ترجمة وتحرير نون بوست
سلطت عملية اختطاف الصحفية أفراح شوقي الضوء على استغلال العصابات ورجال الأمن للإرهاب بهدف جني الأموال.
في حين كان العراق يحتفل بنهاية سنة 2016، كانت نبراس، الشقيقة الصغرى للصحفية العراقية أفراح شوقي تنتظر أي خبر يدلها على مصير أختها.
اختُطِفت أفراح، أم لصبيين، من منزلها في جنوب بغداد في وقت متأخر من يوم 26 كانون الأول/ديسمبر، حيث نفّذ هذا الاختطاف مسلحين بلغ عددهم بين 8 و15 شخصا. وقد أجبر هؤلاء المسلحين أفراح على الذهاب معهم بعد أن سرقوا بعضا من الأموال وأجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة، ثم غادروا في سيارتها الخاصة.
ومنذ ذلك الحين، لم تتمكن السلطات الأمنية العراقية وعائلتها من الحصول على ما يكفي من المعلومات فيما يتعلق بعملية الاختطاف.
من جهتها، أخبرت نبراس “ميدل إيست أي” أن “الوقت توقف منذ أن أجبر المسلحون الملثمون أفراح على المغادرة معهم … إن قلوبنا معلقة بالهاتف الجوال منذ ذلك الحين، ولا ندري كيف سينتهي هذا الكابوس. يسألني أبناء أفراح، يوسف (13 سنة) ويونس (10 سنوات)، عن أمهم وعما إذا كانت ستعود… لكن ليس لدي أي إجابة عن هذه الأسئلة.”
وتجدر الإشارة إلى أن أفراح شوقي، التي تبلغ من العمر 42 سنة، تعمل كمراسلة لعدد من المواقع الإخبارية العربية والمحلية، بما في ذلك مجلة أقلام الثقافية. في الحقيقة، إن عملية اختطاف أفراح ليست إلا واحدة من عدة عمليات سياسية وإجرامية تقع بشكل يومي في بغداد. وقد ارتفع عدد هذه العمليات مؤخرا، وذلك لأسباب جنائية، وفقا لما صرح به مسؤولون عراقيون.
أما خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي الذي أقيم يوم الثلاثاء الفارط، فقد أشار رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي أن هناك “ارتفاعا نسبيا” في “عدد عمليات الاختطاف” التي تنفذها “الجريمة المنظمة (العصابات).”
وقد تواصلت “ميدل إيست أي” مع مسؤولين أمنيين عراقيين إلا أنهم رفضوا تقديم أية أرقام محددة عن عمليات الاختطاف الجنائية في بغداد. في المقابل، أخبر مصدر مطلع على سجلات وزارة الداخلية أخبر “ميدل إيست أي” أن هذه السجلات تحتوي على 745 حالة اختطاف مسجلة في بغداد خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2016. هذا إضافة إلى 30 حالة غير مسجلة وقعت خلال نفس الفترة. في هذه الحالات، رفضت العائلات إبلاغ السلطات الأمنية بطريقة رسمية، “لأنهم يؤمنون أن ذلك سينقذ حياة أقاربهم المختطفين”، وذلك وفقا لما صرح به نفس المصدر.
متظاهرة ترفع صورة الصحفية العراقية أفراح شوقي خلال مظاهرة تطالب بإطلاق سراح الصحفية
من جهة أخرى، نفى حيدر فخري، مدير دائرة مكافحة الجريمة في بغداد، أن تكون هناك أكثر من 700 حالة اختطاف في بغداد في الأشهر التسعة الأولى من سنة 2016 ورفض تقديم أي إحصائيات حول عدد عمليات الاختطاف في تلك الفترة.
وقال فخري في حديث له مع “ميدل إيست أي” إنه “في ضل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، انخفض عدد عمليات الاختطاف، فقد وقعت عملية واحدة أو اثنين خلال هذا الشهر”.
شأنهم شأن فخري، رفض بعض المسؤولين، الذين تواصلت معهم “ميدل إيست أي”، تقديم أي أرقام رسمية، في حين لم يكن للبعض الآخر أي معلومات، لكن كل هؤلاء أجمعوا على أن هناك ارتفاع في هذا النوع من الجرائم.
