“لعلها شمس ثقافية تشرق على الشمال السوري من جديد، بعد أن أنهكته الحرب”، بهذه العبارة يُعرف حسام قطيني مؤسس فريق “صبح الثقافي” عن المشروع، موضحًا أنه محاولة للنهوض بالجانب الفكري والمعرفي والثقافي لأبناء المنطقة عبر إقامة ما يعرف بالصالون الثقافي، وما تتضمنه برامجه من أمسيات شعرية وفنية وموسيقية، وكذلك جلسات حوار ونقاش تطرح مواضيع مجتمعية مختلفة، في ظل غياب الدور الحكومي (وزارة الثقافة مثلًا) عن المنطقة.
يحاول الفريق الربط بين الدور الأدبي والفني والمجتمعي، عبر إتاحة الفرصة للمواهب الشابة التي لم تجد طريقًا لتفريغ طاقاتها الفنية، وتقديم تدريبات متخصصة في إعداد السيناريو وفن الإلقاء والتمثيل والخطابة، مخصصًا مساحة كبيرة للمسرح.
ويشير قطيني في حديث لموقع “نون بوست”، قائلًا: “المسرح الحر وسيلة ذات شعبية عالية في المجتمعات العربية، بإمكانه أن يجعلنا قريبين من الناس أكثر عبر طرح قضاياهم، قدمنا مؤخرًا مسرحية بعنوان (مذكّرات وطن) تناولت مواضيع التهجير القسري وواقع ذوي الاحتياجات الخاصة، كما سلّطنا الضوء على أهمية عمل المرأة في ظل الظروف الراهنة والأوضاع الاقتصادية الصعبة”.
قدم الفريق أيضًا مسرحية بعنوان “رحلة حنظلة من الوهم إلى الحقيقية”، تحدثت عن أدوات الديكتاتور للسيطرة على عقول الناس من خلال الإعلام وغسل الأدمغة واستدعاء الأفرع الأمنية، في محاولة للتعبير عن الواقع الذي تعيشه سوريا اليوم في ظل حكم نظام الأسد، كذلك من الممكن إسقاط موضوع المسرحية على العديد من الدول العربية المجاورة التي تعاني من الحكم المستبد، بحسب قطيني الذي ألف المسرحية وأخرجها.
ويلفت إلى أنه “في ظل غياب أي مقومات للعمل المسرحي في المنطقة، يلجأ فريق صبح إلى ابتكار بعض التجهيزات المتعلقة بالإضاءة والصوت والستائر الخاصة بالمسرحيات بطرق يدوية عبر أدوات بسيطة جدًا”.
يشير قطيني المهتم بالأساس بمجالات المسرح والشعر والأدب إلى أن انطلاقة الفريق كانت في عام 2021، نتيجة جهود جماعية من مجموعة من الشباب في الشمال السوري المهتمين بالثقافة، ويضم الفريق اليوم ما يقرب من 25 شخصًا في الوقت الحاليّ، فيما تصل خدماته إلى المئات من الراغبين في تنمية مواهبهم وصقل مهاراتهم، كما يقدم مساحة آمنة للشباب في التعبير عن قضاياهم وتطلعاتهم.
يهتم الفريق بتخصيص مساحة حرة للقراءة عن طريق المكتبة المجانية المفتوحة للجميع بعناوينها المنوعة والمميزة، كذلك هناك نشاطات مخصصة للتدريب على الرسم والأشغال اليدوية، ويضيف قطيني “لدينا أيضًا نادٍ للشطرنج ونادٍ لكرة الطاولة، وقسم للبرامج الإعلامية، كذلك نفتتح بين كل فترة وأخرى المعارض الفنية”.
وللفئات العمرية الصغيرة نصيبٌ من الاهتمام، فقسم المسرح مثلًا مقسم بين مسرح للكبار ومسرح للصغار، يضيف قطيني “لدينا برامج تنمية فكرية للأطفال تتضمن مسابقات ثقافية ومساحة للمطالعة ومناظرات وسينما وتدريبات منوعة وأنشطة دعم نفسي، ينجذب أطفالنا أيضًا إلى فقرة (الحكواتي)، فنحن نسعى إلى زرع القيم والأخلاق في الجيل الجديد بطريقة تفاعلية ترفيهية”.
وعن الحضور النسائي في الفريق يقول قطيني: “المرأة موجودة في كل الأنشطة التي نقدّمها، نشجع دائمًا مشاركتها بالأمسيات الحوارية والجلسات الشعرية والمسرحيات”، ويشير إلى أن التمثيل النسائي ضمن الأعمال الفنية ليس سهلًا في ظل طبيعة البيئة المحافظة التي تطغي على الشمال السوري، لا سيما على صعيد العادات والتقاليد، لكن هناك تشجيعًا حثيثًا للمرأة لتأخذ دورها في المجتمع، وسعي لإطلاق أنشطة مخصّصة للنساء في المستقبل.
وفي ظل التعطش الكبير في الشمال السوري لوجود الفعاليات الثقافية والترفيهية، تشهد النشاطات إقبالًا كبيرًا، يوضح قطيني، قائلًا: “تفاعل الأهالي قوي، لمسنا هذا الشيء من خلال اهتمام مختلف الشرائح، فكثيرًا ما نستقبل زوارًا من خارج المنطقة، وبلغ عدد المستفيدين خلال الفترة الماضية نحو 850 شخصًا، وأصبح الناس هنا يعتبرون أنفسهم جزءًا من المشروع لا سيما من خلال تقديمهم العديد من المقترحات والأفكار لتطويره، كذلك تلقينا أكثر من طلب لتصوير فيلم سينمائي عن واقع المنطقة”.
تتمثل الصعوبات التي يعاني منها “فريق صبح”، في تأمين الاحتياجات اللوجستية الضرورية مثل أماكن العرض والتجهيزات المكتبية، فضلًا عن صعوبات تتعلق بالجوانب المادية مثل تأمين رواتب الموظفين والمتطوعين والخوف من انتهاء تمويل المشروع، المدعوم بالأصل من “المؤسسة الأوروبية للديمقراطية”، بحسب مسؤولي الفريق.