ترجمة وتحرير نون بوست
كان الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، يشاهد أنصاره وهُم يوقّعون اتفاق تشارك السلطة مع المتمردين الحوثيين لتسيير البلاد، في مراسم أُقيمت في فصل الصيف، وفي تلك الفترة، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها من انتهاك ذلك الاتفاق للدستور اليمني.
وعلى إثر هذه المراسم، أعلن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي حكم لفترة طويلة، عودته للساحة السياسية اليمنية.
ووفقًا لاستنتاجات المحللين والقادة السياسيين، فإن الرئيس المخلوع يُعتبر من بين أكثر ساسة الشرق الأوسط خداعًا ودهاءً، حيث اغتنم حالة الفوضى والصراع المستفحلة في البلاد وقلة خبرة المعارضة من أجل تعميق نفوذه والعودة إلى الساحة السياسية مجددًا.
كان صالح فيما سبق من أهم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية في الحرب ضد الإرهاب، لكن سرعان ما تخلى كلاهما عنه لصالح قوى المعارضة الفتية التي أطاحت به بعد جملة من المسيرات الحاشدة في سنة 2012.
وفي الوقت الراهن، يلعب علي عبد الله صالح دورًا كبيرًا في عرقلة محادثات السلام التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن، حتى إنه يمثل تهديدًا لا يُستهان به لنفوذ الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
وفي نفس السياق، يرى المسؤولون في واشنطن أن جهود أمريكا لاحتواء تنظيم القاعدة في اليمن ساهمت في الحد من التهديدات التي تشكلها أخطر منظمة إرهابية في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، يقف علي عبد الله صالح عقبة في طريق نجاح العمليات العسكرية السعودية التي تحاول التصدي للمتمردين الحوثيين، وجاء قرار تدخل قوات التحالف التي تقودها السعودية عقب إطاحة المتمردين بالحكومة اليمنية في السنة الماضية، ومن المحتمل أن تكون إيران، العدو اللدود للمملكة السعودية في المنطقة، الممول الرئيسي للجماعات الحوثية.
والجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية تكبدت خسائر مالية مهمة في هذه الحرب قُدرت بمليارات الدولارات في الوقت الذي يشهد فيه اقتصادها أزمة بسبب تراجع عائدات النفط، في حين لم تحقق خلال الحرب سوى بعض الانتصارات السياسية المحدودة.
إن الموالين لصالح يتحكمون إلى جانب الحوثيين في الوزارات والأجزاء الأخرى التابعة لبيروقراطية الدولة من خلال الحكومة الذاتية
ووفقًا لبعض المحللين السياسيين، فإن علي عبد الله صالح معتاد على هذه الظروف المتأزمة التي يكون فيها الخوف والارتباك سيد الموقف.
لقد حكم علي عبد الله صالح اليمن لمدة 33 سنة بقبضة من حديد في دولة استفحل الفساد في مؤسساتها، وتفشى في مختلف هياكلها، وأحاطت بها التهديدات الأمنية من المتمردين شمالاً وصولاً إلى الانفصاليين جنوبًا، وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، دخل اليمن في علاقة متوترة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن على الرغم من احترازه في التعامل مع الولايات المتحدة، سمح علي عبد الله صالح للجيش الأمريكي ووكالة الاستخبارات الأمريكية بشن هجمات وغارات جوية على معاقل تنظيم القاعدة في اليمن في إطار التبادل العسكري والاقتصادي.
ومن جهة أخرى، لا زالت صور علي عبد الله صالح منتشرة في أنحاء العاصمة التي طالتها آثار الحرب، وبالنسبة للبعض، يوصف هذا السياسي “بالعراب” “أو الأب الروحي” في بعض الدوائر الحزبية لأنه لا يتوانى عن إلقاء الخطب السياسية وعقد الاجتماعات الحزبية والظهور في البرامج التليفزيونية المذاعة من قبل القنوات الموالية للحزب.
وفي هذا السياق، قال أحد كبار المسؤولين الأمميين في اليمن، جيمي ماكغولدريك: “يحاول علي عبد الله صالح أن يصور نفسه كصانع للملوك وهو قد عاد إلى البروز من جديد في الساحة السياسية اليمينية شئتم أم أبيتم”.