وقال مجلس محافظة بغداد، والذي يشرف على الحكومة المحلية في المدينة، إن السجلات تشير إلى أن هناك 25 عملية اختطاف وقعت في بغداد في شهر كانون الأول/ديسمبر، “وهناك أكثر من ذلك العدد من العمليات لم يتم تسجيلها”، وذلك وفقا للتصريح الذي أدلى به رئيس المجلس رياض العضاض “لميدل إيست أي”.
في بلد مزقته الحرب، عادة ما تكون هناك دوافع سياسية أو إجرامية وراء عمليات الاختطاف، حيث قال وزير الداخلية العراقي السابق محمد سالم الغبان “لميدل إيست أي” إن “العمليات الإجرامية تهدف إلى ابتزاز الناس للحصول على الأموال، أما العمليات الإرهابية (السياسية)، فهي تهدف لفرض نفوذ العصابة ولابتزاز الناس في الوقت ذاته.”
ووفقا لعدد من المسؤولين، لا زالت هذه العصابات تعمل في بغداد وعادة ما تطلب فدية تتراوح بين 10 آلاف دولار و100 ألف دولار، ويتم تحديد هذا المبلغ وفقا للوضعية المالية لعائلة الضحية. وبحسب ما أدلى به مسؤولون أمنيون ومحليون “لميدل إيست أي”، فإن عمليات الاختطاف التي وقعت في بغداد في شهر كانون الأول/ديسمبر كانت معظمها إجرامية.”
من بين هذه العمليات هي اختطاف علي الخفاجي البالغ من العمر 14 سنة، الذي اختُطف من منزل عائلته في حي الكرادة، الذي يعدّ أحد الأحياء الراقية في بغداد، حيث طلب الخاطفون 50 مليون دينار (41 ألف دولار) للإفراج عنه.
ولم تتردد عائلة علي لدفع الفدية المطلوبة. لكن في وقت لاحق من اليوم التالي، تم العثور على جثة علي في مياه الصرف الصحي. في هذا السياق، قال العضاض إن “المختطفين غالبا ما يقتلون الضحايا بعد أن تُدفع الفدية”.
خارطة الخطف
قُسمت بغداد إلى أحياء سنية وأخرى شيعية منذ سنتي 2006 و2008، وذلك عندما كانت الحرب الأهلية في ذروتها والتي ذُبح فيها عشرات الآلاف من العراقيين بسبب انتماءاتهم الطائفية، وأصبحت هذه الأحياء محاطة بالجدران الواقية من الانفجارات وأصبحت تحت سيطرة قوات الأمن العراقية.
وعلى الرغم من هذه السيطرة، إلا أن الميليشيات الشيعية والمقاتلين السنة المتطرفين والعصابات الإجرامية من الجانبين كان بإمكانهم التحرك داخل وخارج هذه الأحياء وتنفيذ جميع أنواع الهجمات، كما “تستغل كل هذه العصابات ضعف الدولة والقانون وتستخدم بعض منها أسماء الفصائل الشيعية المسلحة للحصول على تسهيلات”، حسب ما ورد على لسان الغبان.
استخدم مختطفو أفراح ثلاث سيارات “نصف نقل” دون لوحات. وقد تمكنت هذه السيارات من الدخول إلى حي السيدية ذو الأغلبية السنية والذي يقع جنوبي بغداد، وذلك على الرغم من أن الحي محاط بالجدران الواقية من الانفجارات. وعلى الرغم من مراقبة الشرطة لكل مداخله، إلا أن مسؤولا أمنيا رفيع المستوى رفض الكشف عن اسمه قال إنه “من المستحيل أن تمر سيارة دون لوحة من نقاط التفتيش الأمنية دون التفطن لذلك. وفي حال تمّ ذلك، فسيكون بمساعدة أحد من الداخل حتّى تتمكن من التحرك بحرية وسط حي مغلق مثل السيدية”.
