يقول ماريو بوزو المحامي ومؤلف سلسلة أفلام “العراب”: “السياسة هي أن تعرف متى يجب أن تضغط الزناد”، لذلك الأحداث السياسية في تاريخ أي سياسي تبقى دائمًا سلاحًا ذا حدين من الممكن أن يعاد استخدامها ضده ولو بعد حين.
وهذا ماحدث مع هيلاري كيلنتون المرشحة الأمريكية للرئاسة في الانتخابات الأخيرة، والتي فاز بها خصمها المثير للجدل دونالد ترامب.
حيث تم إعادة إحياء حادثة مقتل السفير الأمريكي لدى طرابلس جي كريستوفر ستيفنز، وثلاثة أمريكيين في الهجوم الذي تعرضت له القنصلية الأمريكية في بنغازي في 12 من سبتمبر/ أيلول عام 2012، والذي نفذه حينها مسلحون احتجاجًا على فيلم أمريكي اعتبروه مسيئًا للإسلام.
تلك الحادثة التي وقعت خلال فترة تولي كلينتون منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، أُعيد إحياؤها مؤخرًا، من خلال فيلم سينمائي طُرح بدور العرض في فترة الحملات الانتخابية للمرشحين لانتخابات الرئاسة، ما بين شهري يناير وأبريل في العام الماضي، وتم تغطيته إعلاميًا حينها بصورة مكثفة عن طريق القنوات التليفزيونية المناصرة لدونالد ترامب، ويبدو أن الفيلم تم استخدامه جيدًا في إسقاط شعبية هيلاري كلينتون، فما التفاصيل التي حملتها مشاهد هذا الفيلم المثير للجدل؟
“13 ساعة: جنود بنغازي السريين” هذا هو اسم الفيلم الذي تناول قصة مقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز في ليبيا، أحداث الفيلم الواقعية تم أخذها من رواية تحمل نفس الاسم، والذي شارك في كتابته أبطال القصة الأصليين – ممن بقي منهم على قيد الحياة بعد حادثة بنغازي -.
تعود أحداث مقتل السفير الأمريكي للعام 2012، حيث تم الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي من قبل جماعة “أنصار الشريعة” وراح ضحية الحادث 4 أمريكيين من بينهم السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز.
اقتحام السفارة الأمريكية وحرقها في ليبيا
وكعادة الأفلام الأمريكية عندما تتناول قضايا الإرهاب في الشرق الأوسط، فإن أي مشهد تهديد قادم لا بد أن تسمع قبله صوت الأذان يرتفع مصحوبًا بموسيقى تصويرية متصاعدة مع بعض مشاهد الصلاة وتلاوة القرآن، وهذا ما ستراه بالفعل في المشاهد التي تسبق حادثة الهجوم على القنصلية.
في الدقائق الأولى من الفيلم يظهر الجنود الأمريكيون وهم يتجولون بسياراتهم في بنغازي في طريق العودة من المطار لاستقبال عضو جديد بفريقهم، فيتم اعتراضهم من قبل المسلحين الليبيين، ليهددهم أحد الجنود الأمريكيين بطائرات تحلق في السماء، تستطيع بإشارة منه أن تقتل عائلات المسلحين وهم في بيوتهم لو لم يفسحوا الطريق، ولكن عندما تم الهجوم الفعلي على السفارة والقنصلية الأمريكية، لم يجد الجنود أي حماية أمريكية لهم، وحتى أرقام الطوارئ الفورية التي من المفترض أن تكون خطًا ساخنًا بينهم وبين واشنطن لم تعمل!
خلال تصوير الفيلم بمالطا
ويظهر الفيلم بطولة فريق الحراسة في حماية موقع وكالة الاستخبارات الأمريكية، في حين هرب الحراس الليبيين وتركوا حراسة السفارة عند بدء الهجوم.
الفيلم أوصل رسالة مفادها أن السفارة لم يتم تأمينها بالشكل اللازم وبقيت تحت نيران المتطرفين لمدة 13 ساعة كاملة، دون أي تدخل من الحكومة الأمريكية، مما أدى إلى مقتل 4 دبلوماسيين أمريكيين من بينهم السفير، وبذلك تتحمل الخارجية الأمريكية ممثلة بهيلاري كلينتون آنذاك مسؤولية الحادث.
وأبرز الفيلم أيضًا، فشل مدير مقر وكالة الاستخبارات في طرابلس الذي أعطى الأوامر للحراس بعدم الذهاب إلى القنصلية والتي كانت تحت الهجوم بالفعل، في الوقت الذي كانت تبعد عنهم كيلومترًا واحدًا! حينها، استجاب الحراس لأوامر مدير الوكالة لمدة عشرين دقيقة، ثم قرروا الذهاب للقنصلية مخالفين بذلك الأوامر.