ووفقًا لما أدلى به أحد المسؤولين في وزارة الخارجية فإن صالح “ما زال يحتفظ بنفوذه في البلاد، ومن الممكن أن يلعب دورًا فعالاً في وضع حد للأزمة في اليمن إذا أراد ذلك”.
رفض مكتب علي عبد الله صالح مطالب الصحفيين لمقابلته، لكن في ظل تزايد المخاطر الأمنية في البلاد، أكد مستشاروه أن صالح ليس لديه طموحات للعودة إلى الحكم مرة أخرى، وفي المقابل، لم يستبعد المحللون السياسيون في اليمن أن يسعى صالح إلى ترشيح نجله، أحمد علي، للحكم.
وتبعُا لما أفضت إليه تحقيقات الأمم المتحدة، فإن تصرفات علي عبد الله صالح توحي، على أقل تقدير، بأنه يريد البقاء كشخصية سياسية محورية في المنطقة، وضمان حماية عائلته وثروته التي جمعها طيلة فترة ولايته، والتي تُقدر بمليارات الدولارات.
البقاء على صلة بالساحة السياسية
يُعتبر علي عبد الله صالح من الرؤساء العرب المستبدين الذين لم يُعرف مصيرهم بعد، على خلاف الرؤساء الآخرين الذين أطاحت بهم شعوبهم في الثورات العربية مثل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي انتهى به المطاف في المنفى، والرئيس المصري حسني مبارك المحتجز في المستشفى، والرئيس الليبي الذي قضى نحبه.
كما استطاع علي عبد الله صالح، البالغ من العمر 74 سنة، إقالة أولئك الذين عزلوه من منصبه، بمن فيهم قادة الحركات الاحتجاجية، وقائد الجيش الذي انقلب عليه، وعائلة قبلية منافسة له، والحزب الإسلامي الأكثر نفوذًا في البلاد، لتتهاوى جميعها تباعًا بعد سقوطه.
وفي حزيران/ يونيو الماضي، نجا علي عبد صالح من هجوم استهدف مجمعه الرئاسي، وعانى على إثره من حروق وإصابات بليغة، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة لنفيه بعد تسليم السلطة لنائبه عبد ربه منصور في شباط/ فبراير سنة 2012، فإنه لا زال متشبثًا بالتدخل في تحديد ملامح المشهد السياسي في اليمن، وفي هذا الصدد، قال منتقدوه إن علي عبد الله صالح استطاع البقاء وراء الكواليس بفضل حزبه، وتمكن الأفراد الموالون له من شغل مناصب في الحكومة الجديدة.
يقف علي عبد الله صالح عقبة في طريق نجاح العمليات العسكرية السعودية التي تحاول التصدي للمتمردين الحوثيين
تمكن هادي النأي بنفسه بعيدًا عن نفوذ علي عبد الله صالح من خلال إقالة أفراد عائلته من المناصب العسكرية والأمنية الحيوية، لكن مع سيطرة المتمردين على مناطق إضافية، اغتنم صالح الفرصة، فعندما حاصر الحوثيون العاصمة السنة الماضية فرّ هادي نحو جنوب مدينة عدن، ومنذ آذار/ مارس سنة 2015، عمل التحالف السعودي على إعادة عبد ربه منصور هادي إلى رئاسة الجمهورية.
أما بالنسبة للقوى الغربية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تمول التحالف بالأسلحة والعمليات النوعية والعديد من المساعدات الأخرى لتعزيز قوة السعودية، ودعمها في استعادة قدرتها في مواجهة تنظيم القاعدة.
وفي خضم هذا الصراع، شهد اليمنيون أزمة إنسانية هي الأسوأ من نوعها، وراح ضحية هذه الحرب آلاف الضحايا من المدنيين، كما مثّل الفراغ السياسي في اليمن فرصة للجماعات التابعة لتنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة الأخرى لشنّ المزيد من الهجمات الإرهابية، بينما تتواصل الخلافات السياسية والطائفية والانقسامات القبلية في اليمن.