وقد رفض هذا المسؤولون فضلا عن مسؤولين آخرين من المطلعين على التحقيقات المتعلقة باختطاف أفراح تقديم أي معلومات قد تكشف هوية الخاطفين أو دوافعهم، حيث قال نفس المسؤول “لا نستطيع أن نقول كل شيء، إن حياة أفراح على المحك… كل ما يمكنني قوله هو أن عصابة شيعية هي التي اختطفت أفراح. ونحن نبذل قصارى جهدنا لإنقاذها.”
محتجون يرفعون صورا للصحفية العراقية أفراح شوقي للمطالبة بالإفراج عنها ـ 30 كانون الأول/ديسمبر، بغداد
العصابات الشيعية وراء عمليات الاختطاف
في سنة 2016، وقعت معظم عمليات الاختطاف في حي الرصافة في بغداد، وهو حي يقع على الضفة الشرقية لنهر دجلة ويضم العديد من المصارف وشركات التمويل والاستثمار. وقال مسؤولون إن العائلات الشيعية الثرية في حي الرصافة تعيش على بعد بضعة مبان من الأحياء الشيعية الفقيرة.
كما قال عدة مسؤولين أمنيين “لميدل إيست أي” إن أغلب الضحايا والعصابات في سنة 2016 كانوا من الشيعة، و90 بالمائة من العمليات كانت ذات دوافع إجرامية ونفذتها عصابة شيعية صغيرة كانت قد انفصلت عن الميليشيات الشيعية، حيث قال مسؤول أمني عراقي رفيع المستوى رفض الكشف عن اسمه إن “بعض من هذه العصابات تدعمها إما الفصائل المسلحة الشيعية الكبيرة أو تستفيد من العلاقات مع قوات الأمن.”
في المقابل، شهدت بغداد خلال السنوات الأخيرة عشرات عمليات الاختطاف السياسية والإجرامية، والتي تقوم بها عصابات سنية وشيعية من خلال استخدام شارات وسيارات قوات الأمن، وذلك وفقا لما أدلى به مسؤولون عراقيون “لميدل إيست أي”.
وفي الحقيقة، لم ينف الجنرال فخري وجود رجال أمن يقدمون الدعم المطلوب لهذه العصابات، وأضاف أنها “تستخدم كل الأدوات المتاحة لتسهيل تحركاتها. كما أن كل أفراد العصابات الذين تم القبض عليهم اعترفوا أنهم تحصلوا على دعم من قبل جندي أو رجل أمن. لكن لم يتورط أي مسؤول رفيع المستوى في هذه الجرائم”.
أما رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، فقد ألقى باللوم على البرلمان، حيث قال في المؤتمر الصحفي الأسبوعي إن “قانون العفو العام الذي صادق عليه البرلمان هو السبب في ارتفاع عدد عمليات الاختطاف”. ومن جهته، انتقد الغبان طريقة عمل قوات الأمن قبل أن يقدم استقالته من منصبه في تموز/يوليو بعد أن وقع أسوأ هجوم في بغداد. ولفت الغبان الانتباه “لتداخل الصلاحيات الأمنية وعدم وجود تنسيق بين الأجهزة الأمنية”، وذلك خلال لقاء له مع ميدل إيست أي.
وقال الغبان أيضا إن المشاكل التي دفعته للاستقالة لم يتم حلها بعد وإن الظروف التي انتقدها في ذلك الوقت أدت إلى التدهور الحالي في مجال الأمن، بما في ذلك ارتفاع عمليات الاختطاف. وفي مقابلة مع وكالة رويترز قبل استقالته، انتقد الغبان “الفوضى” التي تعاني منها الأجهزة الأمنية العراقية. وأكد أن قوات الأمن التي لا تقع تحت سيطرته تتداخل مع جهود وزارته.
وأضاف الغبان في حديث له مع “ميدل إيست أي” أنه “مع الخلط المستمر في التعامل مع الأمن، وفقدان الدولة لهيبتها، وانتشار الأسلحة خارج سيطرة الحكومة ونفوذ الفصائل المسلحة، لا يمكننا توقع أي شيء غير التدهور المستمر”.
المصدر: ميدل إيست أي