بداية سنة إدارية جديدة كانت ساخنة في الجزائر، إذ شهدت عدة محافظات ومدن جزائرية إضرابات عن العمل واحتجاجات نتج عنها مواجهات عنيفة بين المحتجين والشرطة، احتجاجات تخشى السلطات الجزائرية من اتساعها ووصولها إلى العاصمة وتأثيرها على الوضع الاجتماعي والأمني للبلاد.
سنة ساخنة على الأبواب
مع بداية الأسبوع الأول للسنة الجديدة، وبدأ سريان قانون المالية للسنة الحالية، شنّت عديد من القطاعات التجارية في الجزائر إضرابات عن العمل، سرعان ما تحوّلت إلى عمليات نهب للمحلات ومواجهات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن.
بداية الاحتجاجات كانت في محافظة “بجاية “شرق العاصمة الجزائر (منطقة القبائل)، حيث بدأ التجار في إضراب عام، من المنتظر أن يستمرّ خمسة أيام، وقاموا بإغلاق المحال التجارية منذ ساعات الصباح الأولى ليوم الإثنين، احتجاجًا على قانون الموازنة العامة للبلاد وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية.
ثم لحقت محافظة البويرة (100 كيلومتر جنوب شرق العاصمة) بالإضراب، وأغلقت المحلات التجارية منذ الساعات الأولى لصباح أمس، وشمل الإضراب مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والخدماتية، وعادة ما تشكل منطقة القبائل الجزائرية، مصدر إزعاج للسلطات المركزية نظرًا لخصوصياتها الثقافية والسياسية.
أقدم المحتجون على إضرام النار في العجلات وأغصان الأشجار وقطع الطرق الرئيسية المؤدية إلى عدد من المدن والبلديات التابعة للولايات المذكورة
وأرجع العمال المضربون سبب الإضراب إلى ما تضمنه قانون المالية من إجراءات تقشفية وصفت بـ”المجحفة”، وكان نشطاء جزائريون، قد أطلقوا نداءات على شبكات التواصل الاجتماعي الشهر الماضي، للدخول في إضراب عام للتجار، بداية من الثاني حتى السابع من يناير الحاليّ، احتجاجًا على غلاء المعيشة والضغط الحكومي المستمر على مقدرات الفئات الاجتماعية البسيطة من الأجراء وصغار التجار والحرفيين، بمجرد دخول قانون الموازنة العامة للبلاد حيز التطبيق.
تزامنًا مع إضراب التجار، نظّم أهالي “بجاية” مسيرة شعبية سرعان ما تحولت إلى مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن، استعملت فيها قوات الأمن الغازات المسيلة للدموع، لتعقبها أعمال عنف ونهب وسطو في المحافظتين، حيث أقدم المحتجون على إضرام النار في العجلات وأغصان الأشجار وقطع الطرق الرئيسية المؤدية إلى عدد من المدن والبلديات التابعة للولايات المذكورة، وأظهر فيديو تعرض مقرات شركات تجارية للتخريب والسرقة.
مخاوف من توسّع رقعة الاحتجاجات
رغم تقليل وزير الداخلية والجماعات المحلية نور الدين بدوي، من خطورة الاحتجاجات وتأكيده في تصريحات إعلامية، مساء أمس، متابعة حكومة بلاده لاحتجاجات التجار والمواطنين بولاية بجاية، فإنّ السلطات الجزائرية تخشى من توسع دائرة الاحتجاجات إلى محافظات أخرى، واستبق رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال، هذه الاحتجاجات وطمأن الجزائريين، عشية رأس السنة، بأن الحكومة ستظل تدعم المواد ذات الاستهلاك الواسع، ولن ترفع يدها عن التضامن الاجتماعي، من خلال المساعدات التي تقدمها للفئات الفقيرة والمعوزة، فضلاً عن السياسة الاجتماعية التي تنتهجها، من خلال تدعيم العديد من الخدمات الصحية والتعليمية.