وخلال فترة حكمه، خاض الرئيس علي عبد الله صالح العلماني، ستة حروب أهلية ضد المتمردين الحوثيين المتمركزين في المناطق الشمالية، الذين يَعتبرون نظامه نظامًا فاسدًا ويحملونه مسؤولية أغلب الأزمات التي تمر بها البلاد، لكن على الرغم من التشنج الذي كان بين علي عبد الله صالح والحوثيين، فإنه تمكن بعد عزله من منصبه من عقد تحالفات معهم من أجل ضمان العودة للساحة السياسية.
أما في الوقت الحالي، فإن الجنود اليمنيين الموالين لعلي عبد الله صالح يعملون إلى جانب المقاتلين الحوثيين على الجبهة الأمامية للمعركة، علاوة على ذلك، تمكن علي عبد الله صالح بفضل الكاريزما والمال من كسب ثقة القبائل القوية وضمهم إلى صفوفه وعقد تحالفات سياسية معهم ليقبلوا بحكم الحوثيين.
ووفقًا لهذه المعطيات، فإن الموالين لصالح يتحكمون إلى جانب الحوثيين في الوزارات والأجزاء الأخرى التابعة لبيروقراطية الدولة من خلال الحكومة الذاتية، إذ استطاعت هذه الحكومة التحكم في المناطق الشمالية في اليمن، بينما تشرف القوات الموالية لهادي على المناطق الجنوبية والشرقية.
لا زال علي عبد الله صالح على تواصل دائم بقادة الجماعات الحوثية المتمردة، فقد كان يعقد اجتماعات معهم ويراهن في حزبه السياسي على خبرته في الحكم، وألة الدعاية في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد أعلن صالح في التليفزيون أن التحالف الذي يقوده لديه أسلحة كافية لخوض حرب لمدة عشر سنوات أخرى، إذا لم تتخذ محادثات السلام المسار الصحيح، وتمكن علي عبد الله صالح من الصمود، في ظل العقوبات التي فرضتها عليه الأمم المتحدة، وحشد مئات الآلاف من أنصاره للتظاهر في شوارع المدن اليمنية.
يلعب علي عبد الله صالح دورًا كبيرًا في عرقلة محادثات السلام التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن، حتى إنه يمثل تهديدًا لا يُستهان به لنفوذ الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط
وفي هذا السياق، قال المحلل اليمني، رياض الأحمدي: “إنه الآن في أكثر مواقع القوة منذ تنحيه عن كرسي الرئاسة”.
وتبعًا لما صرح به محللون سياسيون غربيون، يبدو أن التوترات بين صالح والحوثيين بدأت تحتد وتتزايد بسبب الاختلاف الحاصل حول المناصب الوزارية، في حين أن المسؤولين الحوثيين قد أعربوا عن استيائهم من بعض التصريحات العلنية التي أدلى بها علي عبد الله صالح.
لكن على الرغم من الخلاف القائم بينهما، فإن مساعدي علي عبد الله صالح ينكرون وجود أي أزمة سياسية ويدّعون أن التقارير التي تتداولها وسائل الإعلام ليست سوى مكيدة محبوكة من قِبل التحالف السعودي، ولعل هذا ما أكده أحد القادة الحوثيين في آخر تصريح له إذ قال: “من الطبيعي ألا نتفق أحيانًا، لكن ليس هناك خلاف بيننا وبين حزب علي عبد الله صالح”.
ووفقًا لما صرح به مساعدوه، فإن علي عبد الله صالح لم يستقر في مكان معين أكثر من ليلة واحدة، منذ قصف قوات التحالف لمنازله في الغارات الجوية، إذ يعتقد الحوثيون، أن اليمن قد يشهد حالة احتقان شديدة وفوضى عارمة في غياب “الأب الروحي”.
وقال شرف: “إن قتلتم علي عبد الله صالح فستجدون الآلاف من أمثاله ينظرون إليكم بأعين ملؤها الحقد، وسيعتبرونكم أعداءً لهم”.
المصدر: صحيفة واشنطن بوست