مدير الوكالة كان قد نفى هذه المعلومات في حوار له مع واشنطن بوست، وأكدت لجنة التحقيق التابعة للكونجرس رواية المدير المتقاعد الآن – لم يتم الكشف عن الهوية الأصلية لمدير الوكالة حتى الآن-.
لكن الفيلم الذي يرجع لقصة حقيقية مصدرها كتاب بنفس الاسم، اعتمد على رواية ثلاثة من هؤلاء الحراس الناجين، والذين شاركوا في الإشراف على الفيلم في مرحلة إنتاجه، حيث ظهر ثلاثتهم في لقاء مطول مع شبكة فوكس نيوز، أكدوا فيه صدور تلك الأوامر لهم بالفعل، وأنهم خالفوها من أجل إنقاذ جميع الأمريكيين من جنود ومدنيين بالقنصلية.
لقاء الحراس بقناة فوكس نيوز
تم إنتاج الفيلم الذي يتباهى صنّاعه بأن أحداثه حقيقية – على الرغم من الجدل والشكوك التي أثيرت عن إنتاجه خلال عام 2015، والغريب أن الفيلم لم يتطرق لا من قريب أو من بعيد إلى أن المتهم الأول بتنفيذ تلك الحادثة الليبي أحمد أبو ختالة، اعتقل بالفعل في نهاية عام 2014 وعقد الرئيس الأمريكي أوباما حينها مؤتمرًا صحفيًا ليعلن عن ذلك، متباهيًا أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تترك حق رعاياها، محاولًا بذلك التصريح نفي الاتهامات التي وجهت لحكومته ووزيرة خارجيته كلينتون بالتقصير في حماية السفارة والقنصلية بليبيا.
اعتقال المتهم الرئيسي أحمد أبو ختالة
وعلى الرغم من التصريحات المتكررة لصناع الفيلم بأن الفيلم غير مسيس ولا يستهدف شخصًا بعينه، فالمشاهد والمتابع لتلك الحادثة، يعلم جيدًا أنه مسيس بالفعل، وتم استخدامه ضد هيلاري كلينتون في حملتها الانتخابية بشكل قوي وفعال، وكل ذلك كان لصالح خصمها دونالد ترامب.
فالفيلم دفع القوى المحافظة والجمهوريين باستخدامه في الترويج لمدى تقصير كلينتون، وتم تحميلها المسؤولية الكاملة عن ذلك الحادث، في وقت حساس خلال منافستها لترامب طيلة الحملة الانتخابية.
حتى إنه تم استضافة أهالي القتلى الأمريكيين في عدة برامج تليفزيونية، وصرحوا علانية بأن هيلاري كلينتون تلاعبت بهم وكذبت عليهم، حيث أبلغتهم أن الحادث أمر “عشوائي” بسبب فيلم مسيء للرسول – عليه الصلاة والسلام – بينما اكتشفوا أنها تقول في رسائلها الإلكترونية المسربة إن الحادث كان مدبرًا ومخططًا من قبل متطرفين إسلاميين وهو ما تنفيه كلينتون.
لقاء الأهالي
وفي لقاء لها بولاية نيوهامشير الأمريكية خلال جولتها الانتخابية، تم طرح سؤال على كلينتون، عن أنه لا بد أن يكون هناك طرفًا كاذبًا في القصة، فكان ردها: “بالتأكيد لست أنا”، في إشارة منها إلى أن أهالي القتلى والحراس السابقين هم الكاذبون، مما أفقدها الكثير من الأصوات.
الفيلم حمل الكثير من الإشارات والرسائل، وكان من بعضها ما قاله أحد الحراس الأمريكيين لزميله:
“أنا أفكر بعائلتي الآن، ونحن في وسط هذا الجحيم، أفكر في بناتي ماذا سيقولون عني؟ سيقولون مات بمكان لم يكن يريد الوجود به! بمعركة لا يفهمها! بدولة لا تعني له شيئًا من الأساس!”.
يذكر أن الفيلم مدته 144 دقيقة، وتم تصويره بين مالطا والمغرب، ومن إخراج مايكل باي، وتصوير ديون بيبي الحاصل على جائزة الأوسكار، وهو أول تعاون بينهما، وحصل الفيلم على تقييم 7.3 في موقع “IMDB” وصدر مطلع العام 2106، بميزانية تقدر بنحو 50 مليون دولار أمريكي، وحصد نحو 53 مليون دولار كإيرادات.