على طريقة درامية رحل مستشار مجلس الدولة السابق “وائل شلبي”في شبهه انتحار داخل محبسه بمقر الرقابة الإدارية بمدينة نصر، في الساعات الأولى من صباح أمس الاثنين، وذلك بعد اتهامه في قضايا رشوة لصالح مدير مشتريات المجلس جمال اللبان، والتي قدرت بـ 150 مليون جنية.
محامي المستشار وائل شلبي الذي شغل منصب أمين مجلس الدولة “هيئة قضائية مصرية” أعلن عن انتحاره بشنق نفسه بكوفية كان يرتديها، في حادث مفاجئ أثار العديد من علامات الاستفهام، التي حاولت وسائل الإعلام والمتابعين الإجابة عنها.
لكن كعادة الدولة المصرية قتلت أفكار البحث عن الإجابات سريعًا، بحظر النشر في القضية بقرار من النائب العام المصري يفرض عقوبات على من ينشر أي معلومات حول مقتل مستشار مجلس الدولة سواء داخل مصر أو خارجها.
سابقة هي الأولى من نوعها
لم يسبق لمسؤول مصري اتهم في قضية فساد أن انتحر بهذه الصورة، علمًا بأن هناك عشرات الحالات المشابهة لهذه القضايا، وغيرها تخص مسؤولين في أجهزة قضائية وأخرى ذات نفوذ، ولكن الشائع بحقها كان التسوية بشكل أو بآخر، وقد يمثل أبرز الأمثلة قضايا الفساد التي فتحت بعد تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك عقب ثورة يناير.
حيث طالت هذه القضايا عشرات من مسؤولي نظام مبارك قيادات سياسية وأمنية رفيعة، ولكنهم استطاعوا بعد مضي سنوات نيل حريتهم، وتسوية منازعاتهم القضائية، وقد كانت بعض هذه القضايا أعقد بكثير من قضية المستشار وائل شلبي.
المستشار وائل شلبي
ولم يسبق للرأي العام المصري أن يشهد مثل هذه الحالة إلا في سياق درامي ببعض الأفلام، أو من خلال قضية مختلفة السياق، حينما أعلنت يوم الثلاثاء 7 يناير 1986 الصحف المصرية خبر انتحار سليمان خاطر جندي الأمن المركزي المصري الذي حوكم عسكريًا في قضية قتل عدد من الإسرائيليين تجاوزوا منطقة خدمته على الحدود، وذلك في ظروف غامضة، حيث صرحت الصحف القومية حينها:”إن سليمان انتحر بأن شنق نفسه على نافذة ترتفع على الأرض بثلاثة أمتار”.
إذن هي نفس الطريقة التي تذكرنا بها حادثة المستشار وائل شلبي، والتي أثارت جدلًا حينها أيضًا، وثارت الشبهات حول تعرض سليمان خاطر للقتل من قبل جهة غير معلومة لأسباب غير واضحة، رغم أنه تمت إدانته بالفعل وبدأ في قضاء محكوميته، وهو الأمر نفسه والأسئلة ذاتها التي تطرحها قضية شبهة انتحار مستشار مجلس الدولة وائل شلبي.
شواهد دون إجابات
منذ إعلان انتحار المستشار ولا زالت عدة جهات تطرح العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام المنطقية حول الحادثة، ولكن الدولة المصرية قطعت حبل الشفافية ورفضت الإجابة على أي تساؤل بفرض حظر النشر، لكن في النهاية تبقى هذه الأسئلة ملك للرأي العام وما زالت قائمة دون إجابات.
يطرح البعض أن قضية المستشار كان يمكن احتوائها بشكل ما نظرية لحساسية منصبه، لكن فتحها بهذه الصورة يعني أنها صراع أكبر من منصبه كان يمثل فيه المستشار واجهة لهذه الصراع بين طوائف الحكم في النظام المصري، وإنهاء هذا الصراع بهذه الصورة يحمل رسالة ما، ولكن لا تزال الأطراف مجهولة.
حيث يعلق الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات القانوينة وأستاذ القانون، أنه بانتحار المستشار وائل شلبي، أمين عام مجلس الدولة، المتهم في قضية رشوة “اللبان”، داخل محبسه، يعني وفاة القضية.
جمال اللبان المتهم الرئيسي في قضية الرشوة
كذلك شكك المتابعون للقضية في حيثيات عملية الانتحار نفسها، والتي لم يحقق فيها بشكل جدي نظرًا لإنزال جثة المستشار قبيل وصول النيابة للتحقيق، وهو خطأ إجرائي خطير، يمكن أن يخفي جريمة بأكملها، ناهيك عن التشكيك في أدوات الانتحار ومكانه، ومدى سهولة الأمر كما طُرح في الرواية الرسمية.
وبالانتقال إلى قضية التوقيت يمكن الحديث عن دلالات فتح القضية في هذا التوقيت، رغم أن شبهات الفساد طالت المستشار وائل شلبي منذ وقت طويل قبيل ثورة يناير تحديدًا، مرورًا بفترة الثورة، لكن لم يتخذ أي إجراء ضده حتى في بدايات حكم السيسي، إلا أن حانت هذه اللحظة مجهولة السبب.
هذا التوقيت يزامن البعض بينه وبينه قضية تيران وصنافير المنظورة أمام مجلس الدولة، وأن ما يحدث نوع من الضغط على قضاة المجلس للوقوف في صف وجهة نظر النظام المتنازلة عن الجزيرتين لصالح المملكة العربية السعودية، وهو الأمر الذي يواجه احتجاجات شعبية.
شكوك حول رواية الانتحار
أنا غير متأكد أنه انتحر أصلاً”، هكذا بادر المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق بالرد على سؤال موقع “هافينغتون بوست عربي” هل تبدو رواية الانتحار منطقية من وجهة نظركم؟
كما أضاف في نفس التصريحات: “أخشى أن يكون للحادث تأثير سيئ على وضع القضاة، ويسهم في تمرير قانون الهيئات القضائية، وتخطي الأقدمية في تعيين رؤوساء الهيئات القضائية، وجعلها بيد الرئيس، ووفق رؤية الدولة، ما يكون وصمة عار لمن تتخطاهم التعيينات”.
حيث ربط الجمل بين الأمر وبين القانون الذي يرفضه القضاة، والذي يجعل تعيين رؤوساء الهيئات القضائية بيد رئيس الجمهورية بشكل يتعدى الصلاحيات الدستورية.
كل هذه الفرضيات حتى الآن لا يمكن ترجيح أحدها في ظل التكتم على التحقيقات وحظر النشر، ولكنها أثيرت في مواقع التواصل الاجتماعي وظهرت على الرأي العام المصري.