارة بوش ذلك، ولكن قّوض الحادث قدرة الولايات المتحدة على تسوية المزيد من المطالبات خلال فترة الرئيس بوش، كما يقول مسؤولون سابقون بالولايات المتحدة عملوا على تلك الحالات.
“ماذا كان يجب أن نفعل لإعادة الأمريكيين مرة أخرى؟” يسأل إبراهيم سوفاير كبير محاميي وزارة الخارجية في ذلك الوقت.
السياسة المحيطة بالأموال أصبحت أكثر تعقيدًا كما أن اتهامات بدعم طهران للإرهاب الدولي تضاعفت، كما يقول مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون، إن إيران هي مورد الأسلحة والتمويل لجماعات توصف بأنها كيانات إرهابية من قبل حكومة الولايات المتحدة، بما في ذلك حزب الله في لبنان وحماس والجهاد الإسلامي في الأراضي الفلسطينية.
أصدر الكونغرس تشريعًا في عام 1996 يسمح لضحايا الإرهاب بمقاضاة الحكومات الأجنبية عن الأضرار المالية، بعد ذلك بعامين، فازت أسرة إليسا فلاتو، امرأة نيو جيرسي البالغة من العمر 20 عامًا والتي قُتلت في قطاع غزة عندما فجر جهادي نفسه في حافلة، بتعويض قدره 250 مليون دولار قضت به محكمة أمريكية ضد طهران، إذ اتُهمت طهران بتمويل والإشراف على أنشطة المجموعات الإرهابية.
يقول محامي عائلة السيدة فلاتو إن الإدارة الأميركية تريد أن تستولى علي أموال الإيرانيين وذهبت مجهوداتهم أدراج الرياح، “لم أكن أريد تلقي أموال دافعي الضرائب لهذا” قال السيد فلاته، وتابع “الإيرانيون هم الذين يجب أن يدفعوا”.
في نهاية المطاف، وجهت وزارة الخزانة أموال دافعي الضرائب في أماكن أخرى، وبقيت الـ400 مليون دولار في حساب وزارة الدفاع الأمريكية.
خلال فترة ولاية الرئيس أوباما الثانية، كثفت إدارة البيت الأبيض مع محاميي الولايات المتحدة في لاهاي المفاوضات لتسوية المطالبات المالية الإيرانية من عهد الشاه، ويقول مسؤولون أوروبيون إنهم كانوا على يقين بحلول ربيع عام 2015 أن المحكمة ستأمر في نهاية المطاف الولايات المتحدة بسداد 400 مليون دولار، بالإضافة إلى الفائدة، واتفق معهم بعض المحامين الذين عملوا في محكمة لاهاي خلال الإدارات الجمهورية.
يقول جون بولينجر محامٍ بارز في وزارة الخارجية جورج دبليو بوش: “اعتقد من الواضح جدًا أنه عند نقطة معينة أننا ذاهبون للتسوية”، وأضاف أن إيران تطالب بمبلغ 10 مليار دولار، مشيرة إلى ارتفاع معدلات الفائدة في السبعينيات، في تسوية خارج المحكمة، وافقت الولايات المتحدة على دفع 400 مليون دولار لإيران، بالإضافة إلى 1.3 مليار دولار الفائدة، وقال إن هذه المدفوعات تعتبر تقدمًا رئيسيًا في تسوية جميع المنازعات المتعلقة منذ عهد الشاه.
ومع ذلك، فإن توقيت الدفع في شهر يناير، واستخدام النقد أدى إلى إثارة العديد من المشرعين والدبلوماسيين في الولايات المتحدة لتوصيف الـ 400 مليون دولار كفدية.
يقول مسؤولون في إدارة أوباما إنها تحتاج إلى الدفع نقدًا بسبب العقوبات الأمريكية وللاستجابة السريعة للاحتياجات الاقتصادية في إيران، ومع ذلك، على مدى الأشهر الـ18 الماضية، تستخدم الولايات المتحدة البنوك الدولية لإرسال الأموال إلى إيران لتسوية التزامات مالية أخرى، ما قوّض حجة أن المعاملات المصرفية المعتادة كانت مستحيلة مع طهران.
“كانت هناك العديد من الطرق التي يمكن استخدامها لدفع هذا المال، غير النقد الذي لا يمكن تعقبه”، كما يقول السيد سوفاير المحامي بوزارة الخارجية في إدارة ريغان وجورج دبليو بوش.
في الأيام التي سبقت تسليم الـ400 مليون دولار في جنيف، نقلت وزارة الدفاع المال لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، هناك تم تحويله إلى الفرنك السويسري وأودّّع في حساب في البنك المركزي السويسري، ثم تم نقله إلى مطار جنيف، حيث ينتظر المسؤولون الأمريكيون لكلمة أن السجناء الأمريكيين الأربعة غادروا طهران، وقال المسؤولون إنهم استخدموا السداد التي تم التفاوض عليه بشكل منفصل في لاهاي كوسيلة ضغط لضمان الإفراج عن الأمريكيين.
يوم 17 من يناير، لاحظ العديد من هواة تتبع الطائرات السويسرية التي تتبع حركة الطيران، وجود بوينغ 737 مملوكة لجمهورية إيران الإسلامية على المدرج في مطار جنيف، كما بدأوا تصوير تحركات طائرة تابعة للقوات الجوية الأمريكية والطائرة غلف ستريم V التي وصلت لالتقاط السجناء، ثم انطلقت إلى السماء.
كتب أحد الراصدين في بيان على الإنترنت: “لدينا حدث سري بين إيران ووزارة خارجية الولايات المتحدة في سويسرا”، وتابع “في مطار جنيف يجري تبادل للسجناء الإيرانيين الأمريكيين”.
تابعت خدمة تتبع الرحلات السويدية الطائرة الإيرانية حيث اتجهت شرقًا فوق وسط أوروبا، اختفت إشارة الطائرة في نهاية المطاف عند تركيا، وأبلغ الايرانيون برج المراقبة عن وجهتهم: أورميا، مهبط للطائرات على حدود إيران الغربية مع العراق.
في وقت لاحق من ذلك اليوم، أعلنت إدارة أوباما أن الأمريكيين الأربعة، بما في ذلك مراسل صحيفة واشنطن بوست جيسون ريزاين أفُرج عنهم، ولم يذَكر البيان التحويلات النقدية في جنيف.
المصدر: وول ستريت جورنال