مظاهرات سابقة احتجاجًا على الموازنة العامة للسنة الحالية
وفي ديسمبر الماضي، أقدم التجار في عدة ولايات (البويرة وتيزي ووزو وباتنة وبومرداس) على الدخول في إضراب، حيث أغلقوا المحلات بسبب رفع الأسعار التي يراها التجار تمس بمنتجاتهم وتضر بالقدرة الشرائية للمواطن، كما نفذت نقابات منضوية تحت التكتل النقابي في الجزائر، في وقت سابق، إضرابات عامة في عدة قطاعات حساسة، مشفوعة بوقفات احتجاجية أمام مقرات عدد من المحافظات منها الأغواط وسطيف ووهران وبومرداس، احتجاجًا على قرارات حكومية بشأن التقاعد النسبي والعمل وسياسة التقشف التي ارتكزت عليها موازنة الدولة للسنة المقبلة، ووفقًا لتقارير أمنية سابقة، فإن السلطات الجزائرية تخشى من هزات شعبية محتملة ردًا على إجراءات التقشف الشديد التي تنتهجها الحكومة.
إجراءات التقشف الحكومية وراء الاحتجاجات
تضمّن قانون الموازنة العامة للسنة المالية الجديدة في الجزائر، عديد من الزيادات في مختلف المواد الاستهلاكية كالمواد الطاقية والغذائية والخدمات (الكهرباء والغاز والوقود والهاتف)، والأجهزة الكهرومنزلية والسجائر بموجب الرفع في نسبة القيمة المضافة من 17 إلى19 % ومن 7 إلى 9 %.
وشهدت أسعار مختلف السلع الاستهلاكية مثل الزيت والسكر والحليب والقهوة، ارتفاعًا قياسيًا مع دخول قانون الموازنة العامة لعام 2017 حيز التنفيذ، وسط تخوفات من تهاوي القدرة الشرائية للمواطنين.
من المنتظر أن تطبق الجزائر نموذجًا جديدًا للنمو الاقتصادي في السنوات الأربع القادمة يركز على إصلاح النظام الضريبي لتحقيق مزيد من الإيرادات وتقليص الاعتماد على صادرات الطاقة
ويمر الاقتصاد الجزائري بأزمة حادة بسبب انهيار أسعار النفط، المورد المالي الأساسي للبلاد، الأمر الذي دفع الحكومة إلى اعتماد سياسة التقشف للحد من تأثيرات هذه الأزمة التي أربكت ماليتها العامة، ودفع الهبوط الحاد في الأسعار العالمية للنفط الخام الحكومة الجزائرية لخفض الإنفاق% 9 خلال سنة 2016، على أن ترتفع نسبة الخفض على مدى السنوات القليلة المقبل، وتقول السلطات الجزائرية، إن البلاد فقدت أكثر من نصف مداخيلها من النقد الأجنبي، الذي انخفض من 60 مليار دولار عام 2014 إلى 27.5 مليار سنة 2016.
ومن المنتظر أن تطبق الجزائر” نموذجًا جديدًا للنمو الاقتصادي “في السنوات الأربعة القادمة يركز على إصلاح النظام الضريبي لتحقيق مزيد من الإيرادات وتقليص الاعتماد على صادرات الطاقة، ويستند النموذج الاقتصادي الجديد في الجزائر إلى سياسة ميزانية تم تجديدها وتعتمد على تحسين عائدات الجباية العادية بما يمكنها مع آفاق 2019 من تغطية نفقات التسيير إلى جانب نفقات التجهيز العمومي غير القابلة للتقليص.
تراجع أسعار النفط العالمي يثقل كاهل الميزانية الجزائرية
ويوصف قانون الموازنة لعام 2017 بالأكثر صرامة منذ سنوات بسبب تضمنه إجراءات تقشفية وزيادة في الضرائب ورفع جزء من الدعم على الوقود ومواد استهلاكية أساسية، من جهته أصدر صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي تحذيرًا من أن الجزائر باتت على شفير أزمة مالية حادّة وشيكة نتيجة تداعيات انهيار أسعار النفط ومضاعفات تراجع إيرادات البلاد، وجاء في التقرير أن الجزائر مقبلة على أزمة خانقة ما لم تتغير السياسات المالية المتبعة حاليًا التي أدت إلى عجز متواصل في الاقتصاد الكلي وميزان المدفوعات والميزان التجاري.